لو العمر بييتباع لأشتريه وأرجع زى زمان..
أم المجاهدين «فرحانة» تتحدث لـ«صـوت الأمة» عن قصة النضال.. وتبتهج بهدية الرئيس السيسي
السبت، 02 نوفمبر 2024 03:06 ممحمد الحر
تحمل صفحات التاريخ المصرى بين طياتها، شخصيات زاحمت الأساطير، ولم تكتفِ بأن تخطّ اسمها بحروف من ذهب، بل خطت المستحيل، وغيرت المقاييس، وجعلت اسمها على رؤوس الأشهاد، إذا ذكرت اسمها سرتك، وإذا سمعت عنها تمنيت لقاءها، فلها من اسمها نصيب.
الحاجة فرحانة، أو «أم داود»، أسطورة النضال النسوى ضد الاحتلال، بدأت مسيرتها بعد نكسة 1967، حين ذهبت مع أسرتها إلى المنيا، ومن ثم عادت لتغزل بيدها علم النصر، وتنشد بصوتها أهازيج السلام، من داخل منزلها فى حى ضاحية السلام بمدينة العريش فى شمال سيناء جلست المناضلة السيناوية «الحاجة فرحانة» تتذكر لـ«صوت الأمة» لحظات الكفاح.
فى احتفالية اتحاد القبائل والعائلات المصرية بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة التى أقيمت باستاد العاصمة الإدارية الجديدة الأسبوع الماضى، كرم الرئيس عبدالفتاح السيسى «سيدة الممر»، صاحبة الدور البطولى بإطلاق اسمها على أحد أحياء شمال سيناء وعلى أحد المشاريع التنموية فى القاهرة، تقديرا لدورها البطولى فى خدمة الوطن خلال حرب أكتوبر المجيدة.
لم يكن غريبا على السيدة التى تبلغ 105 أعوام تكريم الرئيس لها، فمع ابتسامة ظهرت من بين علامات الكهولة، قالت بلغتها البدوية: «الرئيس عبدالفتاح السيسي»! فهو الذى سبق وكرمها للمرة الأولى بشهادة تقدير عام 2021 أثناء تكريم الأمهات المثاليات، فله بقلبها مكان، داعية الله له بأن يحفظه الله ويعينه على المسئولية فى عمله، هكذا قالت.
الرئيس السيسى أكد خلال كلمته أن تكريم السيدة فرحانة يأتى تقديرا لدورها البطولى وتضحياتها فى سبيل الوطن، وأنها نموذج مشرف للمرأة المصرية القوية والصامدة، وأن تكريمها هو أقل ما يمكن تقديمه لهذه البطلة التى قدمت الكثير من أجل مصر.
بدأت مسيرة العمل الوطنى لـ«فرحانة» من محافظة البحيرة، بمديرية التحرير، تضيف لـ«صوت الأمة»: «بعدما هاجرت وأسرتى و6 أسر أخرى إلى منطقة سمالوط بالمنيا، ثم عدنا إلى مديرية التحرير بالبحيرة، قررت وقتها العمل فى خدمة وطنى مثل كثير من الشرفاء من أبناء سيناء حُبا فى ترابه، فسافرت إلى منطقة عين شمس حيث يسكن الشيخ حسين أبوعرادة، أحد المجاهدين، وطلبت منه التوسط لى للقيام بدور وطنى ونقل المعلومات من سيناء».
وكاستراحة محارب تنهدت، بقولها: «كنت أقوم بتجارة الأقمشة والملبوسات وأذهب على فترات إلى سيناء بجانب قيامى بتطريز وصناعة الأثواب البدوية، وبعد فترة جاءتنى البشرى على لسان أبوعرادة، حيث تم قبولى بعد تحريات واسعة وقيام أحد الضباط بالسويس بالإشادة بى، بعد ما كلفنى فى إحدى المرات بمهمة رصد القوات الإسرائيلية فى إحدى رحلاتى إلى سيناء، والتى انطلقت من القاهرة مرورا بالسويس، ثم أبوزنيمة بجنوب سيناء ثم الجفجافة ثم مدينة العريش ثم منطقة الشيخ زويد، وذلك لتجارتى فى الأقمشة والتى أجلبها لهم من القاهرة إلى سيناء، ومعها بدأت عمليات رصد تمركزات العدو عن طريق رحلتى وأعداد الدبابات والجنود بالرغم من عدم إجادتى للقراءة والكتابة، ولكنى كنت أحفظ الرموز التى على سيارات العدو وأخطها على الرمال وأرسمها على الرمال حتى تظل بذاكرتى لأرسمها إلى الضابط المختص بتلقى المعلومات منى».
يقول عبدالمنعم إبراهيم، ابن «فرحانة» إن والدته أم مجاهدى سيناء لها العديد من الجوانب الإنسانية فى المجتمع السيناوى، حيث إنها بطبيعتها الفطرية تحب الخير للناس، وعندما علمت أن إحدى المؤسسات الأهلية الإنسانية تنظم حملة تبرعات لإنشاء مستشفى للأورام بسيناء، تبرعت بالخاتم الذهب الوحيد الذى تمتلكه، وقالت لى «ليست لدى نقود ولا أملك سوى هذا الخاتم»، فأعطته لى لكى أسلمه للمؤسسة كمساهمة منها فى دعم إنشاء مستشفى الأورام بالعريش.
«ياريت يا ابنى لو العمر بيتباع لأشتريه وأرجع زى زمان»، يضيف عبدالمنعم أنه عندما تأتى ذكرى 6 أكتوبر وتشاهد والدته عبر التلفزيون مقتطفات من حرب أكتوبر تبكى وهى تشاهد هذه الفيديوهات وتقول كلمتها الشهيرة، عندما أقول لها ليه يا أمى؟ فتقول «علشان أرجع اشتغل تانى وأخدم بلدى».
تستكمل أم داود لحظات النضال: «بعد الموافقة على عملى زارنى فى منزلى بمديرية التحرير بمحافظة البحيرة المجاهدان سليمان أبوظهير وعطية سالم، رحمة الله عليهما، وكلفانى بمهمة نقل معلومات وخرائط سرية من سيناء عن طريق أحد المجاهدين بسيناء ويدعى أشتيوى الحبانين، والذى كان يستقبلنى فى منزله بوسط مدينة العريش لأقيم عنده فترة أسبوع أو أسبوعين حتى يعطينى رسائل وخرائط لأسلمها لهم بالقاهرة ويقومون بدورهم بإرسالها».
الرحلة لم تكن سهلة، تتذكر المناضلة السيناوية «فرحانة» إحدى عملياتها الجهادية فتقول: «كان المجاهد سليمان أبوظهير وبرفقته أحد ضباط المخابرات الحربية، يقومان بتوصيلى إلى القنطرة والعودة، حيث أركب سيارة من القنطرة وحتى منطقة رابعة ثم أسير على قدمى إلى منطقة تدعى الدهيشة، وهى عبارة عن واحة نخيل لأستريح قليلا، ثم أواصل السير حتى منطقة القصب ثم الهبش حتى ذيل بحير، ثم الجديدية لمسافة تصل إلى 40 كم وأمشيها على قدمى وأستدل بمساعدة ضوء النجوم، وهذه المناطق تقع فى المنطقة ما بين منطقة رابعة وبئر العبد، وبعد وصولى لبئر العبد أستقل سيارة إلى مدينة العريش، وبعد وصولى ذهبت إلى بيت شتيوى واسترحت عنده، وكلف أحد المجاهدين بمرافقتى حتى منطقة الجورة بالشيخ زويد داخل سيارته، حيث قام برسم خريطة لمطار الجورة، وأعطانى إياها، وخبأتها فى الثوب الذى أرتديه بعد الخياطة عليه، لأرحل من العريش إلى منطقة الطاسة بوسط سيناء بالسيارة لاستكمال رحلتى سيرا على الأقدام إلى منطقة قصرويت، وبعدها إلى الدهيشة ثم العودة إلى منطقة رابعة لأجد سيارة تنتظرنى لأستقلها إلى قناة السويس ثم إلى الإسماعيلية فالقاهرة لأجد المجاهدين فى انتظارى وقمت بتسليمهم الخريطة».
خطت المجاهدة السيناوية خرائط ورسومات للضباط بيدها، فهى «أمية» لا تجيد القراءة ولا الكتابة، تحكى: «تكررت زيارتى للعريش وفى كل مرة أنقل شيئا إلى القاهرة، ومرة نقلت قطعة سلاح، ومرة أخرى نقلت خرائط ورسومات للمقار العسكرية الإسرائيلية وتحركات الجنود وفى إحدى المرات قمت بالذهاب إلى مستعمرة ياميت فى الشيخ زويد، وقام مرافق لى بالتقاط عدة صور فوتوغرافية للمعسكر عن طريق كاميرا تصوير، وأعطانى الفيلم مغلفا لتسليمه إلى القاهرة، وفى طريق عودتى استوقفتنى نقطة تفتيش مصرية بالقنطرة وبعد تفتيش عثر على الفيلم مخبئا فى الصوفية - حزام ترتديه البدوية حول وسطها - وقاموا بالقبض على وأجلسونى بجوار النقطة منذ الصباح وحتى العصر، وتم إبلاغ المركز الرئيسى بالقنطرة، حيث جاء ضابط لى وقبل رأسى وأحضر لى الرطب والبلح، ثم وجبة سمك ساخنة وظل بجوارى يطعمنى بيده وأحضر سيارة نقلتنى إلى الإسماعيلية، وقدم لى واجب الضيافة لى ثم رافقنى حتى القاهرة، حيث سلمت الفيلم عبر عطية سالم وسليمان أبوظهير».
«أنا أم داود أهدى سلامى إلى إخوانى وأخواتى فى الأرض المحتلة»، بهذه الرسالة كانت تعلن فرحانة فرحتها بنجاح مهمتها وترسلها عبر أثير الإذاعة لتطمأن المجاهدين فى سيناء بنجاح مهمتها، وهو الأمر الذى كان يصاحبه توزيع الحلوى ابتهاجا بنجاح العملية وكتابة سطر جديد فى سجلات بطولات أبناء سيناء. تحكى أنها كادت تقع فى قبضة المخابرات الإسرائيلية خلال تنفيذ إحدى مهامها حيث كانت تخفى ما بحوزتها من خرائط فى ثوبها، بعدما حاكته على الخريطة، وعندما فتشتها مجندة إسرائيلية صاح نجلها الصغير وأشار على موضع الخريطة وقامت بقرصه حيث بكى، وعندما سألتها المجندة عن سبب بكاء طفلها أكدت أنه يبكى من الجوع لتسمح لها المجندة بالمرور بعد خروجها من الموقف بفطنة وذكاء.
تضيف شيخة المجاهدات بشمال سيناء، إنه بعد فترة، علمت المخابرات الإسرائيلية بتعاونها مع المخابرات المصرية، وقبضت عليها فى العريش، واقتادوها فى سيارتين إلى منطقة كرم أبوسالم بالأراضى المحتلة، حيث مكتب المخابرات الإسرائيلية وطلبوا منها التعاون معهم مقابل ما تطلبه، وتظاهرت بالموافقة رغبة فى الخروج من الموقف، وطلبوا منها تجنيد مجموعة فى القاهرة فوافقت تظاهريا، ثم رجعت إلى العريش ثم عادت إلى القاهرة، وأبلغتهم بما حدث، وقالت: لم أعد إلى سيناء إلا فى الثمانينات بعد تحرير سيناء، خوفا من اعتقال السلطات الإسرائيلية لى بعد خداعها.
للحب مساحة كبيرة فى قلب فرحانة، يضيف عبدالمنعم لـ«صوت الأمة»، إن حبها للجيش المصرى يسيطر عليها، تحب سياراته وملابسه، حيث كانت أحد الدوافع القوية التى دفعتها للانضمام للعمل مع المخابرات الحربية عندما رأت رفات الشهداء الأبطال من الجنود المصريين على الأرض، ومن ذلك الحين عندها إصرار على مساعدة الجيش المصرى لاستعادة أرض سيناء والأخذ بثأر الشهداء، يضيف: «لن ننسى اللفتة الكبيرة من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أسعدنا وشرفنا بتكريم والدتى، وأشكره على هذا التكريم، وأنه وراء تخليد اسمها، من خلال ارتباط أحد المحاور والاحياء بشمال سيناء به على مر التاريخ ليكون مقرا للبطولة والنضال وحب الوطن».
وأشار عبدالمنعم، إلى أن شمال سيناء، شهدت فى عصر الرئيس السيسى طفرة كبيرة من المشروعات العملاقة، والتى أنهت عزلة سيناء وأعادتها للواجهة من خلال تدشين المشروعات التى ستوفر الآلاف من فرص العمل، ومنها ميناء العريش البحرى والسكة الحديد وخاصة بعد وصول أول قطار إلى مدينة بئر العبد بعد مرور سنوات طويلة، واستعرض فيلم قصير تم عرضه خلال حفل اتحاد القبائل والعائلات المصرية، قصة كفاح ابنة سيناء من بين 8 قصص لـ«أبطال عايشين بينّا».