الديمقراطية الأمريكية تعاني.. الاتهام بتزوير الانتخابات وخسارة المرأة للمرة الثانية المعركة الرئاسية يضعان التجربة الأمريكية فى خانة الشك
السبت، 09 نوفمبر 2024 02:30 مدينا الحسينى
كانت البداية فى نوفمبر 2000، حينما أقبل الأمريكيون على صناديق الاقتراع، لاختيار رئيسهم الجديد من بين المرشح الجمهورى جورج دبليو بوش، والديمقراطى ألبرت أرنولد جور، المعروف باسم آل جور، وأفرزت هذه الانتخابات، نتائج متقاربة بين المرشحين. فبالتصويت المباشر، تفوق آل جور بنحو نصف مليون صوت، فحصد حوالى 51 مليونا من أصوات الناخبين، بينما نال منافسه جورج دبليو بوش ما يقارب 50.5 مليون صوت، لكن ولأول مرة منذ العام 1888، لم يتمكن الفائز بالتصويت المباشر من بلوغ البيت الأبيض، حيث جاءت النتائج التى أفرزها المجمع الانتخابى، لتسفر عن نصر تاريخى مثير للجدل لبوش.
ومع اقتراب صدور النتائج، اتجهت الأنظار نحو ولاية فلوريدا، حيث كانت أرقام المرشحين متقاربة لدرجة كبيرة، وبعدها أعلنت فلوريدا رسميا انتصار جورج دبليو بوش، وفوزه بأصوات الولاية بالمجمع الانتخابى، ليراسل على إثر ذلك آل غور نظيره الجمهورى، ويهنئه بالفوز، لكن مع ظهور نتائج فلوريدا للعلن، تفاجأ الجميع بوجود فارق ضئيل جدا، لا يكاد يتعدى 600 صوت فقط بين المرشحين بالولاية، وأمام هذا الوضع، تراجع آل جور عن تهنئته لبوش، مطالبا بعملية إعادة فرز بعدد من مناطق فلوريدا، مؤكدا على وجود أخطاء بعملية احتساب الأصوات، ومنبها لحتمية فوزه بالرئاسة فى حال احتسابها بشكل صحيح.
وحسب القوانين الانتخابية بالولاية، جرت عملية إعادة الفرز الآلى للأصوات بفلوريدا، لتسفر يوم 10 نوفمبر 2000 عن تراجع الفارق بين المرشحين. وأواخر الشهر، أعلنت فلوريدا عن نتائج جديدة، وعن فارق جديد، استقر عند حاجز 537 صوتا فقط بين المرشحين، ولجأ الديمقراطيون للمحكمة العليا بفلوريدا، وطالبوا بإعادة فرز يدوى للعديد من الأصوات بالولاية، مؤكدين فوز مرشحهم آل جور فى حال التدقيق فى الأصوات، واحتساب عدد من الأصوات غير الواضحة، ووافقت المحكمة العليا بفلوريدا (بأغلبية 4 مقابل 3) على عملية إعادة الفرز اليدوى لعشرات آلاف الأصوات، وهو ما دفع بالجمهوريين للجوء للمحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية، للمطالبة بإنهاء عمليات إعادة الفرز اليدوى.
وبأغلبية 5 مقابل 4، اعتبرت المحكمة العليا قرار إعادة الفرز اليدوى بفلوريدا غير دستورى، لتعرف بذلك هذه الأزمة القانونية، التى استمرت حوالى شهر على نهايتها، ويحصل جورج دبليو بوش على أصوات ناخبى فلوريدا، المقدر عددهم حينها بخمسة وعشرين صوتا، بالمجمع الانتخابى، ويفوز برئاسة الولايات المتحدة عقب جمعه 271 صوتا بالمجمع الانتخابى، مقابل 266 لمنافسه آل جور.
هذه الواقعة لاتزال راسخة فى أذهان العالم كله، فقد وقف الأمريكيون لأيام على أطراف أقدامهم فى انتظار الكلمة الفصل.
ورغم فوز بوش، فإن الديمقراطيين ولأول مرة ظلوا يتشككون من النتيجة، ويلقون الاتهامات بشأن تزوير قد حدث، وتدخلات أدت إلى تغيير مسار النتيجة.
وفى 2016، كانت اللهجة السائدة هى التزوير المعنوى، من الديمقراطيين أيضا، بعدما استطاع الجمهورى دونالد ترامب الفوز على الديمقراطية هيلارى كلينتون، لتخرج الأخيرة وحملتها باتهام روسيا بالتدخل فى الانتخابات، وظل الأمر محل تحقيق من جانب الأجهزة الأمنية الأمريكية لعدة أشهر.
وفى انتخابات 2020، كادت تتحول المعركة الانتخابية إلى حرب أهلية، بعدما رفض ترامب إعلان خسارته أمام المرشح الديمقراطى جو بايدن، واتهم الديمقراطيين بتزوير الانتخابات، وبعدها حدثت الأحداث الشهيرة من جانب مؤيدى ترامب أمام مبنى الكونجرس الأمريكى.
وفى انتخابات الثلاثاء الماضى، ظهرت نفس الاتهامات لكن بصور مختلفة، فترامب، قال إن هناك تزويرا يحدث فى ولاية فيلادلفيا، وفى نفس الوقت، اتهم الديمقراطيون، كما حدث فى 2016، عدة أطراف خارجية بالعمل على التأثير فى اتجاهات الناخبين، من خلال إنتاج أكثر من فيديو مزيف فى الأسبوع الماضى، يظهر بعض الأمور التى يمكن أن تغير رأى المواطنين، ولكن تدخلت الحكومة الأمريكية، وأثبتت أن ما يوجد بهذه الفيديوهات غير صحيح ومزيف.
كل هذه الأحداث والمواقف تقودنا إلى نقطة جوهرية، وهى حجم المعاناة التى تواجه المجتمع الأمريكى، الذى يوصف بأنه أكثر المجتمعات ديمقراطية، لكنه فى نفس الوقت مازال يتشكك فى الانتخابات، ويراها فى مواقف عدة مزورة أو جرى التلاعب بها من جانب أطراف خارجية، باستخدام تقنيات حديثة.
يضاف إلى هذه المعاناة، معاناة أشد وطأة، وأكثر تأثيرا على النموذج الديمقراطى الأمريكى، الذى تلقى للمرة الثانية ضربة من نفس الشخص، وهو ترامب، الذى استطاع، أن يحقق الفوز على امرأتين فى انتخابات 2016 و2024، ففى الأولى حقق ترامب نصره الأول على منافسته هيلارى كلينتون. وفى الفوز الثانى هذا العام، حقق فوزه الثانى على كامالا هاريس.
ورغم الكثير من التحليلات، التى تحاول إخراج هذه المفارقة من طابعها الذكورى، أو أن المجتمع الأمريكى الأكثر ديمقراطية، لم يعد صالحا حتى الآن لتقبل امرأة فى سدة الرئاسة، وأن الأمر برمته مرتبط بغضب شعبى من سياسات الحزب الديمقراطى، وهو ما منح ترامب الأفضلية، لكن الواقع أن التجربة الديمقراطية الأمريكية تعانى، وربما ستعانى أكثر مستقبلا، وخير مثال على ذلك الاتهام المستمر بتزوير الانتخابات، ويضاف إلى ذلك الموقف الشعبى من فكرة وصول امراة إلى الرئاسة الأمريكية، رغم ما تنفقه واشنطن من مليارات الدولارات فى سبيل تمكين المرأة فى مجتمعات أخرى تحديدا فى الشرق الأوسط، لكنها فشلت فى تمكينها أمريكيا.