وزير الأوقاف: مواجهة التطرف تبدأ بالفكر وتنتهي بالأمن الميداني.. الإرهاب الحديث يعتمد على غياب الغطاء الفكري
الخميس، 19 ديسمبر 2024 06:12 مكتبت منال القاضى
أكد وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري أن البشرية مرت بعدة انفجارات معرفية، بدأت باختراع الطباعة الذي أحدث ثورة كبرى في سهولة الوصول إلى العلم والمعرفة، رغم ما صاحب ذلك من ضجيج ،تلا ذلك عصر الإعلام التقليدي ثم عصر القنوات الفضائية،وصولًا إلى "ثورة السوشيال ميديا"، التي أفرزت تحديات كبيرة تمس الهوية والمستقبل، خاصة في الجانب الديني.
وأوضح الوزير – خلال الندوة التي عقدتها الهيئة الوطنية للصحافة اليوم "الخميس" - أن العقود الماضية شهدت ظهور 40 تيارًا متطرفًا، تبدأ أفكارها بالتكفير ثم الجهاد، فالولاء والاستعلاء بالإيمان، وصولًا إلى فكرة الخلافة والتمكين،مؤكدا أن القاسم المشترك بين هذه التيارات هو انطلاقها من هذه المبادئ الفكرية.
وقال إن مواجهة التطرف تتطلب تكاتف المؤسسات، مشيرًا إلى أن الدور التنفيذي يقع على عاتق القوات المسلحة والشرطة لمواجهة العمليات الإرهابية على الأرض، في المقابل، تتحمل المؤسسات الفكرية المسؤولية الأكبر في تحقيق الأمن الفكري،مما يخفف العبء عن المؤسسات التنفيذية،مشددا على أهمية دور الفكر في مكافحة التطرف، معتبرًا أن التصدي لهذه الأفكار هو الخطوة الأولى نحو حماية المجتمعات.
وأضاف وزير الأوقاف أن التيارات المتطرفة قامت بطباعة ونشر نحو ألف كتاب تكفّر المسلمين،بما في ذلك الأزهر الشريف، الشعب المصري، الجيش، الشرطة، وعدد كبير من المؤسسات في العالم،واصفا هذه الكتب بأنها "المنجم الذهبي" لهذه التيارات، حيث تستند إليها لتنفيذ مخططاتها الإرهابية ونشر أفكارها الهدّامة.
ولفت إلى أن تنظيم داعش وحده يمتلك أكثر من 15 ألف حساب نشط على وسائل التواصل الاجتماعي،مع افتتاح حسابات جديدة بكم هائل يوميًا،مشيرا إلى أن هذه التيارات تستغل التكنولوجيا والسوشيال ميديا بفعالية كبيرة،مما يمنحها أسبقية في نشر أفكارها عبر العالم الرقمي.
وأكد ضرورة مواجهة هذا التحدي التكنولوجي، مشددًا على أهمية تعزيز الوعي الفكري لمواجهة هذا النوع من التطرف،داعيا المؤسسات إلى التعاون في سد الفجوة التكنولوجية مع التيارات المتطرفة التي تستغل منصات التواصل لنشر الفكر الإرهابي وبث رسائلها المدمرة.
وأوضح أن تنظيم داعش يخطو خطوات متسارعة في استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي،مما يشير إلى وجود خبراء على أعلى مستوى يدعمون هذه الأنشطة،وأن بعض الدول توظف التنظيمات الإرهابية، مثل داعش، لرسم خطط تخدم مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك إنشاء قواعد عسكرية وتأمين مصادر الطاقة، أو للتأثير في واقع المنطقة لتحقيق أهداف سياسية.
وأشار الأزهري إلى أن هذه الدول تتعامل بحذر مع الإرهاب، خوفًا من أن يؤدي إلى موجات هجرة غير شرعية تُحدث تغييرات اجتماعية وأمنية غير مرغوبة.
وأوضح الوزير أن هناك فارقًا كبيرًا بين طبيعة الإرهاب في السبعينيات والثمانينيات والإرهاب الحديث. فقد كان الإرهاب في الماضي يعتمد على نشر أفكار مغلوطة مباشرة عبر المساجد أو من خلال الكتب، ويستغرق شهورًا لتشكيل عقلية متطرفة. أما اليوم، فقد تحول إلى استخدام مكثف للتكنولوجيا والسوشيال ميديا، ما يجعل نشر الأفكار المتطرفة أسرع وأكثر تأثيرًا.
وأكد على أهمية مواجهة هذه الظاهرة بأدوات حديثة ومتطورة تواكب التحديات الراهنة، محذرًا من مخاطر التلاعب بورقة الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية على حساب أمن واستقرار الشعوب.
وأضاف وزير الأوقاف أن الإرهاب اليوم لم يعد يعتمد على التواصل المباشر مع الأفراد، لأن المجتمع بات يلفظ تلك الأفكار المتطرفة. وأوضح أن التنظيمات الإرهابية باتت تستهدف أفرادًا يعانون من احتقان نفسي ويعيشون في حالة من الانفجار الداخلي، مما يجعلهم فريسة سهلة للاستقطاب دون الحاجة إلى غطاء فكري متماسك.
وأشار إلى أن هذه الجماعات تقدم عوائد مادية ضخمة وتستغل الأفراد للعمل لفترات تصل إلى ثماني ساعات يوميًا، يتم خلالها تحويل العقلية الطبيعية إلى عقلية داعشية متطرفة.
وأكد خطورة هذه الأساليب المستحدثة التي تعتمد على استغلال الثغرات النفسية والمادية، داعيًا إلى تعزيز الجهود الفكرية والتوعوية لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الأمن المجتمعي.
ولفت وزير الأوقاف إلى أن الإرهاب والتطرف ليسا حكرًا على دين أو ثقافة بعينها،مشيرًا إلى أن المسلمين تم ابتلاؤهم بفكر داعش المتطرف، بينما واجه المسيحيون نسخة مشابهة في "جيش الرب الأوغندي" المرتبط بتفسيرات متشددة للإنجيل.
وقال إن اليهود والهندوس وغيرهم عانوا أيضًا من ويلات الإرهاب، الذي يعتمد على نفسية محتقنة تبحث عن غطاء فكري، ولو بجملة واحدة، لتبرير العنف والتطرف.
وأوضح أن الإرهاب والتطرف يعبران حدود الأديان والثقافات،ويستغلان الاحتقان النفسي لدى الأفراد، مما يجعل أي شخص عرضة للتطرف، بغض النظر عن خلفيته الدينية أو الثقافية.
وقال إن تنظيم داعش استغل هذه الظاهرة بشكل ممنهج، حيث حول أفكاره إلى مجلة إلكترونية باسم "النبأ"، واستخدم منصة يوتيوب لنشر محتواه المتطرف، مما يظهر تحول الإرهاب إلى أدوات رقمية حديثة لنشر فكره والتأثير على العقول.
ودعا إلى توحيد الجهود الدولية والفكرية لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد استقرار المجتمعات كافة.
وشدد وزير الأوقاف على أن مواجهة الإرهاب والتطرف تتطلب استنفارًا شاملاً وتكاتفًا مجتمعيًا وحكوميًا أمام حرب فكرية شرسة تؤثر في جميع تفاصيل الحياة، خاصة الشباب والأطفال،وأن تأثير وسائل الإعلام الحديثة ومنصات مثل يوتيوب على الأطفال والنشء بات يفوق بكثير تأثير الأسرة، والمدرسة، والجامعة، وحتى المؤسسات الدينية كالمسجد والكنيسة.
وأوضح أن الحرب الفكرية اليوم لا تعتمد فقط على الأفكار المتطرفة، بل أيضًا على الأدوات التكنولوجية الحديثة التي تغزو العقول بسهولة وبسرعة. ودعا إلى ضرورة تطوير استراتيجيات جديدة تجمع بين الجهود الفكرية، التربوية، والتكنولوجية لمواجهة هذه التأثيرات السلبية وحماية الأجيال القادمة من الوقوع فريسة للتطرف.
وأكد وزير الأوقاف أن على الدعاة التحلي بالثقافة العميقة والقراءة الجادة، خاصة في مؤلفات المدرسة المصرية،التي تسهم بشكل كبير في التحصين الفكري ضد الإرهاب والأفكار المتطرفة. وشدد على أهمية تمكين الدعاة من مواجهة الأفكار المتطرفة بفاعلية، خصوصًا على منصات السوشيال ميديا التي أصبحت ساحة أساسية للحوار والتأثير.
وأشار إلى ضرورة مشاركة الدعاة في دورات فكرية متخصصة، تُعزز قدراتهم على التعامل مع التحديات الفكرية المعاصرة، وتمكنهم من التصدي للحجج المغلوطة التي تستغل لزرع التطرف في عقول الشباب والنشء،ودعا إلى الاستثمار في تأهيل الدعاة ليكونوا حصنًا فكريًا وقادرين على مواجهة هذه التحديات بحكمة ووعي.
وأعرب وزير الأوقاف عن تقديره البالغ لدور الصحافة ورجالها، خاصة رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير، الذين ساهموا بدور توعوي وتنويري كبير لدعم الوطن.. مؤكدا اعتزازه بدعم الصحفيين له، مشيرًا إلى أن نجاحه في أداء مهامه لم يكن ليتحقق لولا الجهود التي بذلوها في توصيل الرسالة ونشر الوعي.
وثمّن الوزير التعاون المثمر وبناء الجسور بين الوزارة والهيئة، مشيدًا بتبادل الخبرات والعمل المشترك الذي أسهم في تنوير الطريق وتحقيق الأهداف المشتركة، بما يخدم مصلحة الوطن.