التصدي للأكاذيب «أمن قومي».. الصفحات المزيفة على السوشيال ميديا أكبر منصة لترويج الشائعات
السبت، 07 ديسمبر 2024 01:44 مأمل غريب
خبراء: "الاكونتات المضروبة" تستهدف نشر الفوضى وإحداث القلق.. والقانون يعاقب على المساهمة في نشر أي محتوى مزيف
وسط عالم رقمي تتسارع فيه الأحداث وتتفاعل معه الشعوب وتتواصل فيما بينها، أصبح كل منشور على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أداة جديدة من أدوات توجيه الرأي العام، إلا أنه بات سلاحا مدمرا، تستخدمه الجماعات الإرهابية لنشر الأكاذيب وتزييف الحقائق، لعدة أهداف تسعى إلى تحقيقها، منها التلاعب بالهوية وتغييرها، زعزعة الثقة بين الشعوب والحكومات وخداع الوعي، خلق رأي عام مُضلل، للوصول في نهاية الأمر إلى شعب يائس مهزوم فاقد الثقة لا يؤمن بدين أو دولة أو بقضية، من خلال ترويج الشائعات عبر الصفحات المزيفة على فيسبوك وإكس وإنستجرام، وهي ليست مجرد حسابات وهمية، بل هي أحد أدوات التلاعب النفسي لخلق واقع زائف، يُفضي ضرار بحياة الشعوب وصنع أزمة ثقة وتشوش هوية بشكل يفوق التصور.
ويتم إنشاء صفحة على فيسبوك أو حساب عبر إكس أو إنستجرام، بأسم شخصية مشهورة، كأن يكون ممثلا أو رياضيا أو رجل أعمال أو عالم.. إلخ، وبعدما تحصد الصفحة آلاف بل أحيانا ملايين المتابعين، يتم بيعها إلى أي شخص أو جهة مقابل مبالغ مالية كبير، وهنا يتم تغيير نشاطها وأسمها لصالح المشتري الجديد للترويج عن الأمر الذي اشترى من أجله الصفحة أو الحساب.
وتعد مصر، هي أكثر الدول التي تعرض لحرب الشائعات، خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، وهو ما وضع على كاهلها مسؤولية كبرى في التصدي للأكاذيب ومواجهتها والحفاظ على أمن وأمان وسلامة المجتمع المصري، لحماية المصريين من السقوط في أتون النيران المشتعلة بالمنطقة، فرض خطة الشرق الأوسط الجديد، وتنفيذ مخطط التقسيم للأراضي العربية، والذي تم تنفيذه فعليا على أرض عدد من الدول العربية المحيطة بمصر، سواء من الشرق أو الغرب أو الجنوب، ولم يبقى في المؤامرة إلا الدولة المصرية وتماسك شعبها وصلابة القيادة السياسية، وتصدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمؤامرات وكشفه عنها وإعلانه عن المتورطين فيها سواء كانت دولا أو أنظمة أو جماعات، محذرا إياهم من المساس بالسيادة المصرية، أو التلاعب بعقيدة المصريين أو تماسك وتلاحم الشعب.
الأمر قد لا يبدو خطيرا لغير المتخصصين، بل أن العامة من الشعب لا يدرك ولا يعي مدى خطورة انتشار الصفحات والحسابات المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن الكثير من الناس يستهينون بالموضوع من الأساس، لكن الحقيقة التي يعيشها العالم هو أن حروب الشعوب لا يشعلها إلا الشائعة، ولا يزكي نيرانها إلى انتشارها ولا تلتهم إلا المصدقين لها والمتفاعلين معها، ولا يؤدها إلا المتمسكين بالإيمان بالوطن وأرضه وترابه وسماءه.
واتجهت الدولة إلى وضع حلولا عاجلة، من أجل الحد من انتشار الشائعات داخل الشارع المصري، والتصدي للأكاذيب التي تروجها جماعة الإخوان الإرهابية، بدأتها بإعلان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بإطلاق مبادرة "دور التنظيم الذاتي للإعلام في مكافحة الشائعات"، والتي خرجت توصياتها بإطلاق موقع "امسك مزيف"، كآلية عملية للتعامل مع الشائعات التي تنشر على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، حيث يتيح للشخص الدخول والإبلاغ عن أي شائعة وحذفها، في ظل الحق الذي منحه القانون للمجلس في التعامل مع الصفحات المزيفة وحذفها، وكذلك أوصت المبادرة بتشكيل لجان لرصد الصفحات المزورة باسم مسئولين وشخصيات عامة وفنانين ومؤسسات الدولة، والتي تنشر أخبار مفبركة، للبدء في اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها .
كما أكدت توصيات مبادرة "التنظيم الذاتي للإعلام في مواجهة الشائعات"، ضرورة الاستمرار في الإجراءات التي يتخذها المجلس لملاحقة الحسابات المزيفة، والكتائب الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال نشر الوعي بين الجمهور حول كيفية الإبلاغ عن تلك الحسابات المزيفة، والإجراءات التي يتخذها المجلس بهذا الشأن، وتعظيم مفهوم الأمن الإعلامي بين المواطنين وحماية المجتمع من الشائعات، فضلا عن التعاون بين المجلس ووسائل الإعلام في تفعيل آليات التنبؤ بالشائعات ومواسمها، مثل "موسم دخول المدارس"، والتعامل معها مبكرًا، من خلال ضخ أكبر قدر من المعلومات لعدم ترك مجال لظهور الشائعات، بالإضافة إلى تدشين منصة يتمكن من خلالها الصحفيين والإعلاميين التحقق والتدقيق في الصور والأخبار، كذلك عمل دورات تدريبية بين الإعلاميين والمتحدثين الرسميين للوزارات والجهات المختلفة حول كيفية الرد على الشائعات، فيما أوصت بضرورة الحسم من كل الجهات المختصة في تطبيق القانون ضد مروجي الشائعات، وإساءة استخدام التكنولوجيا الحديثة في وسائل الإعلام، وعدم نشر أخبار أو فيديوهات إلا بعد التأكد من مصدرها، ورفع الوعي لدى أولياء الأمور بضرورة متابعة استخدام أبنائهم لمواقع التواصل والألعاب الإلكترونية، كونها تمثل خطرًا كبيرًا عليهم في المستقبل.
وأوضح الدكتور عبد الوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي بجامعة الدول العربية، أن الغرض من إنشاء الحسابات والصفحات المزيفة، غالبا ما يكون بهدف نشر الإشاعات الكاذبة أو التي يمكن أن تثير القلق والجدل أو لترويج فكر ديني أو إرهابي أو نشر الفتن الطائفية أو المساس باستقرار الدولة أو جهات معينة، لذلك فإن كافة الأغراض الدافعة لإنشاء صفحة مزيفة تكون سيئة، خاصة أن المستخدم العادي لا يستطيع التمييز بين الصفحات المزيفة أو الحقيقية، ولا يمكن الكشف عنها إلا من خلال بعض التطبيقات الخاصة عن تلك الفنيات التكنولوجية، ولا تتوفر إلا لدى الجهات الأمنية أو بعض الشركات الكبيرة وحسب، كونها تطبيقات مدفوعة وذات تكلفة عالية.
وأكد غنيم، أن القانون يعاقب على المساهمة في نشر أي محتوى مزيف، حتى إذا لم يكن الشخص الذي أعاد نشره يعرف ذلك ويجهله، حيث أنه ساهم في إذاعة الشائعات التي قد تؤثر على أمن الدولة واستقرارها وأجهزتها ومؤسساتها، كما يرى أن هناك لذا ضرورة للتأكد من صحة المحتوى المتداول قبل نشره سواء من الجهات الإعلامية أو الأفراد، حفاظًا على الأمن العام، وطالب المواطنين بالحصول على معلوماتهم من الجهات الرسمية التابعة للدولة، والتي أصبحت تمتلك صفحات موثقة وحقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة.
ومن جهة أخرى، يرى الدكتور محمد بحيري، أستاذ الذكاء الاصطناعي، أن الصفحات المزيفة تستخدم بيانات غير صحيحة، بهدف ممارسة أعمال غير قانونية أو مدفوعة من جماعات وتنظيمات وجهات معينة، تستهدف تنفيذ خطط محددة، منها نشر الشائعات والأكاذيب، من أجل الإضرار باقتصاد الدولة أو سياستها ونشر الفوضى وإحداث القلق داخل مجتمعها، مشيراً إلى وجود دوافع نفسية تدفع الأشخاص لإنشاء صفحات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وتوضح الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن من يزيفون الصفحات ويروجون الشائعات والأكاذيب، من أجل الإضرار بالصالح العام، فهؤلاء هم الأكثر خطورة على المجتمع، خاصة أنهم في أغلب الأحيان، وبنسبة كبيرة جدا، "مأجورون" ويتم استخدامهم بهدف إثارة البلبلة والتشكيك في كل ما هو موجود داخل المجتمع، بغرض توجيه المواطنين ضد تماسك وزرع الفرقة، وأكدت أن هذا النوع يحمل خطورة حقيقية تجاه المجتمع والمؤسسات والحكومات والدولة بشكل عام، مما يستوجب مواجهته، وذلك عبر إتاحة المعلومات والحقائق للأفراد، حتي يتمكن الأشخاص العاديين القدرة على فرز الحقائق، وذلك بناء على الخلفية المعلوماتية التي توفرت لديهم، حيث أن هذا النوع من الصفحات المزيفة، هدفه الأول دائما، إصابة أمن المجتمع وزعزعة استقراره ودمه من الداخل وشق صفوفه، ولا تظهر فعاليتها وأثارها إلا في أوقات الأزمات والكوارث والحروب، حيث ينقطع فيها الإعلام عن بث الحقائق والمعلومات أو أن تكون المعلومات متضاربة، وهنا تصبح وسائل التواصل الاجتماعي، هي الملجأ الأساسي التي يعتمد فيه المواطنين على معرفة الجديد، بسبب نقص المعلومات المتوافرة لديهم، وترى أنه حتى يتم تحصين الأفراد من الوقوع في فخ الشائعات والأكاذيب والتشكيك، أو شعور عدم الثقة والمصداقية الذي ينتج بسبب ينبع قلة المعلومات المتوافرة وتضاربها، بشأن الأحداث الجارية في الدولة أو مؤسساتها، لذا هناك أهمية قصوى، لتوافر المعلومات أولاً بأول، عبر وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك على الصفحات الموثقة الخاصة بالمصادر الرسمية.