هل فوجئ العالم والأمريكيون بفوز ترامب.. الديمقراطيون فشلوا فى اختيار مرشح قوى واعتمدوا على القوالب القديمة ومنحوا الجمهوريين السيطرة الكاملة على السياسة الأمريكية
السبت، 16 نوفمبر 2024 01:52 ميوسف أيوب
رغم أنه رجل المفاجآت، إلا أن فوزه لم يكن مفاجئا، فخلال السنوات الأربع الماضية، أعاد دونالد ترامب، بناء إستراتيجيته الانتخابية من جديد، مستفيدا من أخطاء إدارة الرئيس الحالى جو بايدن، ومكملا نهجه التشكيكى فى كل ما تقوم به الإدارة الديمقراطية، وأيضا عمل على أتباع أسلوب الصدمة المفاجئة للأمريكيين، والتى أوجدت له مساحة من القبول الشعبى، زادت بشكل كبير فى أعقاب تعرضه لمحاولة أغتيال خلال حملته الانتخابية.
وتزامن ذلك مع الارتباك الذى ساد المعسكر الديمقراطى، فى أعقاب المناظرة الوحيدة التى جمعت ترامب والرئيس جو بايدن، وانتهت إلى نتائج كارثية للمعسكر الديمقراطى، وانقسام شديد على قدرة بايدن فى استكمال المعترك الانتخابى وصولا إلى تنحى بايدن عن الاستمرار فى المعركة وتسليم الراية لنائبته كامالا هاريس.
من يتابع مجريات الأحداث فى الداخل الأمريكى، خلال الستة أشهر الماضية، سيجد أن ترامب كان يلعب وحيدا فى ملف الانتخابات، وأن الديمقراطيين تراجعوا كثيرا، ولم يكن يتبقى فقط سوى إعلان فوز ترامب رسميا فى الخامس من نوفمبر، وذلك لعدة أسباب، تضاف إلى ما سبق ذكره فى المقدمة.
ويبقى السبب الرئيسى، هو اختيار الديمقراطيين للنائبة كامالا هاريس لتكون مرشحتهم فى الانتخابات الرئاسية فى مواجهة ترامب، وهو اختيار قوبل بارتياح كبير بين الديمقراطيين، لكنه كان كاشفا عن عجز هذا المعسكر فى اختيار بديل لبايدن يمكن أن يقف صلبا فى مواجهة ترامب، فطيلة 4 سنوات عاشتها فى البيت الأبيض نائبة لبايدن لم يكن لها أى تواجد يذكر، وكانت دوما ظلا لبايدن، ولم يكن لها أى دور فاعل فى الأحداث الدولية الساخنة او الملفات الداخلية المشتعلة، وهو ما كشفه كتاب «الحرب» للكاتب بوب ودورد، الذى نشر قبل الانتخابات الامريكية بشهر تقريبا ليكون أداة لقتل أى فرصة لفوز ترامب، لكنه الحقيقة كان الكتاب أحد الأسباب الرئيسية فى خسارة هاريس، لأنه كشف عن دورها الهامشى فى الإدارة الامريكية.
الكتاب الذى حكى تفاصيل مهمة عن إدارة بايدن للأزمة مع روسيا، وأيضا تحركاته تجاه الوضع المتأزم فى الشرق الأوسط، أوضح للجميع كيف كانت هاريس غائبة تماما عن المشهد الذى كان يديره بشكل تام بايدن ومعه جيك سوليفان مستشاره للأمن القومى، ووزير الدفاع لويد أوستن، ومدير المخابرات الأمريكية وليام بيرنز، ولم يأت الكتاب على ذكر هاريس إلا فى واقعتين، الأولى حينما طلب منها ترامب السفر إلى مؤتمر ميونخ للأمن لتوصيل رسالة محددة لرئيس أوكرانيا، وكذلك سفرها إلى باريس، وكأنها حاملة رسالة وليست فاعلة فى اتخاذ القرارات.
كل هذه الأحداث وغيرها كانت تشير بقوة إلى أن فوز ترامب أمر واقع، وأن الديمقراطيين سيواجهون مستقبلا غامضا، وعليهم تجديد أنفسهم سواء فيما يتعلق بسياساتهم الخارجية أو إجراءاتهم الداخلية، والأهم تغيير خطابهم، الذى ظل حتى الأن يعتمد على قوالب قديمة، لا تأخذ فى حسبانها التغيرات التى فرضتها التكنولوجيا الحديثة، وهو ما استوعبه ترامب جيدا، وكان تحالفه مع إيلون ماسك، أحد مؤشرات فهم ترامب لهذه التغيرات.
لذلك أجدنى مستغربا من ردة الفعل الأوروبية على فوز ترامب، وكأنهم لم يتوقعوا فوزه، وأنهم كانوا فى انتظار أن ترث «هاريس» ميراث بايدن.
الأوربيون كانوا أكثر الناس إدراكا للمأزق الذى كانت تعيشه إدارة بايدن، والميراث الثقيل الذى ألقاه على عاتق كامالا هاريس، وكانوا يعلمون من واقع اتصالاتهم مع واشنطن، وخطوط التفاهم المستمرة بينهم أن بايدن يواجه وضع شديد الصعوبة، وأن الحل كان فى إيجاد دماء جديدة تعيد تنشيط الحزب الديمقراطى، الذى بقى على حاله منذ انتخاب الرئيس الأسبق باراك أوباما، والديمقراطيون كانوا يعتمدون طيلة السنوات الثمانى الماضية على ميراث أوباما فى السياسات والأشخاص أيضا، ولم يحاولوا تجديد الأفكار والدماء، فكانت النتيجة وصولهم إلى حالة أشبه بالتبلد السياسى، لا أفكار جديدة ولا حتى هامش مناورة يستطيعون من خلاله تحقيق اختراقات مفيدة لهم.
لكن الحلفاء الأوربيين يبدو أنهم عاشوا مع البيت الأبيض سراب فوز هاريس، رغم أن المؤشرات كانت واضحة وكاشفة، لكنهم كانوا يمنون النفس فى أن تحدث معجزة، لكن المعجزة حدثت بفوز ترامب وسيطرة كاملة للجمهوريين على الكونجرس، بما يمنح ترامب اليد الطولى فى كل السياسات الأمريكية على الأقل لعامين مقبلين فى انتظار انتخابات التجديد النصفى للكونجرس.
وربما غاب عن الحلفاء الاوربيين للبيت الأبيض، أن ترامب اليوم ليس هو ترامب قبل 4 سنوات، وهو ما يمكن أن نستشفه من تصريحاته وتحركاته، وهو ما منحه الأفضلية فى مواجهة هاريس ومن قبلها بايدن، وسيمنحه مزيد من الأفضلية خلال السنوات المقبلة، وهو ما يتطلب آلية تعامل جديدة من الحلفاء مع ترامب، الذى بات أمرا واقعا وليس مجرد تهديد.