خريطة جديدة للنفوذ في سوريا بعد سقوط الأسد

السبت، 14 ديسمبر 2024 03:24 م
خريطة جديدة للنفوذ في سوريا بعد سقوط الأسد
محمد الشرقاوى

 الفصائل المسلحة تتقدم و«قسد» تتراجع.. القوى الإقليمية والدولية تتدخل للعب أدوار حاسمة فى تحديد معالم المرحلة المقبلة

شهدت الساحة السورية، تحولات جذرية مع نهاية نوفمبر الماضى، عندما بدأت التنظيمات والفصائل المسلحة بالسيطرة على المدن والبلدات، وصولا إلى العاصمة دمشق فى 8 ديسمبر، ما أدى إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بعد ثلاثة عشر عاما من اندلاع الأزمة فى 2011.

جاءت هذه التطورات المفاجئة والسريعة، كنتيجة طبيعية للتفاعلات السياسية والعسكرية التى سبقتها، لكنها تحمل تداعيات غير مسبوقة على مستقبل سوريا والمنطقة ككل.

وتميزت الأزمة السورية بطابعها المعقد، الذى ارتبط بتصلب النظام السورى فى التعامل مع التحديات، فقد رفض الأسد الانفتاح على أى حلول سياسية شاملة، ما ساهم فى تفاقم الأزمة الداخلية، خاصة مع تعدد الفاعلين الدوليين والإقليميين، الذين حولوا سوريا إلى مسرح للحروب بالوكالة، ولم يفلح الانفتاح العربى على الوضع فى سوريا، وإعادة مقعدها فى الجامعة العربية عام 2023 فى تغيير سياسات النظام، حيث استمر فى التمسك بمواقفه دون تنفيذ أى خطوات عملية نحو الحل، ما قوض الجهود العربية والدولية، للحد من تداعيات الأزمة، وهو نفس الأمر، الذى تعامل به الأسد مع الأطراف الإقليمية الفاعلة فى المنطقة.

الوضع على الأرض

شهدت خارطة السيطرة فى سوريا، تغيرات استراتيجية فى ديسمبر الجارى، مع انسحاب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من منبج ودير الزور، ما أدى إلى إعادة توزيع النفوذ العسكرى بين الفصائل المسلحة والقوى الدولية الفاعلة فى البلاد، حيث هذه التطورات، تؤكد تصاعد التنافس على الأرض السورية، وتفاقم التعقيدات السياسية والعسكرية، خاصة مع التغيرات الجذرية فى موازين القوى الإقليمية.

وبحسب مدير المرصد السورى لحقوق الإنسان، رامى عبدالرحمن، انسحبت ميليشيات «قسد» من كامل مدينة دير الزور، وتراجعت إلى سبع قرى شرق الفرات، قرب حقل كونيكو للغاز، ما يشير إلى تحول مناطق شرق الفرات إلى بؤرة صراع محتدمة بين الميليشيات الموالية للنظام والقوى المحلية، الأمر الذى أضعف السيطرة الكلية لـ«قسد» بشكل ملحوظ، حيث باتت تسيطر الآن على 20% فقط من الأراضى السورية، بينما سيطرت الفصائل المسلحة على منبج.

وصعدت «إدارة العمليات العسكرية»، التى تضم «هيئة تحرير الشام» وعددا من الفصائل المسلحة المتحالفة، لتصبح القوة المسيطرة على 70% من الأراضى السورية، تشمل السيطرة على العاصمة دمشق، بالإضافة إلى عشرات المواقع العسكرية، التى أخلتها القوات النظامية، ما يعكس تراجع النفوذ المركزى للدولة لصالح قوى محلية وإقليمية.

ويعكس المشهد الحالى فى سوريا، عدة معالم جديدة، تؤسس لمرحلة ما بعد سقوط النظام السورى، حيث تلعب القوى الإقليمية والدولية أدوارا حاسمة فى تحديد معالم المرحلة المقبلة، لكن مع استمرار حالة الانقسام الداخلى، يبقى التساؤل قائما حول مدى قدرة الفصائل المسيطرة على تحقيق الاستقرار، وإطلاق عملية سياسية شاملة، تعيد بناء الدولة على أسس مستدامة.

ضبابية المشهد وانتهازية الاحتلال

يقول تقرير أعده الباحث محمد عبدالرازق للمرصد المصرى، تحت عنوان: «أسباب وتداعيات: ماذا يعنى سقوط النظام السورى؟»، إن التغيرات الجيوسياسية فى المنطقة، لعبت دورا رئيسيا فى تحديد مصير النظام السورى، وتحديدا منذ عملية «طوفان الأقصى»، التى أطلقتها حركة حماس فى أكتوبر 2023، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من الصراع، وانحسار قوة حزب الله اللبنانى، وتدمير قدراته، إلى جانب تراجع فعالية الميليشيات الداعمة للنظام السورى الأخرى، وهو ما خلق فراغا استغلته الفصائل المسلحة، لتعزيز مواقعها.

ويضيف التقرير، أن سقوط النظام السورى، يفتح الباب أمام تحولات كبيرة فى مستقبل البلاد، إذ يزيل المبرر القانونى لتواجد أى قوات أجنبية داعمة لبشار الأسد فى سوريا، وتنامى أطراف إقليمية أخرى، كما يتيح هذا السقوط لإسرائيل فرصة لتوسيع نفوذها فى الجولان، والمناطق المحيطة، خاصة مع غياب أى قوى معارضة فعالة على الأرض.

وهو بالفعل ما حدث، فالثلاثاء الماضى، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بشكل صريح، أن هضبة الجولان السورية المحتلة، التى تطل على هضاب الجليل وبحيرة طبريا، ستظل «إسرائيلية إلى الأبد»، وهو ما تزامن مع تقارير عن توغل القوات الإسرائيلية فى المنطقة العازلة المحاذية لهضبة الجولان المحتلة، ما يثير تساؤلات حول تداعيات هذا التوغل على الأوضاع الإقليمية والاتفاقيات الدولية.

وأكد مدير المرصد السورى لحقوق الإنسان، رامى عبد الرحمن، أن القوات الإسرائيلية، تقدمت نحو ريف دمشق، متجاوزة منطقة القنيطرة، ووصلت إلى مشارف العاصمة، مشيرا إلى أن التوغل امتد لمسافة 25 كيلومترا جنوب غرب دمشق.

ووفق ما نقلته مصادر أمنية لوكالة رويترز، فإن القوات الإسرائيلية، وصلت إلى مدينة قطنا فى ريف دمشق الجنوبى، الواقعة على بعد عشرة كيلومترات داخل الأراضى السورية شرقى المنطقة المنزوعة السلاح، التى تفصل بين الجولان المحتلة وسوريا.

وعلى الجانب الآخر، نفت مصادر أخرى صحة دخول الاحتلال إلى منطقة «قطنا»، وهو ما عززه تصريح المتحدث باسم الاحتلال الإسرائيلى، دانيال هاغارى، الذى أنكر وصول التوغل إلى عمق 25 كيلومترا من دمشق، مؤكدا أن القوات الإسرائيلية، لم تتجاوز المنطقة العازلة، إلا أنه أقر بأن إسرائيل دخلت هذه المنطقة، ما يعنى عمليا إلغاء اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 بين الجانبين السورى والإسرائيلى.

غير أن أكثر من 250 غارة إسرائيلية، كشفت عن النوايا الحقيقية للاحتلال، حيث دمرت أهم المواقع العسكرية والترسانة العسكرية السورية بشكل كامل، فجر الأحد، طالت من خلالها مطارات ومستودعات وأسراب طائرات ورادارات ومحطات إشارة عسكرية ومستودعات أسلحة وذخيرة ومراكز أبحاث علمية وأنظمة دفاعات جوية، كذلك ضربت منشأة دفاع جوى وسفنا حربية فى ميناء اللاذقية، شمال غربى البلاد.

ويعكس ذلك توغلا إسرائيليا جديدا، حيث تستمر تل أبيب فى ترسيخ سيطرتها، متجاهلة الالتزامات الدولية والاتفاقيات السابقة، وهو ما يثير مخاوف من احتمالية تأجيج الأوضاع فى المنطقة، خاصة فى ظل التحركات الميدانية الإسرائيلية، وتداخل المصالح الدولية والإقليمية فى الصراع السورى.

ووفق تقارير، فإنه رغم الانتصارات العسكرية، التى حققتها الفصائل المسلحة، فإن المستقبل السورى، يظل غامضا، حيث وجود تحديات، تتمثل فى إعادة بناء الدولة، وإطلاق عملية سياسية شاملة، والتعامل مع التنوع العرقى والدينى فى البلاد، قد تؤدى إلى تعقيدات إضافية، وصد الانتهازية الإسرائيلية، ناهيك عن مخاوف من أن تتحول سوريا إلى ساحة صراع داخلى بين الفصائل، خاصة مع غياب رؤية موحدة للمستقبل، بالإضافة إلى أن موقف القوى الدولية من أى ترتيبات سياسية أو عسكرية جديدة، سيؤثر بشكل كبير على الاستقرار فى البلاد.

مصر تحذر من خطورة الأوضاع

وأدانت مصر، الاثنين الماضى، استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة مع سوريا، والمواقع القيادية المجاورة لها، بما يمثل احتلالا لأراض سورية، مطالبة مجلس الأمن الدولى بالتدخل واتخاذ موقف حازم.

وقالت وزارة الخارجية المصرية، فى بيان لها، إن مصر تدين بأشد العبارات، استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة مع الجمهورية العربية السورية، والمواقع القيادية المجاورة لها، بما يمثل احتلالا لأراض سورية، وتعتبره انتهاكا صارخا لسيادتها، ومخالفة صريحة لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974.

وحذرت من أن الممارسات الإسرائيلية، تخالف القانون الدولى، وتنتهك وحدة وسلامة الأراضى السورية، وتعد انتهازا لحالة السيولة والفراغ فى سوريا، لاحتلال مزيد من أراضيها؛ لفرض أمر وواقع جديد على الأرض بما يخالف القانون الدولى.

ومرارا حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من خطورة انزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى حرب واسعة النطاق، مؤكدا أن التوترات المتصاعدة، تهدد الاستقرار الإقليمى والدولى، وأن استمرار الصراعات المسلحة، وتصاعد الأزمات السياسية، قد يؤديان إلى تداعيات كارثية، تطال الشعوب، وتزيد من معاناتها، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، التى تواجهها العديد من دول المنطقة.

وأكد الرئيس السيسى، أن الحلول الدبلوماسية والتعاون الدولى، هما السبيل الوحيد لتجنب التصعيد، وتحقيق الأمن والسلام، محذرا من أن تصاعد العنف، قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، تزيد الأوضاع تعقيدا، مؤكدا ضرورة إيجاد تسويات عادلة وشاملة للأزمات الحالية، بما يحفظ سيادة الدول، ويعزز استقرارها.

ماذا بعد الأسد؟

تحت عنوان «لماذا قد تجلب المنعطفات القادمة فى سوريا أهوالا أعظم من الأسد؟»، تناولت صحيفة «تليجراف» البريطانية، تداعيات سقوط نظام بشار الأسد، مشيرة إلى أن الثورة، التى استمرت 13 عاما، انتهت فى غضون 11 يوما فقط، بينما تظل الأحداث المقبلة مفتوحة على جميع الاحتمالات.

وأكدت الصحيفة، أن منطقة الشرق الأوسط، تشهد تحولات تاريخية، ليست الأولى فى الأشهر الأربعة عشر الأخيرة منذ الهجوم فى السابع من أكتوبر من العام الماضى، مشيرة إلى أنه مع انتقال السلطة فى سوريا، يبدو المشهد الإقليمى مهيأ لإعادة التشكيل من جديد.

ونقلت عن محمد على أبطحى، نائب الرئيس الإيرانى السابق، وصفه سقوط الأسد بأنه «حدث تاريخى فارق» فى الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن شبكة وكلاء إيران، أصبحت مهددة بشكل غير مسبوق، بينما نقلت عن مظلوم عبدى، قائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، أن اللحظة الراهنة، تمثل فرصة لبناء سوريا جديدة، قائمة على العدالة والديمقراطية، رغم التحذيرات من احتمالية استمرار الصراع بين الفصائل المسلحة الساعية لتحقيق مصالحها فى البلاد.

الولايات المتحدة فى المشهد

وتشير تصريحات الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، إلى سياسة غير متداخلة تجاه الوضع السورى، حيث دعا الإدارة الحالية لعدم التورط فى «الفوضى السورية»، معتبرا أن المعركة لا تخص الولايات المتحدة.

ودعت الولايات المتحدة الفصائل السورية إلى تولى قيادة البلاد بالتبعية، مُؤكدة أهمية إدارة عملية شاملة، لتشكيل حكومة انتقالية فى سوريا.

وبحسب وكالة الأنباء رويترز، قال مسئولان أمريكيان بالكونجرس الأمريكى، اطلعا على أول اتصالات أمريكية مع الفصائل السورية، إن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، حثت الفصائل على عدم تولى القيادة التلقائية للبلاد، بل إدارة عملية شاملة، لتشكيل حكومة انتقالية.

وتشكل المناقشات، التى جرت على مدى الأيام القليلة الماضية منذ التطورات الأخيرة فى سوريا، جزءًا من جهد أكبر تبذله واشنطن، للتنسيق مع الجماعات المختلفة داخل سوريا فى محاولتها للتعامل مع تداعيات سقوط نظام الأسد.

وقال مسئول لرويترز، إن الولايات المتحدة بعثت رسائل إلى الفصائل السورية المسلحة، فى توجيه الجهود المبكرة لإنشاء هيكل حكم رسمى للبلاد، مؤكدة أن واشنطن، تعتقد أن الحكومة الانتقالية، يجب أن تمثل رغبات الشعب السورى، ولن تدعم سيطرة هيئة تحرير الشام، دون عملية رسمية لاختيار قادة جدد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق