حصاد 2024: شريان ممتد من الإصلاحات الاقتصادية.. تقارير دولية تؤكد انتعاشة قوية للاقتصاد مدفوعاً بالإصلاحات المستمرة وتدفق الاستثمارات الأجنبية
السبت، 28 ديسمبر 2024 03:04 مهبة جعفر
صفقة تطوير رأس الحكمة كلمة السر في قلب الموازين الاقتصادية لصالح الدولة.. وبرنامج الطروحات يزيد مساهمة القطاع الخاص
عام مواجهة التحديات الاقتصادية والتغلب عليها، هو أفضل وصف لعام 2024، بكل جدارة مع التوترات السياسية والاقتصادية التي أحاطت بالشرق الأوسط من حروب في غزة والسودان ولبنان، وما شهدته سوريا من أحداث، والهجمات الحوثية علي البحر الأحمر وتعطيل حركة الملاحة البحرية وانخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة أقتربت من الـ70%. كل هذه المعوقات وغيرها من الأزمات الاقتصادية العالمية أدت غلى ارتفاع التضخم وبطء النمو العالمي، ورغم كافة الأزمات العالمية فقد خاضت الدولة المصرية حرب اقتصادية من أجل التغلب علي الأوضاع السياسية المتأزمة والوصول بالاقتصاد الوطني إلى بر الأمان من خلال الإصلاحات الهيكلية التي اتخذتها، محققة أهداف هامة في 2024 ومستمرة في 2025، وسط توقع من صندوق النقد الدولي بأن يبلغ حجم الناتج المحلى المصرى بالقيمة الاسمية نحو 345.9 مليار دولار فى 2025، مؤكدا أن نسبة النمو المتوقعة العام المقبل 4.1%، كما توقع تراجع التضخم فى مصر إلى 24.1% العام المقبل من نسبة 35.2% في 2024.
وأوضح الصندوق أن النمو فى الناتج المحلى الإجمالي لمصر يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات فى البنية الأساسية والطاقة، بسبب المشروعات فى قطاعات النقل، الإسكان، والخدمات الأساسية، بهدف تطوير البنية التحتية، وتوفير وظائف جديدة، وتعزيز الاستثمار.
وتستهدف الدولة المصرية خلال الفترة من 2024 إلى 2030 رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات تواكب طموحات المصريين تتراوح مـا بيـن %6 و4% فـي المتوسـط، وفـق تركيـز أكبـر علـى نوعيـة النمـو الاقتصـادي.
وشهد 2024 ارتفاع نسبة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات إلى 37%، ومن المخطط زيادتها إلى 48% وفق الخطة الاقتصادية للدولة للعام المالي 2024/2025 على أن هذا التوجه نحو زيادة نصيب القطاع الخاص في الاقتصاد القومي يأتي محققًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة ومتسقًا مع مستهدفات برنامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي ورؤية مصر 2030 المحدثة.
ووفق هذه الوتيرة للنمو الاقتصادي مــن المتوقع أن يرتفـع النتائج المحلـي الإجمالـي المصـري ليسـجل خـلال الفتــرة 2030-2024 نحــو 77 تريليون جنيــه؛ حيــث مــن المستهدف رفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي.
وتسعى الدولة المصرية إلى تعزيز مكانة الاقتصاد ليصنــف مــن بيــن أسرع الاقتصادات العالمية نمــوا خلال الفتــرة 2024 /2030 بمــا يســمح ببلـوغ المسـتهدفات الاقتصاديـة الكليـة الطموحة، فرغم أنه من المتوقع أن تنخفــض معدلات نمــو الاقتصاد العالمـي إلـى 3.1% سـنويا خـلال الفتـرة 2024/2023 الا أن التوقعات تشير إلى ارتفاعه في كصر إلى 5.6% سـنويا خـلال الفتـرة نفسـها بحسـب تقديـرات صنـدوق النقـد الدولي.
التقارير الدولية عن الاقتصاد المصري
وجاءت تلـك المسـتهدفات متوافقة مـع عـدد مـن التقديـرات الدوليـة التـي توقعت صعـود الاقتصـاد المصـري ليصنف مـن بيـن أكبـر عشـرين اقتصـادا علـى مسـتوى العالـم فـي 2030، ورجحت تقارير حديثة أن يتسارع نمو الاقتصاد المصري إلى 5.1% في العام المالي المقبل 2025- 2026، واستبعدت أن يشهد الجنيه المصري مزيدًا من الخسائر مقابل الدولار الأمريكى خلال الربع الأول من العام المقبل، وقالت وحدة أبحاث "بي إم آي" التابعة لمؤسسة "فيتش سوليوشنز"، إن هذه التوقعات مدعومة بالتحسن المتوقع في حركة الملاحة بالبحر الأحمر، ونمو قطاع الخدمات على خلفية هدوء المخاطر الجيوسياسية وانخفاض تكاليف الاقتراض الذي سيؤدي إلى زيادة الاستثمار.
وخفضت الوكالة توقعاتها لنمو الاقتصاد في مصر بمقدار 0.5 نقطة مئوية للعام المالي 2024- 2025 ليصل إلى 3.7%، نزولا من 4.2% في سبتمبر، وعزت هذا الخفض إلى ضعف الأداء في الربع الأخير من العام المالي السابق 2023- 2024، إلى جانب الاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر التي تقلل من إيرادات قناة السويس، ورغم ذلك ما زال النمو مرتفعا مقارنة بالعام المالي السابق، حيث أشار التقرير إلى أن انتعاش الصادرات غير النفطية وزيادة الاستثمار سيقودان نمو البلاد فوق مستوى 2.4% الذي تحقق بالعام المالي الماضي، مستبعدا أن يشهد سعر صرف الجنيه مزيدا من التراجع أمام الدولار بفضل تحسن معنويات المستثمرين والتدخل في السوق.
وأشارت فيتش إلى أن ضعف الدولار، وانحسار التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك عودة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها واستقرار إيرادات قناة السويس، قد يساعد الجنيه على استعادة بعض خسائره، ورجح تقرير أصدره معهد "ماستر كارد" للاقتصاد، أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي في مصر، نموًا بنسبة 4% خلال العام المقبل، متجاوزًا معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي من المتوقع أن يبلغ 3.2% بزيادة ضئيلة عن مستوى 3.1% خلال العام عام 2024.
ويستهدف البرنامج الجديد للحكومة ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات، إذ تسعى الحكومة إلى خفض العجز المالي من خلال ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات العامة، مع استهداف زيادة متوسط النمو السنوي للإيرادات العامة إلى مستوى 17.4%، و يركز البرنامج أيضًا على خفض معدلات البطالة إلى مستوى 6.5%، ورفعت وكالة فيتش التصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر إلى B لأول مرة منذ 4 سنوات، مع نظرة مستقبلية مستقرة في ظل وفرة تدفقات النقد الأجنبي والإجراءات الإصلاحية الأخيرة أهمها مرونة سعر الصرف.
وخلال عام 2024 شهد الوضع الاقتصادي تحسن واضح علي كل المستويات وكانت حصيلة الاستثمارات الأجنبية في مصر خلال العام تجاوز 46 مليار دولار، وهو الأمر الذي ساعد بشكل كبير علي ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر والذي وصل وفقاً للبنك المركزي إلى 46.952.1 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، كذلك تدفق الاستثمارات الأجنبية حيث تصدرت قائمة الدول الإفريقية في جذب هذه الاستثمارات، وكانت صفقة راس الحكمة كلمة السر في قلب الموازين الاقتصادية لصالح الدولة، فقد ساهمت في انتعاش الاقتصاد المصري وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في المشروعات الاستثمارية المصرية
وفي 24 فبراير 2024، وقعت مصر عقدا لتطوير مشروع رأس الحكمة بشراكة إماراتية، على أن يستقطب المشروع استثمارات تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار خلال مدة تطوير المشروع، تتضمن 35 مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا للدولة المصرية خلال شهرين، وقالت وكالة فيتش، إن الصفقة المصرية البالغة 35 مليار دولار مع الإمارات لتطوير رأس الحكمة من شأنها أن تخفف ضغوط السيولة الخارجية وتسهل تعديل سعر الصرف، وساهمت الصفقة في تحسين الأوضاع الاقتصادية بتراجع الدين العام وزيادة الاحتياطي الأجنبي وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في المشروعات الاستثمارية المصرية.
برنامج الأطروحات الحكومية
وفي 12 نوفمبر 2023، أعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن مصر تستهدف طرح 32 شركة ضمن برنامج الطروحات الحكومية، وقال إنه تم التعاقد مع مؤسسة التمويل الدولية كمستشار استراتيجي لبرنامج الطروحات يتضمن تجهيز 50 شركة حكومية للطرح. وتستهدف مصر زيادة مساهمة القطاع الخاص بنسبة 65% من إجمالى الاستثمارات المنفذة خلال الثلاث سنوات المقبلة، وفي 10 يناير 2024، حددت الحكومة نحو 61 شركة حكومية جديدة من بينها عدد من البنوك ستقوم الحكومة بطرحها سواء للبيع لمستثمر استراتيجي أو طرح حصص منها بالبورصة المصرية بهدف تفعيل وثيقة ملكية الدولة، وتوفير سيولة دولارية في ظل أزمة العملة التي تعانى منها مصر حاليا، في 13 فبراير 2024، قال وزير المالية، إن الدولة تستهدف عوائد تصل إلى 6.5 مليار دولار من برنامج الطروحات الحكومية بنهاية عام 2024.
ترشيد الإنفاق الحكومي
في 31 يناير 2024، قرر مجلس الوزراء خفض تمويل الخزانة العامة بالخطة الاستثمارية للعام المالي 2023-2024 بنسبة 15% من الاعتمادات المستهدفة للجهات ضمن الموازنة العامة للدولة و إنه لن يتم البدء في مشاريع جديدة في هذه السنة المالية، ولكن سيتم إعطاء الأولوية للمشاريع التي اكتملت بنسبة 70 % أو أكثر والتركيز على الاحتياجات الاستثمارية الضرورية والملحة دون غيرها، في ضوء الالتزام بالتوجيهات الخاصة بترشيد الإنفاق وخفض سقف الدين الخارجي وتشجيع المنتج المحلي والصناعة الوطنية.
حزمة الحماية الاجتماعية
في 07 فبراير 2024، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتفعيل حزمة حماية إجتماعية، تتضمن العمل على رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً، و زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1000 إلى 1200 جنيهاً شهرياً بحسب الدرجة الوظيفية، وكذا تخصيص 15 مليار جنيه زيادات إضافية للأطباء والتمريض والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وتخصيص 6 مليارات جنيه لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى، شملت الحزمة الاجتماعية، إقرار 15% زيادة في المعاشات لـ 13 مليون مواطن، بتكلفة إجمالية 74 مليار جنيه، و15% زيادة في معاشات "تكافل وكرامة" بتكلفة 5,5 مليار جنيه، لتصبح الزيادة خلال عام 55% من قيمة المعاش، على أن يتم تخصيص 41 مليار جنيه لمعاشات تكافل وكرامة في العام المالي 2024-2025. وتتضمن الحزمة الاجتماعية رفع حد الإعفاء الضريبي لكافة العاملين بالدولة بالحكومة والقطاعين العام والخاص بنسبة 33%، من 45 ألف جنيه إلى 60 ألف جنيه، بتكلفة إجمالية سنوية 5 مليارات جنيه.
أعلى رفع لأسعار الفائدة
وفي 6 مارس 2024 وفي اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية قرر البنك المركزي، رفع سعر الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، ليصل عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، كما رفع سعر الائتمان والخصم بالنسبة ذاتها ليصل إلى 27.75%، وهي أعلى زيادة في تاريخ قرارات رفع أسعار الفائدة.
وفي 6 مارس 2024 قرر البنك المركزي المصري تخفيض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأميركي لأول مرة منذ أكثر من 14 شهراً، وذلك عقب رفع أسعار الفائدة بنحو 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي وأكد المركزي، أنه في إطار استهداف معدلات التضخم سيعمل على السماح لسعر الصرف أن يتحدد وفقاً لآليات السوق.
التسهيلات الضريبية
وأطلقت وزارة المالية مبادرة التسهيلات الضريبية في 9 أكتوبر 2024، والتي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال في مصر من خلال تبسيط الإجراءات الضريبية وتقليل الأعباء المالية على الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة. المبادرة تأتي في إطار سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى إلى تعزيز الشفافية، زيادة الامتثال الضريبي، وحل النزاعات القديمة بين الممولين ومصلحة الضرائب.
وتستهدف الحزمة الجديدة وضع نظام ضريبي متكامل ومبسط ومحفز لصغار ومتوسطي الممولين حتى 15 مليون جنيه سنويًا وتشجيع المشروعات الصغيرة والشركات الناشئة وأنشطة ريادة الأعمال و"الفري لانسرز" و"المهنيين" تضمن ايضا حوافز وإعفاءات وتيسيرات جديدة تشمل كل الأوعية الضريبية الدخل والقيمة المضافة والدمغة ورسم تنمية موارد الدولة، الإعفاء من ضرائب "الأرباح الرأسمالية" و"توزيعات الأرباح" و"الدمغة" و"رسوم الشهر والتوثيق" للمنضمين لهذا النظام المبسط، الإعفاء من تطبيق نظام الخصم أو الدفعات المقدمة، وسيتم تقديم أربعة إقرارات فقط للقيمة المضافة خلال العام، وسيكون أول فحص ضريبي بعد ٥ أعوام.