الإخوان المسلمين والتاريخ السري.. كيف احتضنت بريطانيا الجماعة لتحقيق مصالحها في المنطقة العربية؟

الإثنين، 11 نوفمبر 2024 11:43 ص
الإخوان المسلمين والتاريخ السري.. كيف احتضنت بريطانيا الجماعة لتحقيق مصالحها في المنطقة العربية؟
إيمان محجوب

تمتد علاقة الإخوان ببريطانيا منذ نشأة الجماعة، وصدر فى هذا الشأن كتب عربية وإنجليزية ترصد العلاقة بين الدولة الإنجليزية والجماعة، أما حديثا فتجلى ارتباط الجماعة بلندن، بعدما أصدرت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تريزا ماى قرارا يتيح لعناصر الإخوان، غير المتورطين فى أعمال عنف فى حق الحصول على اللجوء السياسى عام 2016، هذه القيادات التي تقود نشر الشائعات المغرضة لزعزعة الاستقرار في مصرفي الاونة الاخيرة.
 
كما كانت علاقات بريطانيا بـ “جماعة الإخوان المسلمين” قوية منذ نشاتها حيث تبرعت هذه الاخيرة  بمبلغ 500 جنيه لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين – حسن البنا” – بعد وقت قصير من تأسيس الجماعة سنة 1928،وبحلول سنة 1941، أصبحت هذه الجماعة قوية لدرجة أنّ بريطانيا بدأت تقدم لها مساعدات مالية مقابل عدم مهاجمة مصالحها.
 
وترسم دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أنّ جماعة الإخوان تمتلك 60 منظمة داخل بريطانيا، من بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تلفزيونية، ولازالت الجماعة تفتتح مقرات لها في المملكة المتحدة  كافتتاح “مكتب الجماعة” في حي كريكلوود شمالي لندن، حيث كانت المملكة بمثابة قاعدة للجماعة ومركزاً لعملياتها في أوروبا، انطلاقاً  من التبرعات والمساعدات المالية، هذا التعاون منح الجماعة قوة إضافية  من المواجهة العنيفة التي يمكن للجماعات المتطرفة استخدامها لزعزعة استقرار أو الإطاحة بالحكومات التي أصبحت معادية للغرب، ما جعلها قوية لدرجة أنّ بريطانيا نفسها بدأت تقدم لهم مساعدات مالية مقابل عدم مهاجمة مصالحها. 

الإخوان وبريطانيا فى العهد الملكى والجمهورى.
 
أما عن العلاقة التاريخية بين الإخوان ولندن، تكشفها الوثائق، الموجودة بكتاب إنجليزى يحمل اسم "العلاقات السرية" للكاتب مارك كيرتس وقد صدر فى 2010، حيث أشار إلى وجود صلات قوية بين الإنجليز، والجماعة منذ النصف الأول من القرن الماضى، ويتحدث من خلال وثائق بريطانية رفعت عنها السرية مؤخرا، حول توطيد العلاقات من خلال التمويل والتخطيط لإفشال المنطقة العربية والإسلامية.
 
وبدأ "كيرتس" توثيق العلاقة بداية من الحرب العالمية الثانية، حيث قال: شهدت جماعة الإخوان المسلمين نموا ملحوظا بقيادة حسن البنا، والذى يسعى لتأسيس مجتمع إسلامى ليس فى مصر فقط، ولكن فى كل أقطار الدول العربية؛ ولذلك أنشأ العديد من الفروع لجماعته، فى كل من السودان والأردن وسوريا وفلسطين وشمال إفريقيا، وذلك بهدف إقامة دولة إسلامية تحت شعار "القرآن دستورنا"، التزم الإخوان بالتقيد الصارم لتعاليم الإسلام، وقدمت نفسها للمجتمعات الأوروبية على أنها بديلا للحركات الدينية وحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية فى مصر والشرق الأوسط، وذلك لجذب انتباه كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، وهما القوتان الموجودتان على الساحة فى تلك الفترة.
 
وأضاف "كيرتس": "كانت بريطانيا تعتبر مصر بمثابة محورا مهما لها فى الشرق الأوسط، وذلك منذ إعلان الحماية البريطانية على مصر فى بداية الحرب العالمية الأولى، لتهيمن الشركات البريطانية فى الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية، على الاستثمار الأجنبى والحياة التجارية فى مصر، فى حين كانت أكبر قاعدة عسكرية للقوات البريطانية موجودة فى قناة السويس، زادت التحديات للوجود البريطانى فى مصر بتزايد الحركات القومية والدينية، فى حين كان الملك فاروق حليفا للندن، الذى تولى العرش فى عام 1936.
 
فى عام 1936 دعا الإخوان المسلمين للجهاد ضد اليهود فى فلسطين، وأرسلوا متطوعين هناك بعد مطالبة المفتى بالجهاد هناك، اعتبرت جماعةُ الإخوان بريطانيا دولةً ظالمةً، ودعت لمقاومة الاحتلال البريطانى فى تلك الفترة، والذى تنامى خاصة بعد تمرد فلسطين خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، فى بداية الأمر انتهجت بريطانيا استراتيجية قمعية ضد الإخوان، خاصة بعد تحالفها مع القوى السياسية الأخرى، ولكن فى الأربعينيات ومع مهادنة حكومة فاروق لحسن البنا، بدأت بريطانيا فى تمويل جماعة الإخوان منذ عام 1940، حيث رأى فاروق أنه من المفيد التحالف مع قوى سياسية أخرى، ضد الأحزاب السياسية العلمانية والتى كان يمثلها حزب الوفد، ويشير تقرير للمخابرات البريطانية عام 1942، حيث قرر القصر الملكى أن جماعة الإخوان جماعة مفيدة لهم، ومن هنا بدأت رعاية القصر الملكى لهم، وحتى يومنا هذا تم رعاية العديد من المجتمعات الإسلامية فى مصر من قبل الحكومة البريطانية، لمعارضة خصوم له أو لتعزيز مصالحهم.
 
 وبحسب الكاتب الإنجليزى مارك كيرتس مؤلف كتاب "العلاقات السرية" فقد مولت بريطانيا جماعة "الإخوان المسلمين" فى مصر سرا، من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبدالناصر، التمويل الذى بدأ عام 1942 استمر بعد وفاة عبدالناصر، رغم استخدام الرئيس الراحل أنور السادات الجماعة لتدعيم حكمه وتقويض تواجد اليسار والناصريين فى الشارع المصرى، واستمرت بريطانيا فى اعتبار الجماعة «سلاحاً يمكن استخدامه»، وفى الخمسينيات- وفقا للكتاب نفسه- تآمرت بريطانيا مع الجماعة لاغتيال عبدالناصر، وكذلك الإطاحة بالحكومات القومية فى سوريا.
 
ويؤكد الكاتب الإنجليزى أنه فى عهد الزعيم الراحل جماعة عبد الناصر، اعتبرت بريطانيا الجماعة بمثابة المعارضة لهذا النظام، التى يمكن استخدامها لتقويضه، وعقد مسئولون اجتماعات مع قادة الجماعة كأداة ضد النظام الحاكم فى مفاوضات الجلاء، وخلال العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦، أجرت بريطانيا اتصالات سرية مع الإخوان، وعدد من الشخصيات الدينية كجزء من خططها للإطاحة بعبدالناصر، أو اغتياله، وكان اعتقاد المسئولين البريطانيين فى ذلك الوقت يركز على احتمالية تشكيل الإخوان الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بعبدالناصر على أيدى البريطانيين، وفى مارس 1957، كتب تريفور إيفانز، المسؤول فى السفارة البريطانية، الذى قاد اتصالات سابقة مع «الإخوان» قائلا: إن اختفاء نظام عبدالناصر ينبغى أن يكون هدفنا الرئيسى.
 
 وقال الكاتب الانجليزى فى كتابه: "هدف بريطانيا من وراء دعم المنظمات الإسلامية فى ذلك الوقت هو التصدى للتيار القومى، الذى اكتسب شعبية كبيرة، والحفاظ على الانقسامات فى منطقة الشرق الأوسط، وجعلها تحت سيطرة سياسات منفصلة، لضمان عدم وجود قوة فاعلة وحيدة فى الشرق الأوسط تسيطر على المنطقة- وهو ما كان يسعى عبدالناصر لتحقيقه ويدعمه فيه المؤيدون للقومية العربية، التى كانت التهديد الأبرز لمصالح بريطانيا، خاصة النفطية، خلال عقدى الخمسينيات والستينيات.
 
"التواطؤ البريطانى مع الإسلام الراديكالي"، والذى وثق فيه مؤلفه مارك كيرتس الباحث فى المعهد الملكى للشئون الدولية وغيره من المعاهد والمراكز البحثية- تفاصيل التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وبين بريطانيا فى الفترة ما بين 1936 حتى عام 1957، استغرقت الدراسة أربع سنوات كاملة اطلع الباحث خلالها على آلاف الوثائق والملفات السرية.
 
 
فى عام 2008، أصدر جوشوا ستاشر الباحث فى معهد أبحاث السياسة العامة ( IPPR ) تقريرا بعنوان "إخوة فى الأسلحة"، أوصى فيه وبقوة ضرورة إشراك الإخوان المسلمين فى مصر، باعتبارها عنصرا حاسما فى المشهد السياسى المصرى، خاصة وأن التقرير اعتبر أن الجماعة استطاعت إثبات نفسها لتكون إحدى الجهات الفاعلة السياسية ذاتية التطور، وينبغى أيضا اعتبارها شريكا محتملا لأى عمليات متعلقة بالتنمية السياسية الإقليمية، وعلى الرغم من أن وثائق السياسات الأخيرة التى تنتهجها جماعة الإخوان أظهرت وجود حركة رجعية عازمة على الحكم الدينى بالقوة، إلا أنها تغاضت عن تلك النقطة، بل بدلا من ذلك، قيل إنها لإظهار مجموعة ملتزمة بتحقيق إصلاحات سياسية أكثر واقعية، وذهب التقرير إلى ضرورة عرض المعتقدات السياسية للجماعة، خاصة وأنها تستند إلى القيم العالمية.
 
فى دراسة قام بها كل من مارتين فريمبتون وشيراز ماهر، حملت عنوان "بين المشاركة وقيم بريطانيا- علاقة الإخوان المسلمين بالحكومة البريطانية من سبتمبر حتى ثورات الربيع العربى"، أشارت الدراسة أن العلاقة بين بريطانيا والإخوان اتخذت العديد من المنحنيات المهمة، والتى كان من أبرزها أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وتفجيرات لندن عام 2005، وأخيرا ثورات الربيع العربى فى 2011، لتمثل تلك المراحل محاور رئيسية شكلت طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان ولندن.
 
فى أعقاب تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى فبراير 2011، كان ديفيد كاميرون أول مسئول بريطانى يزور مصر، فى وعود منه للمصريين بمد يد بلاده لمساعدة مصر لإنشاء دولة ديمقراطية، فى تلك الأثناء رفض كاميرون إجراء أى لقاء مع الإخوان المسلمين، الرفض الذى جعل عصام العريان عضو مكتب الإرشاد يشن هجوما حادا على كاميرون، وبحلول إبريل 2011، أفادت التقارير أن وفدًا من الخارجية البريطانية بقيادة مارى لويز آرتشر القنصل العام بالقاهرة، زار المكتب الإدارى للجماعة فى الإسكندرية، والذى أعلنه موقع الجماعة باللغة الإنجليزية "إخوان أون لاين"، ولكن لفهم الأحداث التى تلت ثورة يناير فى مصر، علينا أن نفهم منظور العلاقة بين بريطانيا والإخوان المسلمين منذ تفجيرات سبتمبر 2001 حتى يناير 2011.
 
يعد التحالف البريطانى مع الجماعات الإسلامية وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، أحد أركان السياسة البريطانية الطويلة الأمد التى انتهجتها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك لخلق أجيال جديدة من الإسلاميين واتخاذهم كحلفاء محتملين لبقائها، كجزء من جهد الدولة للحفاظ على النفوذ الإمبراطورى، أو كوسيلة لتوفير بديل لتحديات أكثر خطورة، تظهر فى الساحة السياسية وتعارض مصالحها، مثل تلك الناصرية والشيوعية.
 
 فى مقابلة صحفية أجراها الدكتور كمال الهلباوى أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان فى لندن فى فترة التسعينيات، مع صحيفة الشرق الأوسط، أكد الهلباوى أن التعاون بين الحكومة البريطانية وجماعة الإخوان تعد سمة ثابتة من سياسة بريطانيا، وقال الهلباوى إنه خلال منتصف 1990، عندما شن حسنى مبارك حملة على الجماعات الإسلامية المصرية، فإن الحكومة البريطانية التى وفرت اللجوء السياسى لأغلب أعضاء الجماعات الإسلامية، عرضت عليه حماية شخصية، وهو الأمر الذى كشفت عنه سلسلة الوثائق التى كشفها الصحفى مارتن برايت المحرر السياسى بجريدة الجارديان عام 2005، والتى أكدت بأن المسئولين فى المملكة المتحدة كانوا على علاقة وطيدة مع الإخوان المسلمين خلال معظم سنوات العقد الماضى.
 
وعن تاريخ العلاقة بين الإخوان وبريطانيا يؤكد هشام النجار الباحث فى شئون التيارات الإسلامية أن العلاقة والارتباط تاريخى وموثق فى كثير من المراجع العربية والأجنبية لكبار المؤرخين الذين تحدثوا عن نشأة الجماعة وتمويلها من الإنجليز وتوظيفها سياسياً لخدمة مصالح بريطانيا والغرب لمواجهة المحور الشرقى والشيوعية والاتحاد السوفيتى ومواجهة النظام الناصرى التحررى ذو التوجه العروبى وصاحب مشروع الوحدة العربية الذى سعت بريطانيا لتقويضه ونجحت فى ذلك بتوظيف طموحات الاسلام السياسى فى الحكم".
 
ويضيف "النجار": "ولا شك أن هذا التوظيف تطلب دعماً سخياً وردت أسراره فى كتب مثل "الإخوان المسلمون" لميتشل وكتاب "النوم مع الشيطان" وغيرها، وهذا الدعم لم يتوقف ولذلك تحرص الجماعة على اخفاء مصادر تمويلها وعدم الشفافية وإخضاع مواردها المالية للمحاسبة والمراقبة من قبل أجهزة الدولة، وبريطانيا ستستمر فى دعمها للإخوان وفى أيوائها لأنشطتها كواحدة من أهم مراكز الإخوان فى اوربا حيث تستفيد من ورقة الإخوان فى مشاريعها وتحقيق مصالحها وتوظيفها فى القضايا والملفات الاستراتيجية التى تهم بريطانيا والغرب عموماً فيما يتعلق بفرض الرؤى الغربية على الدولة المصرية وإبقائها غير قادرة على الاستقلال الكامل عن الإرادة الغربية".
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق