الدرونز.. تربك الشارع الأمريكي
السبت، 21 ديسمبر 2024 01:56 ممحمد الشرقاوي
"المسيرات" تظهر في سماء الولايات الأمريكية وتزيد المخاوف من أعمال إرهابية واختراق للأمن القومي
الطائرات الحديثة تغيير شكل المواجهات العسكرية وتصبح رأس الحربة في الحروب الحديثة.. وسلاح أساسي للجماعات الإرهابية
الطائرات الحديثة تغيير شكل المواجهات العسكرية وتصبح رأس الحربة في الحروب الحديثة.. وسلاح أساسي للجماعات الإرهابية
ظهرت الطائرات المسيرة (الدرونز) بشكل مفاجئ في سماء الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، لتعيد إلى الأذهان قوتها وتأثيرها الكبير على ساحة الحروب والصراعات، خاصة في ظل مخاوف من استخدامها في أعمال إرهابية.
وكانت بداية هذا الظهور من مدينة نيويورك، حيث شهدت انتشارًا واسعًا للطائرات المسيرة في سمائها الأسبوع الماضى، دفع هذا السلطات الأمريكية للتحرك بسرعة للكشف عن هويتها وأسباب ظهورها المفاجئ. بحلول الأسبوع التالي. تكرر نفس الحادث في مناطق أخرى من الولايات المتحدة، مثل نيوجيرسي، مما أثار القلق في أوساط المسؤولين الأمريكيين والمواطنين على حد سواء. وأعلنت السلطات في نيويورك نشر نظامًا متطورًا لرصد المسيرات في سماء أمريكا، بحسب صحيفة وول ستريت الأمريكية.
وأكد وزير الأمن الداخلي الأمريكي، أليخاندرو مايوركاس، أنّ الحكومة تتخذ إجراءات لمواجهة الارتفاع الأخير والغامض في نشاط الطائرات المسيّرة في سماء نيوجيرسي وأجزاء من الساحل الشرقي، مؤكداً أنّ الحكومة الفيدرالية خصصت موارد إضافية، تشمل كوادر بشرية، وتقنيات متطورة لمساعدة الشرطة في التعامل مع المسيرات في سماء أمريكا.
وجاء النظام المتطور الذي أعلنه وزير الأمن الداخلي الأمريكي للتعامل مع المسيرات في سماء أمريكا، بعد يوم واحد فقط من دعوة حاكمة نيويورك كاثي هوشول، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتكثيف جهودها وتحقيقتها للوصول لنشاط المسيرات المُحير.
وقالت حاكمة نيويورك إن الطائرات المسيرة في سماء أمريكا عرقلت بالفعل حركة الطائرات المدنية، وبسبها تم إغلاق مطار ستيوارت الدولي، الموجود شمال مدينة نيويورك بسبب هذه الطائرات، بينما قال عضو مجلس النواب الأمريكي مايك والتز، مستشار الأمن القومي في إدارة دونالد ترامب، إن رصد عدد من الطائرات دون طيار في نيوجيرسي وولايات أمريكية أخرى ألقى الضوء على ثغرات في أمن المجال الجوي الأمريكي يتعين سدها.
ويأتي ذلك في وقت قللت فيه إدارة بايدن، من المخاوف بشأن العدد المتزايد من مشاهدات المسيرات في سماء أمريكا، قائلة إن معظمها تتعلق بطائرات مأهولة، وأكدت أنه لا يوجد دليل على أي تهديد للأمن القومي.
تقول تقارير إن محاولات الحكومة الأمريكية للتقليل من خطورة الظاهرة لن تجدي نفعاً في ظل تكرار ظهور مثل هذه الطائرات، حيث اشتدت المخاوف مع تكرار الحوادث وتوسع نطاقها إلى مدن أخرى، ما دفع المسؤولين إلى الاعتراف بوجود ثغرات في أمن المجال الجوي الأمريكي، وهو ما جعلهم يدركون ضرورة سد هذه الثغرات بسرعة، لتفادي المزيد من الأحداث المجهولة التي قد تهدد الأمن العام.
طائرات الدرونز وتغير سير المعارك
لم تكن هذه الحوادث في الولايات المتحدة مجرد حالة عرضية، بل كانت مؤشرًا على تحول جذري في طبيعة الصراعات المسلحة في العصر الحديث، فطوال العقد الماضي، بدأت الطائرات المسيرة تلعب دورًا حيويًا في الحروب والصراعات حول العالم، لتصبح جزءً لا يتجزأ من التكتيك العسكري في العديد من النزاعات الكبرى.
ومنذ بداية استخدامها العسكري في أوائل القرن الواحد والعشرين، أثبتت الطائرات المسيرة قدرتها الكبيرة على تغيير قواعد اللعبة في الحروب، حيث كانت تستخدم بدايةً لأغراض استطلاعية ومراقبة، ثم تطورت لتصبح سلاحًا هجوميًا يستخدم في الضربات الدقيقة ضد الأهداف العسكرية، بل وحتى في الهجمات على المنشآت الاستراتيجية، وبالتالي أصبحت سلاحًا مفضلًا في العديد من الصراعات، خاصةً في المناطق التي تزدحم فيها القوات العسكرية المعادية، مثل الشرق الأوسط.
فلقد كانت الطائرات المسيرة حاضرة بشكل بارز في المعارك التي دارت في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن، حيث استخدمتها الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بشكل واسع لتنفيذ هجمات على أهداف حيوية.
وبرزت أيضًا في المعارك بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، وبالتالي مع انتشار هذا النوع من الأسلحة، بدأت العديد من الدول في تطوير أنظمة دفاع جوي لمواجهتها، ولكن مع تزايد تطور التكنولوجيا وتخفيض تكاليف إنتاجها، أصبحت الطائرات المسيرة تشكل تهديدًا أكبر، خاصةً في ظل القدرة على تنفيذ الهجمات من مسافات بعيدة دون التعرض لخطر مباشر.
وتُظهر هذه الظاهرة أن الطائرات المسيرة لا تشكل فقط تهديدًا في ميدان المعركة التقليدية، بل يمكنها أيضًا أن تؤثر في ميزان القوى في أي نزاع إقليمي، فالقدرة على تنفيذ هجمات دقيقة وبعيدة المدى تجعلها سلاحًا استراتيجيًا ذا تأثير فوري على خصومها.
وبتتبع الحالات، فقد تمكنت الطائرات المسيرة من إحداث دمار كبير في البنى التحتية الحيوية، مثل الهجمات التي استهدفت حقول النفط السعودية، والتي أدت إلى تقليص إنتاج المملكة من النفط إلى النصف، ما أثار قلقًا كبيرًا بشأن الأمان الإقليمي والعالمي.
تحولاً في الحروب الحديثة
أثبتت التجربة أن استخدام الطائرات المسيرة قد غيّر بشكل جذري مفهوم الحروب المعاصرة، فهي تمكن الدول والتنظيمات من تنفيذ هجمات من دون الحاجة إلى إرسال قوات برية أو حتى استخدام الطائرات الحربية التقليدية، كما أن تكلفتها المنخفضة ومرونتها في التعامل مع الأهداف المعقدة جعلتها سلاحًا مثاليًا للصراعات منخفضة التكلفة، وهو ما ضاعف من استخدامها من قبل الدول الصغيرة أو الجماعات المسلحة التي يمكنها شراء أو تصنيع طائرات مسيرة بأسعار معقولة، مما جعل من الصعب تحديد من يستخدم هذه الطائرات في السياقات المختلفة.
تقول تقارير إن الطائرات المسيرة دخلت في مرحلة من التطور الكبير خلال السنوات الأخيرة. فقد بدأت بعض الطائرات المسيرة تستخدم الذكاء الاصطناعي لزيادة قدرتها على تحديد الأهداف وتنفيذ المهام بشكل مستقل، وهو ما يزيد من تعقيد المعركة ويجعل من الصعب اعتراض أو تدمير هذه الطائرات، وهذا التقدم التكنولوجي جعلها أكثر دقة في استهداف المواقع الحيوية، مما يزيد من صعوبة التصدي لها.
تحدي لأمن الدول
تمقل الطائرات المسيرة تحدياً كبيرة للأمن الدولي، إذ إنه مع تطور هذه التكنولوجيا، تزداد قدرتها على الهجوم وتنفيذ العمليات في مناطق استراتيجية، في ظل تزايد تكاليف الدفاع الجوي التقليدي، أصبح من الضروري تطوير حلول تكنولوجية لمكافحة الطائرات المسيرة، ومع استخدام العديد من الدول هذه الطائرات كأداة هجومية، فإن هذا التحدي يزداد تعقيدًا، خاصة في ظل غياب قانون دولي شامل لتنظيم استخدام الطائرات المسيرة في الحروب.
وتستمر الطائرات المسيرة في تغيير مجرى الحروب، وقدرتها على التأثير في الصراعات المستقبلية تتزايد. إن ردود الفعل الدولية على هذه الظاهرة تشمل تطوير أنظمة دفاعية متطورة لمواجهتها، بالإضافة إلى استراتيجيات جديدة في مكافحة التهديدات الأمنية المتزايدة.
وفي الوقت ذاته، لا تزال العديد من الدول تدرك أن استخدام الطائرات المسيرة قد يكون سيفًا ذا حدين، فقد توفر مزايا تكتيكية، لكنها في نفس الوقت قد تؤدي إلى تفشي الصراعات بشكل أسرع وأكثر صعوبة في السيطرة عليها.
بالنظر إلى أن الطائرات المسيرة أصبحت سلاحًا استراتيجيًا في الحروب الحديثة، يبدو أن المستقبل سيشهد تطورًا مستمرًا لهذه التكنولوجيا، قد يتم تطوير طائرات مسيرة أكثر تطورًا بقدرات هجومية ودفاعية أعلى، مما سيغير طبيعة الحروب المعاصرة بشكل جذري، وستكون الطائرات المسيرة جزءً من الحروب الجديدة التي لن تكون قائمة على الأسلحة التقليدية بل على الأنظمة التكنولوجية المتطورة.
الحرب الروسية الأوكرانية وساحات الدرونز
تُظهر الحروب الحديثة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، كيف يمكن للطائرات الصغيرة ذات الرأس الحربي المحدود أن تشكل تهديدًا ضخمًا للأسلحة الثقيلة والدبابات، وخلال الحرب الأوكرانية، أصبحت الطائرات بدون طيار أداة أساسية في تنفيذ الهجمات ضد الأهداف البعيدة، مثل المنشآت العسكرية والصناعية في عمق الأراضي الروسية، وتظهر طائرات مثل "أووا" و"إف بي في" قدرة الدولتين على استهداف مواقع على بعد مئات الكيلومترات، مما يعزز من استراتيجيات الحرب الهجومية، ورغم أن هذه الطائرات قد تكون أرخص بكثير من الصواريخ التقليدية، فإنها تظل فعالة في تدمير أهداف استراتيجية وحرمان العدو من مفاتيح قوته.