المجاعة تهدد قطاع غزة.. الاحتلال يواصل حصاره والتقارير الدولية تحذر من أزمة إنسانية غير مسبوقة
الإثنين، 11 نوفمبر 2024 01:17 م
في «بركة الشيخ رضوان»، بمدينة غزة تنتشر الخيام التي تمتلئ بآلاف الفلسطينيين الهاربين من منازلهم خوفا من استهداف القصف الإسرائيلي لهم، يعلمون أن تلك البركة غير آمنة لأنها منطقة منخفضة وخلال شهور قد تمتلئ يمياه الأمطار الغزيرة في الشتاء، وهذا ما يتسبب في غرق بعض الخيام حال امتلأت تلك البركة بالمياه، على الجانب الأخر من مخيم الشاطئ في غزة تنتشر الخيام أمام البحر غير عابئة بالأمواج، لا تهتم بأنه في فصل الشتاء سيزداد طول تلك الأمواج وشدتها وقد تغرق كل الخيام المطلة على البحر، هنا ينظر المواطن الفلسطيني عاهد فروانة، الذي يقيم بتلك الخيام يخشى من اليوم حيث يسمع بأذنه أصوات الغارات التي تنتشر في القطاع، ويخشى أيضا من غدا حيث قد لا يجد الخيمة التي يعيش فيها فقد تغرق أو تهترأ إما بفعل الأمطار الغزيرة أو أمواج البحر أو الرياح، ويصبح بين مطرقة طائرات الاحتلال وسندان برد الشتاء.
رغم المعاناة الشديدة التي يعيشها أهالى سكان قطاع غزة على مدار أكثر من عام من العدوان الإسرائيلي على القطاع، ومر عليهم شتاء قارس العام الماضي، ذاقوا فيه ويلات البلاد والأمطار الغزيرة، واهترأت فيه الكثير من الخيام، يجدوا أنفسهم أنهم اقتربوا من شتاء جديد ولا زالت الحرب مستمرة، بل وتتمدد وتتصاعد دون أن يكون هناك آفق قريب لإيقافها، في ظل سياسة الاحتلال التي تسعى لإطالة أمد هذا العدوان، يعيش سكان غزة داخل خيام من النايلون أو القماش في محاولة لإيجاد مكان يسترهم ويستر أسرتهم بعيدا عن استهدافات الاحتلال الذي كثيرا ما يستهدف مخيمات النازحين، لكن لديهم مخاوف عديدة من غرق تلك الخيام وتدميرها بفعل سرعة الرياح وشدة أمواج البحر وغزارة الأمطار والذي يتزامن مع تفاقم أزمة المجاعة في القطاع وبالتحديد في شمال غزة.
في 14 سبتمبر الماضي، أطلق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، نداء استغاثة إنساني عاجل لإنقاذ 2 مليون نازح في قطاع غزة قبل فوات الأوان بالتزامن مع قدوم المُنخفضات الجوية ودخول فصل الشتاء واهتراء خيام النازحين، موضحا أن أعداد النازحين لا تزال في تدفق وازدياد يوماً بعد يوم، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام من 1,9 مليون نازح إلى 2 مليون نازح في محافظات قطاع غزة.
وخلال بيانه قال المكتب الإعلامي الحكومى، إن هناك 543 مركزاً للإيواء والنُّزوح في غزة نتيجة ارتكاب الاحتلال جريمة التهجير القسري وهي جريمة ضد الإنسانية من خلال إجبار المواطنين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي، مؤكدا أن نسبة 74 % من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك وفقاً لفرق التقييم الميداني الحكومية والتي أفادت بوجود 100 ألف خيمة من أصل 135 ألف خيمة بحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل نتيجة اهتراء هذه الخيام تماماً، حيث إنها مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، وهذه الخيام اهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في قطاع غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور 11 شهراً متواصلاً من النزوح وهذه الظروف غير الإنسانية.
وأكد أن قطاع غزة مُقبل على كارثة إنسانية حقيقية بفعل دخول فصل الشتاء وظروف المناخ الصعبة، وبالتالي سوف يصبح 2 مليون إنسان بلا أي مأوى في فصل الشتاء وسيفترش هؤلاء الأرض وسيلتحفون السماء، وذلك بسبب اهتراء خيام النازحين وخروجها عن الخدمة تماماً، وكذلك بسبب إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وبسبب منع الاحتلال إدخال قرابة ربع مليون خيمة و«كرفان» إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير.
نعود لعاهد فروانة، وهو صحفى فلسطيني وأمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ويقيم داخل القطاع، يعاني مثلا ملايين الفلسطينيين في غزة من ويلات الحرب، ومعاناة الخيام وسط مخاوف تملأ قلبه من فصل الشتاء المقبل والذي قد يزيد قسوة الحياة على سكان القطاع، حيث يتحدث عن أبرز المخاوف التي يشعر بها مع مواطني القطاع مع حلول فصل الشتاء.
ويقول عاهد فروانة، في تصريحات صحفية، إنه مع قرب حلول فصل الشتاء ومع أول أمطار سقطت على غزة وكانت أمطار بسيطة وقليلة أدت إلى غرق مختلف أنواع الخيام التي اهترأت وأصبحت قديمة وغير قادرة على حماية شعبنا من الظروف الجوية الممطرة، ورغم أنها أمطار قليلة ولكن معظم هذه الخيام غرقت ومع هطول أي أمطار شديدة ستكون هذه الخيام غير صالحة للإقامة بها، وربما الكثير منها سينهار ويطير مع الرياح وكثير من أبناء الشعب الفلسطيني اضطر أن يضع تلك الخيام على شاطئ البحر لعدم وجود أماكن خاصة في المحافظات الوسطى.
«منطقة شاطئ البحر في المحافظة الوسطى خطرة ومع قدوم فصل الشتاء يرتفع موج البحر ويغرق تلك الخيام»، هنا يكشف عاهد فروانة ما ينتظر النازحين في فصل الشتاء خاصة المقيمين في مخيمات المحافظات الوسطى المطلة على البحر المتوسط، مؤكدا أن هناك أماكن منخفضة في دير البلح حذرت بلدية دير البلح بضرورة أن يزيل السكان الخيام من تلك المناطق لأنها مناطق منخفضة وتغمرها مياه الأمطار في الشتاء، وهذا سيتسبب في غرق هذه الخيام ويمتلأ الوادي بالمياه وتطفو على السطح.
ويشرح أمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين، معاناة سكان غزة مع حلول الشتاء قائلا: «الأمور صعبة وسكان غزة لا يجدون المنازل التي إما تدمرت أو تضررت بشكل كلي وأصبحت غير صالحة للحياة، والآن نتحدث عن مدينة رفح مدينة محتلة بشكل كامل لا يوجد بها سكان، ومعظم سكانها نزحوا إلى مدينة خان يونس التي هي في الأساس مدمرة أو محافظة الوسطى التي عمل الاحتلال على قصفها بشكل متواصل وهذه الأمور تكشف حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني».
كما يتحدث «فروانة»، عن حجم المجاعة التي يعيشها سكان غزة بسبب قلة المساعدات التي يسمح الاحتلال بإدخالها للقطاع، حيث يقول: «المساعدات والمواد الغذائية شحيحة خصوصا بعد إغلاق معبر رفح واحتلاله من قبل سلطات الاحتلال، وأصبحت المساعدات شحيحة للغاية والخضروات التي تدخل بشكل قليل وشحيح للغاية تكون أسعارها 10 أضعاف أسعارها الطبيعية وبالتالي ترهق المواطن الفلسطيني الذي ليس لديه مصدر دخل ومن لديه مصدر دخل ثابت مثل موظفي السلطة الفلسطينية لا يستطيعون سحب هذه الأموال، بجانب عدم سماح الاحتلال بتبديل العملة وبالتالي العملة اهترأت ولا يستطيع المواطنين سحبها وبعض تجار العملة والصرافين يطلبون مبالغ تصل إلى 20 % من قيمة المبلغ حتي يستطيع المواطن سحب أمواله وبالتالي يرهق هذا الأمر الموظفين فما بالنا بمن ليس لديه عمل خاصة أن معظم سكان غزة كانوا يعملون بنظام اليومية وبالتالي فقدوا أعمالهم مع اندلاع هذه الحرب وهذا يزيد من المعاناة».
وفى 7 سبتمبر الماضي، صدر تقرير من منظمة الأمم المتحدة، يحذر فيه من تفاقم أزمة الجوع العالمية، إذ يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وعطف التقرير إلى المجاعة في غزة والتي وصف بأن جوع غزة الأكثر شدة في التاريخ، فخلال التقرير قال ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان بغزة ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.
التقرير أكد أيضا أن نصف السكان في غزة عانوا من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، بعد أن كان ربع السكان يعانون من المجاعة خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024، وانخفضت هذه النسبة إلى 22% من السكان أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024.
نرجع مجددا لعاهد فروانة، الذي يكشف حجم المآسي التي يعيشها سكان غزة، والتي قد تزداد بشكل كبير مع فصل الشتاء، موضحا أن قطاع غزة منذ بداية العدوان لا يوجد به كهرباء بعد أن قطع الاحتلال الخطوط التي تمد قطاع غزة، وانهارت محطة التوليد الوحيدة في قطاع غزة بسبب عدم وجود السولار ومصدر الطاقة الوحيد هي الطاقة الشمسية بأعداد القليلة وبعد المواتير الصغيرة الخاصة التي تحتاج إلى وقود وهذا الوقود أسعاره تضاعفت 10 مرات، متابعا: «على سبيل المثال لتر السولار الذي كان سعره 7 شواكل أصبح سعره بـ70 شيكل والبنزين وصل إلى 100 شيكل، وقبل حرب غزة كان سعر السولار 2 دولار وأثناء هذه الحرب وصل سعر لتر السولار إلى 20 دولارا والبنزين إلى 30 دولارا، وهي أسعار مرتفعة للغاية والمواطن لا يستطيع أن يتحملها والغاز يتوفر بصورة شحيحة للغاية فيضطر أبناء شعبنا أن يطهوا الطعام على الحطب الذي أصبح شحيحا بعد أن أصبح الاعتماد الرئيسي عليه».
ونشر عدد من الصحفيين الفلسطينيين عبر صفحاتهم الرسمية على «فيسبوك»، عشرات الصور للخيام المتواجدة أمام شاطئ البحر قبل فصل الشتاء، بجانب صور للمنازل المنهارة بفعل قصف الاحتلال، تلك الصور التي تكشف بشكل كبير حجم المعاناة غير المسبوقة التي يعيشها سكان قطاع غزة منذ أكثر من عام بسبب تداعيات هذا العدوان، والكوارث التي تنتظرهم في هذا الشتاء.
من جانبها تسعى وكالة الأونروا لتكثيف جهودها من أجل توفير أكبر قدر من المستلزمات الشتاء للنازحين في مراكز الإيواء التابعة للوكالة الأممية، حيث تؤكد إيناس حمدان، القائمة بأعمال مدير المكتب الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، أن الوكالة الأممية تبذل كل الجهود من أجل توفير الكميات الضرورية من مستلزمات الشتاء للفلسطينيين من أجل التخفيف من الظروف المعيشية الكارثية التي يعيشها النازحون.
وتوضح إيناس حمدان، في تصريحات صحفية، أن الأونروا وباقي المؤسسات العاملة في المجال الانساني لا يزالون تواجه صعوبات كبيرة في إدخال هذه الامدادات الضرورية للغاية إلى قطاع غزة قبل فصل الشتاء، وبمجرد وصول كل ما يتعلق بمستلزمات الشتاء سيتم توزيعها على النازحين.
وتؤكد القائمة بأعمال مدير المكتب الإعلامي لوكالة الأونروا، أن وكالة الأونروا تطالب بضرورة فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية وبكميات كافية، كما تؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار حتى يتسنى لها تقديم المساعدات الإنسانية بشكل يضمن وصولها لجميع النازحين، خاصة أن الوضع في قطاع غزة أشبه بالجحيم على الأرض.
وفي 9 سبتمبر الماضي، أصدر برنامج الأغذية العالمي تقريرا أكد فيه أن مليونين و200 ألف شخص في غزة لا يزالون بحاجة ماسة إلى المساعدات، خاصة أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية تعيق جهوده في تقديم المساعدات لأهالي القطاع، ورغم التزام برنامج الأغذية العالمي بتقديم المساعدات، فإن أوامر الإخلاء تعيق الجهود في وقت تتزايد فيه الاحتياجات، مؤكدا ضرورة الحاجة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، بدورها أصدرت في 17 سبتمبر الماضي، تحذيرا من تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية الممتدة لما يقارب العام، بالإضافة إلى منع دخول المساعدات الإنسانية، واستمرار نزوح عدد كبير من المواطنين في معظم المناطق، معربة عن قلقها تجاه واقع النازحين، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، سواء المتواجدين في الخيام المهترئة، أو في مراكز الإيواء المكتظة، أو الذين استصلحوا أجزاء من منازلهم المدمرة ،والتي قد تتعرض للانهيار في أي وقت.
تحذير الشبكة الذي جاء عبر تقرير لها أكد تواجد تجمعات لعدد كبير من خيام النازحين في المناطق القريبة من شاطئ البحر، والتي لا تتوفر فيها بنى تحتية مهيئة، ما يؤدي إلى تعرضها للغرق، مستنكرة استمرار الاحتلال منع دخول مستلزمات الإيواء، وفي مقدمتها الخيام، والأغطية البلاستيكية، والشوادر، وغيرها من الاحتياجات للاستعداد لفصل الشتاء، ومطالبة المجتمع الدولي بالعمل الجاد للضغط على الاحتلال، لوقف جرائم الإبادة الجماعية على شعبنا، وفتح المعابر أمام دخول المساعدات بكافة أشكالها، وفي مقدمتها: الخيام، والشوادر، ومواد النظافة، وبضرورة العمل على معالجة تدفق المياه والفيضانات المتوقعة من مياه الأمطار، والتي قد تسببها السيول في المناطق المنخفضة.