عدو متغطرس.. الاحتلال الإسرائيلي يدمر مستشفيات غزة ويحولها إلى "مصائد الموت".. ولبنان ينزلق في فوضى الخروقات
السبت، 04 يناير 2025 04:33 ممحمود علي
تل أبيب تراوغ في خطة الانسحاب من لبنان لاحتلال الجنوب.. وتواصل العقاب الجماعي في القطاع لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين
لا احترام للاتفاقات ولا التزام بأي تعهدات، هذا مبدأ لطالما اتخذته إسرائيل في كل صراعاتها وحروبها الخارجية، "نقض العهد" وإطلاق الحجج والأكاذيب للهروب من مسؤولياتها، وهو ما ظهر بوضوح خلال الأيام الماضية وخاصة منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ، حيث شهد الجنوب اللبناني سلسلة من الخروقات الإسرائيلية المتكررة، ارتكب خلالها جيش الاحتلال عشرات الخروقات الجديدة، ليرتفع إجمالي الانتهاكات إلى أكثر من 800 خرقاً خلال نحو شهر.
وبدلا من أن ينجح اتفاق وقف إطلاق النار في تحقيق تهدئة حقيقية على الأرض. بات الجنوب اللبناني ساحة لخروقات إسرائيلية متكررة تهدد الاستقرار وتكشف عن هشاشة الالتزام الإسرائيلي بالاتفاقيات الدولية، ما يعد مؤشرًا خطيرًا على التصعيد الإسرائيلي الذي قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق بالكامل.
هذه الخروقات تنوعت بين تقدم لقوات الاحتلال الإسرائيلية في مناطق حدودية، وقصف مواقع داخل الأراضي اللبنانية، واستهداف مركبات، مما أدى إلى سقوط ضحايا ودمار في البنية التحتية.
والغريب أن الاتفاق لم يوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب اللبناني بل أطلق يد تل أبيب لاستمرارها في تنفيذ اعتداءات جوية وبرية في كل لبنان، وتوجيه ضربات عسكرية دون العودة إلى لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق.
وبالعودة إلى بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أشرف عليه المبعوث الأمريكى آموس هوكشتاين ودخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، فأنه نص على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين، وتنفيذ الطرفين القرار 1701 بالكامل، كما أعطى إسرائيل ولبنان الحق بالدفاع عن النفس، معتبرا أن القوات العسكرية الرسمية اللبنانية هي المجموعة المسلحة الوحيدة التي ستنتشر في منطقة جنوب نهر الليطاني، ودعم الحكومة اللبنانية لنشر 10 آلاف جندي فيها، كما نص على أن تعمل الأطراف الثلاثة (لبنان وإسرائيل وقوات اليونيفل) إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا على مصادرة الأسلحة غير المصرح بها، ومنع وجود الجماعات المسلحة، وأن تبلّغ إسرائيل ولبنان قوات اليونيفل عن أي انتهاكات مزعومة.
ويتضمن الاتفاق تنفيذ خطة مفصلة لانسحاب إسرائيلي تدريجي من الأراضي اللبنانية خلال مدة لا تتجاوز 60 يوما، بالإضافة إلى حل النقاط المتنازع عليها على طول الخط الأزرق بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 1701.
لكن بالنظر إلى تطورات الأحداث على الأرض، فأنها تعكس عدم التزام واضح حتى بالخطة الزمنية المحددة لانسحاب إسرائيل من لبنان، فيوم تلو الآخر تعمق قوات الاحتلال خروقاتها التي تعدت حدود الجنوب اللبناني إلى الشرق في منطقة البقاع حيث شن جيش الاحتلال غارات جوية قبل أيام على ثلاثة مواقع في منطقة قوسايا في البقاع.
وما يؤكد استمرار تل أبيب في خروقاتها وخططتها الساعية إلى التمادي في عدوانها أكثر وأكثر في لبنان، لتنفيذ مساعيها باستمرار احتلال مناطق بالجنوب، هو ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر بتأكيدها أن قوات الاحتلال لا تتعامل مع التاريخ المحدّد للانسحاب من لبنان على أنه تاريخ مقدس.
كما يبدو من التقارير الإسرائيلية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تخطط لاحتمال البقاء في جنوبي لبنان بعد فترة الـ 60 يوماً المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار ، لتستمر تل أبيب في توجيه حجج واهية تناقلتها وسائل إعلامية عبرية ومنها مزاعم بأن "تحركاتها ستأتي أن لم يف الجيش اللبناني بالتزاماته المضمنة في الاتفاق ببسط سيطرته على كامل الجنوب"، منوهة بأنه في هذه الحالة ستبقى القوات الإسرائيلية في المناطق التي تسيطر عليها في الوقت الحالي، حتى يكمل الجيش اللبناني انتشاره وفق مزاعمها، لكن تلك الأكاذيب ردت عليها تعزيزات الجيش اللبناني لانتشاره في مناطق الجنوب، حيث أكدت قيادة الجيش اللبناني متابعة الوضع بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - اليونيفيل واللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار.
هذه الانتهاكات ألقت بظلالها على المشهد في لبنان، وأثارت إدانات وانتقادات عديدة، فعلى المستوى الدولي، دعت الأمم المتحدة، عبر قوات "اليونيفيل"، إلى ضبط النفس والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، إلا أن التصعيد على الأرض يعكس غياب الإرادة الإسرائيلية للالتزام بأي تهدئة طويلة الأمد.
على الجانب اللبناني، صرحت الحكومة بأن هذه الخروقات تمثل تهديدًا مباشرًا للسيادة اللبنانية وتعديًا على القانون الدولي، مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لفرض عقوبات على إسرائيل، لكن الاستجابة الدولية لا تزال محدودة، ما يثير تساؤلات حول جدية المجتمع الدولي في حماية الاستقرار في المنطقة.
على الرغم من هذه التنديدات، لم تظهر الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، أي التزام جدي بالاتفاق، بل على العكس، هناك تقارير تشير إلى استمرار تل أبيب في التصعيد.
وشهد لبنان تصعيدًا ملحوظًا في الانتهاكات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، حيث اطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية عمليات عسكرية واسعة النطاق في الجنوب اللبناني، متذرعة بوجود تهديدات من حزب الله، هذه العمليات أدت إلى نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص من جنوب لبنان، وتدمير واسع للبنية التحتية.
ولم تتوقف عمليات النزوح في جنوب لبنان، ورغم توقيع الاتفاق وما أعقبه من تسجيل مناطق جنوب لبنان عشرات الخروقات الإسرائيلية، ومنها قصف مدفعي وصاروخي إسرائيلي لقرى مأهولة بالسكان، امتدت المعاناة لتؤثر على الحياة اليومية لسكان جنوب لبنان، حيث يعيش الآلاف من السكان في حالة خوف دائم من تصعيد مفاجئ، في ظل غياب ضمانات دولية حقيقية لحمايتهم، كما تسببت الاعتداءات الإسرائيلية، في معاناة سكان الجنوب اللبناني من خسائر اقتصادية كبيرة بسبب صعوبة الزراعة والعمل في المناطق الحدودية نتيجة القصف المستمر.
تدمير القطاع الطبي في غزة
وبعد أن دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي تمامًا النظام الطبي في محافظة شمال قطاع غزة، وأوقفت المستشفيات الرئيسية الثلاثة هناك عن العمل، تظهر ملامح خطة مشابهة تستهدف ما تبقى من مستشفيات في مدينة غزة، التي تعمل بإمكانيات محدودة للغاية.
وتعرضت مستشفى كمال عدوان الحكومي، الأكبر في شمال القطاع قبل أيام، لاقتحام من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم إحراقها، واعتقال مديرها حسام أبو صفية إلى جانب عدد من الموظفين والمرضى والنازحين، مما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، كما حدث مع المستشفى الإندونيسي الحكومي، وفي الوقت نفسه، تستمر الدبابات الإسرائيلية في محاصرة مستشفى العودة، وهي مؤسسة أهلية في مخيم جباليا، رغم أنه أصبح غير قادر على تقديم الخدمات الطبية فعليًا.
تزامنًا مع هذه الاعتداءات على المؤسسات الطبية في شمال القطاع، تعرضت مبانٍ في مستشفى الأهلي العربي (المعمداني) والوفاء للتأهيل في غزة لهجمات متزامنة، مما أثار مخاوف كبيرة بين سكان القطاع من نوايا الاحتلال، حيث يبدو الهدف واضحا، وهو تدمير كل مقومات الحياة، بما في ذلك النظام الصحي، لدفع السكان إلى النزوح نحو الجنوب.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، يعاني القطاع الطبي من تدمير شبه كامل للبنية التحتية الصحية. استهدفت الغارات الإسرائيلية المستشفيات والمراكز الصحية بشكل يومي، مما أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة.
هذا التدمير أثر بشكل مباشر على تقديم الخدمات الطبية للسكان في غزة، حيث يعاني المرضى من نقص حاد في المستلزمات الطبية، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المستمر، كما أدى الحصار المفروض على القطاع إلى منع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية الضرورية.
وتعرضت المرافق الصحية في غزة لضغوط هائلة، فبعد أقل من ثلاثة أسابيع من إطلاق الاحتلال الإسرائيلي عدوانه، بدأت المستشفيات في إغلاق أبوابها بسبب نفاد الوقود، مما أثر على قدرتها في تقديم الرعاية الصحية، ما أدى إلى تفاقم الوضع الصحي، حيث انتشرت الأمراض وسوء التغذية بين الأطفال. ما دفع منظمات إنسانية كبرى إلى توجيه تحذيراتها من كارثة صحية في غزة، مشيرةً إلى تدهور الحالة الصحية للسكان.
وتقول الأمم المتحدة إن النظام الصحي في غزة على شفى الانهيار التام بسبب الهجمات الإسرائيلية، مؤكدة أن مستشفيات القطاع تحولت إلى مصائد موت، فيما أعربت منظمة الصحة العالمية عن صدمتها من المداهمة التي تعرض لها مستشفى كمال عدوان، والتي أدت إلى خروج "آخر مرفق صحي رئيسي في شمال غزة عن الخدمة"، وأكدت أن "التفكيك المنهجي" للنظام الصحي والحصار على شمال غزة على مدى أكثر من 80 يوما يعرض حياة 75 ألف فلسطيني المتبقين في المنطقة للخطر.
وتشير تقديرات منظمة الصحة أن بعض مناطق المستشفى احترقت وتضررت بشدة خلال الاقتحام الإسرائيلي، بما في ذلك المختبر ووحدة الجراحة وقسم الهندسة والصيانة وغرفة العمليات والمستودع الطبي، مؤكدة المنظمة أن مستشفى كمال عدوان أصبح الآن فارغا، بعد شهرين من الهجمات شبه اليومية على المستشفى ومحيطه، والتي استشهاد العشرات من الأشخاص، بمن فيهم العاملون الصحيون.
وقالت الوكالة الأممية: "مع خروج مستشفى كمال عدوان والمستشفى الإندونيسي بالكامل عن الخدمة، وفيما مستشفى العودة بالكاد قادر على العمل وتضرره بشدة بسبب الغارات الجوية الأخيرة، فإن شريان الحياة الصحي لأولئك في شمال غزة يصل إلى نقطة الانهيار"، داعية إلى ضمان دعم المستشفيات في شمال غزة بشكل عاجل لإعادة تشغيلها. لقد أصبحت المستشفيات مرة أخرى ساحات معارك، تذكرنا بتدمير النظام الصحي في مدينة غزة في وقت سابق من هذا العام.
ويكشف الواقع عن إحصائيات مروعة، فبحسب الدفاع المدني في غزة فإن الجيش الإسرائيلي قام بتدمير كل المنظومة الصحية في شمال القطاع، فيما أكدت وزارة الصحة بالقطاع أن الاحتلال أعدم حتى الآن أكثر من 1000 طبيب وممرض.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى آلاف المدنيين بينهم آلاف الأطفال، فقدوا حياتهم بسبب عدم القدرة على تقديم الرعاية الطبية، كما أدت الانتهاكات الإسرائيلية إلى معاناة القطاع من نقص 80% من الأدوية الأساسية، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة، مما يهدد حياة الآلاف.
في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، تتزايد الادانات العربية لاستهداف إسرائيل للقطاع الصحي، داعية لوقف العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية، وأعربت مصر عن بالغ ادانتها واستنكارها للاستهداف الممنهج والغاشم للاحتلال الإسرائيلي للبنية التحتية الصحية في قطاع غزة، وآخرها استهداف واخلاء مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة، والذي يعد آخر منشأة صحية رئيسية عاملة بشمال قطاع غزة في عدوان صارخ وانتهاك سافر لكل الأعراف والمواثيق الدولية يضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بقطاع غزة والتي تتنافى مع كافة المواثيق الدولية ذات الصلة، بما في ذلك التزامات إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال.
وأعادت مصر التشديد بصورة واضحة على رفضها التام والقاطع لكافة المخططات والخطوات الهادفة لتهجير سكان قطاع غزة من أراضيهم بأي شكل كان، مؤكدة على ضرورة إنهاء تلك الحرب العبثية على قطاع غزة في أقرب وقت، والتوقف عن تلك الممارسات الوحشية، والتوقف عن وضع العراقيل أمام تدفق المساعدات الإنسانية، بما يسمح بإغاثة مئات الآلاف من سكان القطاع بصورة كافية ومستدامة.
كما أدانت الجامعة العربية عبر أمينها العام أحمد أبو الغيط، بأشد العبارات قيام الاحتلال بإحراق مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة بعد اقتحامه، مما أدى إلى استشهاد عدد من الكوادر الطبية حرقا، وأدانت وزارة الخارجية السعودية «بأشدّ العبارات حرق قوات الاحتلال الإسرائيلية مستشفى في قطاع غزة، في انتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولأبسط المعايير الإنسانية والأخلاقية، واستنكرت أبوظبي بأشد العبارات حرق المستشفى.
وبدا واضحاً أن إسرائيل تستخدم القطاع الطبي كسلاح ضغط، حيث يرى مراقبون أن إسرائيل تتعمد استهداف القطاع الطبي كجزء من سياسة "العقاب الجماعي" ضد سكان غزة، في محاولة للضغط على الفصائل الفلسطينية، وعلى الرغم من الإدانات الدولية، بما في ذلك منظمات مثل منظمة الصحة العالمية، لم يتم اتخاذ خطوات عملية لتخفيف معاناة سكان القطاع. المساعدات التي تصل عبر الأمم المتحدة غالبًا ما تكون غير كافية، حيث يتم عرقلتها من الجانب الإسرائيلي.
ولا يمكن إصلاح القطاع الصحي دون رفع الحصار عن غزة والسماح بإدخال المساعدات، حيث يتطلب الوضع في غزة خطة دولية شاملة لإعادة بناء المرافق الصحية وتوفير الأدوية والمستلزمات.