يختلفون على كل شىء ويتفقون على قتل الأطفال
السبت، 09 نوفمبر 2024 01:39 م
رفض العدو لا يعنى تجاهله، وكراهيتك له لا تحتم عليك عدم قراءة مشاهده الرئيسية، بل العكس هو الصحيح، إذ يجب عليك قراءة عدوك ومعرفة أدق تفاصيله، لأن المعرفة هى أولى درجات سلم الانتصار، وبغيرها ستتخبط عشوائيا، ولن تحصد فى النهاية غير مرارة الهزيمة.
بداية أسجل أننى من الذين لا ينبهرون بكيان دولة الاحتلال، بل إننى من الذين يصدقون أن هزيمته واردة جدا، وأن كل ما يشيعه عن نفسه من قدرات مادية أو أخلاقية هو محض أكاذيب، ولكن يبقى سؤال يشغلنى، وهو: كيف لهؤلاء الذين يكاد صراعهم الداخلى أن يفتتهم، مواصلة كل هذا القتل وكل هذا القتال؟
نحن أمام كيان تلقى لطمة كاشفة فى السابع من أكتوبر 2023، فقرر - ليس فقط الرد عليها بل - إبادة الذين وجهوا له اللطمة المستحقة، وليس إبادة موجهى اللطمة فحسب، بل إبادة الجميع وعلى رأس الجميع بيئتهم الحاضنة فى غزة.
فى قلب تلك المعمعة يستقيل من حكومتهم اثنان من أكابرها وهما بينى غانتس وغادى آيزنكوت، وهما لم يستقيلا فى هدوء، ولكن فى ضجة صمَّت الأذان، وقد عملا معا مع حزبهما على دعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة فى أسرع وقت ممكن.
وقد اتهما بنيامين نتنياهو باتباع سياسات تخدم مصالحه السياسية الخاصة، كما اتهماه بالفشل فى تحقيق الأهداف المعلنة للحرب على غزة.
ثم مع الاستقالة، وبعدها، تفجرت مظاهرات عارمة، كانت فى أحيان كثيرة تحاصر مقر الحكومة وتحاصر بيت نتنياهو شخصيا، وتطالب دائما بهدنة لتبادل الأسرى.
لم يستجب نتنياهو ولم يتوقف القتال، رغم حجم المظاهرات وعنفها فى بعض الأحيان!
مضت شهور طويلة على الاستقالة الصاخبة، فماذا حدث؟
لم يحدث شىء ولم يتوقف القتال لساعة من ليل أو نهار.
ثم طفت على السطح خلافات حادة بين صاحبىّ أهم منصبين فى الكيان، رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الحرب جالانت، وهو خلاف أقرب للصراع، وحلقاته متعددة ومتشعبة، وقد أحسن موقع سكاى نيوز عربية عندما ألقى الضوء على أهم حلقات الصراع، وعنه أنقل: «بعد انتهاء الهجوم الإسرائيلى على إيران، بدا فى الأفق خلاف قديم يتجدد، فوزير الدفاع يوآف جالانت عاد ليشن مرة أخرى انتقادات لاذعة بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والسبب «الواضح» هو الهدف من الحرب.
فقد ذكرت مجلة «تايمز أوف إسرائيل» أن غالانت حذّر نتنياهو من أن جهود الحرب أصبحت بلا هدف ويجب العمل على إعادة تحديثها.
وأوضحت المجلة أن غالانت اتهم نتنياهو بالافتقار إلى خطة واضحة بشأن المواجهة مع إيران، مُطالِبا بتحديث أهداف الحرب باعتبار أن إسرائيل تحارب بناء على بوصلة عفا عليها الزمن، حسب وصفه.
الخلاف الذى بملامح الصراع وصل إلى تبادل السباب العلنى، ولكنه لم يؤثر على الميدان، لأن القتال لم يتوقف ساعة من ليل أو نهار!
وقبل خلاف نتنياهو مع وزير حربه كانت هناك قضية طائفة الحريديم، والمعروف أن أولاد هذه الطائفة يحرمون على أنفسهم الانخراط فى الجيش، بزعم عكوفهم على دراسة التوراة، وقد تصاعد رفضهم حتى وصل إلى اقتحام قاعدة عسكرية!
إذا كانت هذه هى ملامح خلافات هذا الكيان، فكيف له مواصلة القتال؟
وأخيرا تفجرت فضيحة تقصم ظهر أى حكومة طبيعية، لكن هل حكومة الكيان بل هل الكيان كله طبيعى؟!
إنها فضيحة التسريبات التى يلعب دور البطولة فيها
إيلى فيلدشتاين، الذى عمل مستشارا لنتنياهو بعد أسابيع قليلة من بدء القتال، وكان قد عمل مستشارا لوزير الأمن القومى اليمينى المتطرف إيتمار بن جفير.
الفضيحة أدت إلى اعتقال ثلاثة آخرين لم تسمح المحكمة بالكشف عن أسمائهم.
وقالت وسائل إعلام الكيان: إن المحكمة أكدت أن الشرطة والجيش وجهاز الأمن الداخلى الشاباك يجرون تحقيقا، وتم اعتقال عدد من المشتبه بهم لاستجوابهم، لأن القضية تشكل خطرا على المعلومات والمصادر الحساسة وتضر بتحقيق أهداف الحرب فى قطاع غزة.
أما يوآف ليمور، الذى يكتب فى صحيفة إسرائيل هيوم المؤيدة لنتنياهو، فقد وصف حدثا بأنه «واحد من أخطر الشئون التى عرفتها إسرائيل على الإطلاق».
ما هذا الكيان الذى يسمح بوجود كل تلك الصراعات والخلافات والاختلافات، ثم يواصل الحرب والقتل والقتال على ست جبهات؟
إذا كانوا جميعا ليسوا مجمعين على أهداف الحرب فمن الذى يقتل أطفال غزة؟