هجمات هيئة تحرير الشام ومعارك شمال سوريا: تعكشف عن صراع نفوذ واستباق لتحولات إقليمية

لماذا نشطت الميليشيات المسلحة في سوريا الآن؟

السبت، 07 ديسمبر 2024 02:39 م
لماذا نشطت الميليشيات المسلحة في سوريا الآن؟
محمد الشرقاوي

الجيش السورى يجهز لهجوم مضاد بعد القضاء على إرهابيين بمحيط دير الزور وحماة.. وانتظار دولى لنتائج "اجتماعات آستانا"
تشهد جبهات الشمال السوري تطورات ميدانية متسارعة، حيث أطلقت ميليشيات سورية مسلحة هجومًا موسعًا في الأيام الأخيرة، معلنة سيطرتها على مناطق استراتيجية جديدة، بما في ذلك مطار كويرس العسكري في حلب، و3 مطارات أخرى، عن السيطرة على خان شيخون وضواحيها، وهي خريطة سرعان ما تتغير في ظل محاولات الجيش إلى استعادة السيطرة ورد الهجوم.

وبينما تستمر العمليات العسكرية، تتزايد الحركات الدبلوماسية والتواصل السياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، في محاولة لفرض وقف إطلاق النار، والحد من توسع رقعة الصراع في وقت عصيب يمر به الإقليم، مع استمرار اشتعال جبهة قطاع غزة، والهدوء الحذر الذي يعيشه لبنان.

وتواصل الفصائل المسلحة تقدمها في ريف حماة الشمالي، حيث حاولت التقدم من ثلاثة محاور رئيسية، ففي الأسبوع الماضي تمكنت من السيطرة على عدة قرى وبلدات جديدة، أبرزها صوران، طيبة الإمام، حلفايا، ومعردس، إضافة إلى منطقة قلعة المضيق في الجهة الغربية من ريف حماة.

وبالنظر لطبيعة الأوضاع، فإن هجوم هيئة تحرير الشام في حلب، الذي بدأ في 27 نوفمبر الماضى لم يكن مفاجئًا، بل كان جزءً من استراتيجية طويلة الأمد بدأتها الهيئة منذ العام السابق، مستغلة الأحداث الإقليمية الكبرى مثل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وبالتالي محاولة العودة وإثبات الوجود، كما أستغلت انشغال النظام السوري في الضربات الإسرائيلية على العاصمة دمشق، وتراجع سطوة وقوة الأطراف الإقليمية الداعمة له.

مع الأخذ في الاعتبار تزايد ضربات الجيش السوري الموجعة لتلك الميليشيات على مدار العام الماضي وتحقيق انتصارات، وهو ما لم تنكره الهيئة، التي بررت هجومها على حلب بأنه رد على الهجمات المشتركة من قبل القوات الروسية والسورية في أكتوبر 2024، والتي استهدفت فصائل الهيئة في إدلب، بهدف تحجيمها، وهو ما ردت عليه الهيئة بالتوسع والسيطرة على حلب، لتنتهي بذلك حالة الهدوء النسبي التي شهدتها سوريا من 2017، عندما دخل "اتفاق آستانا" حيز التنفيذ برعاية الأطراف الفاعلة، وأسفرت عن اتفاقات لخفض التصعيد في إدلب في 2018 و2020، التي ظلّت هيئة تحرير الشام ترفضها.

وخلال الأيام الماضى، تمكنت قوات الجيش السوري من القضاء على عشرات المسلحين التابعين لهيئة تحرير الشام الإرهابية في محيط بلدتي دير الزور وريف حماة الشمالي، بحسب ما أعلنته القيادة العامة للجيش السوري، وقالت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" أن وحدات الجـيش السوري تعمل على تدعيم الخطوط الدفــاعية والإسناد على المحور  الشمالي بريف حماة تمهيداً لبدء الهجـوم المضاد ضد التنظـيمات الإرهابية في تلك المنطقة.

وتصدت وحدات من الجيش السوري والقوات الرديفة لهجوم شنته قوات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (مجلس دير الزور العسكري) في الريف الشمالي لمحافظة دير الزور.

وسبق أن أعلن مجلس دير الزور العسكري، المنضوي تحت قيادة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، السيطرة على عدة قرى في ريف دير الزور الشرقي، مؤكدا أن قرار دخوله إلى هذه القرى تلبية لنداء الأهالي إثر تزايد المخاطر المحتملة باستغلال تنظيم داعش الإرهابي للمعارك الدائرة في الشمال السوري.

وقوات "قسد" هي تحالف يقوده الأكراد في شمال وشرق سوريا وقد عمل مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمجابهة تنظيم داعش الإرهابي، وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية وتضم مقاتلين من العرب، على ربع سوريا، بما في ذلك حقول النفط والمناطق التي ينتشر فيها نحو 900 جندي أمريكى.

 

ما هي مسارات آستانا؟

قبل الدخول في الحديث عن ما وراء المعارك الجديدة على الساحة السورية، نعرض طبيعة محادثات "أستانا" للسلام في سوريا، بين الدولة السورية والمعارضة ممثلاً سياسيًا والميليشيات ممثلاً عسكرياً، برعاية روسية تركية إيرانية.

ونقلت وسائل إعلام حكومية إيرانية، عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا من المرجح أن يجتمعوا في إطار عملية آستانة يومي السبت والأحد 7 و8 من ديسمبر الجاري لمناقشة الملف السوري على هامش منتدى الدوحة.

جرت تلك المحادثات في العاصمة الكازاخستانية "أستانا" عام 2017، ونص الاتفاق على حكم مناطق شمال غرب سوريا، يما يشمل إدلب وأجزاء من ريف حلب واللاذقية، وكانت الجولة الأولى في يناير 2017، وتضمنت مباحثات أعقبها توقيع وقف إطلاق النار بين دمشق وأنقرة، في حين جرت جولة أخرى في فبراير 2017، وانتهت بتشكيل لجان لمراقبة وقف إطلاق النار، بينما في يوليو من نفس العام كانت الجولة الثانية التي بحثت آليات لمراقبة مناطق خفض التوتر ونشر قوات فيها.

ثم في سبتمبر جرت جولة ثالثة تم الاتفاق خلالها على إنشاء منطقة خفض التوتر في إدلب شمالًا، ثم في ديسمبر بنهاية العام جرى تشكيل مجموعتين لتبادل الأسرى والمفقودين والجثث وإزالة الألغام، ثم توقفت الاجتماعات بعد الجولة الرابعة عشرة في العام 2019 بسبب جائحة كورونا، ثم استأنفت مرة أخرى في جولتها الـ 19 في نوفمبر الماضي 2024، وبحثت ملفات اللجنة الدستورية والأوضاع الميدانية، ولم تحقق أي انفراجة جديدة في بخصوص تطبيع علاقات سوريا وبعض الأطراف الإقليمية، وإحداث أي تقارب، رغم تعهدات الضامنين.

البيان الختامي لجولة نوفمبر، أكد مواصلة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب بجميع مظاهره، والتصدي للمخططات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا وسلامة أراضيها وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة، بما في ذلك الهجمات والتسلل عبر الحدود.

واستعرضت الأطراف بالتفصيل الوضع في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وشددت على ضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة بشأن إدلب، وشددت أيضاً على أهمية منع أي أنشطة تخريبية لأطراف ثالثة يمكن أن تزيد من زعزعة استقرار الوضع، مع الاتفاق على عقد جولة جديدة من محادثات آستانا في النصف الأول من عام 2025.

 

ما وراء المعارك؟

ورغم كافة المؤشرات التي تؤكد دخول سوريا مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، إلا أن هناك أبعاد سياسية أخرى لهذه المعارك، بالنظر لطبيعة التحركات الإقليمية قريبة الصلة بالأزمة السورية، وذلك إن أخذنا في الاعتبار عدم الصلة المباشرة للوضع في غزة ولبنان، بتطبيق نظرية "فصل الساحات"، والنظر لكل حالة على حدة.

وبالتالي فإنه بالنظر إلى تطورات مفاوضات آستانا، وجهود دفع النظام السوري لتطبيع العلاقات مع أطراف إقليمية فاعلة، فإن يمكن القول إن هيئة تحرير الشام استبقت جهود تطبيع العلاقات، لأن نجاح أي تفاهمات إقليمية من شأنها التوصل لتنسيقات أمنية وبالتالي رفع يد الدعم من الداعمين لها، وإعطاء الضوء الأخضر للجيش السوري باستعادة السيطرة على شمال سوريا، وخاصة في إدلب وحلب، حيث النفوذ الأساسي لهيئة تحرير الشام، وبالتالي لتجنب هذا السيناريو، قامت الهيئة بهجوم عسكري استباقي واسع على منطقة تمتد 60 كيلومترًا وبعمق 30 كيلومترًا داخل حلب.

ويعتبر هذا التصور هو الأقرب وفقاً للمعطيات على الأرض، غير أن هناك تفسير إضافي لهذه التحركات، أشارت له صافيناز محمد أحمد، وهي خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في مقالة لها بعنوان: "هيئة تحرير الشام والتمدد نحو حلب... لماذا الآن؟".

تقول صافيناز في المقالة المنشورة بتاريخ 30 نوفمبر الماضي، إن محاولة هيئة تحرير الشام ترجع لاستباق أي سياسية أمريكية جديدة تخص الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا، وذلك بفرض أمر واقع جديد قبل تولى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب مقاليد السلطة فى يناير 2025، عبر طرح نفسها كرقم مهم على معادلة الأزمة وعلى أي تسوية سياسية إقليمية مقبلة بشأنها، حيث يلاحظ أن مناطق النفوذ الأمريكية فى سوريا تقع فى مناطق الشمال الشرقى، وليست فى مناطق الشمال الغربى حيث نفوذ هيئة تحرير الشام، لكن الأخيرة تستهدف طرح نفسها على معادلة التسوية برمتها.

وبالتالي فإن هناك احتمالية لاستمرار توتر الأوضاع الأمنية في شمال سوريا، لحين التوصل إلى اتفاق وصيغة جديدة بين الأطراف الفاعلة في الأزمة، سواء باجتماعات عاجلة في الدوحة، أو اجتماعات أستانا في عام 2025، وهو ما لمحت له المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بقولها إن العمل يجري حاليا بخصوص مسألة اجتماع الدول المشاركة في "صيغة أستانا" بشأن سوريا.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة