هل فلسطين مجرد «سواك» فعلا؟
السبت، 26 أكتوبر 2024 09:57 م
يجل الجميع الموت إجلالا كبيرا، لا شك في ذلك، فالموت قد يكون الحقيقة المطلقة الوحيدة ربما في تلك الحياة الصعبة، التي باتت تختلط فيها الأكاذيب بالحقائق. ومع هذا لم نتوقف لحظة واحدة عن السعي والبحث عن العيش في حياة أفضل، متمسكين بالأمل في أحلك وأظلم الأوقات عتمة.
ومهما بلغ الحزن منا مبلغه، حسرة على أحبائنا الجواهر الذين اختار الموت النقاد منها الجياد، كان دائما وأبدا استكمال المسيرة هو القرار الأول والأخير، لكن على الجانب الآخر: لماذا تبالغ تيارات الإسلام السياسي ودراويشها وجماعات الوهابية السلفية وتابعيها في هذا الإجلال حد احتقار الحياة والنفس البشرية؟ بل واعتبار جميع المسلمين- على الأقل- ليسوا سوى مشاريع انتحارية أبدية سرمدية.
أقول قولي هذا، بينما تواصل الآلة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي جرائمها في لبنان ومن قبلها غزة، حاصدة آلاف الأرواح الذكية البريئة، ومخلفة في الوقت ذاته آلاف الجرحى والمصابين، إثر مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب عرفت باسم «طوفان الأقصى»، نفذتها حركة «حماس».
تلك الحركة إخوانية المنشأ والفكر والسلوك الانتهازي، والتي لا تزال تمارس هوايتها المفضلة في اختطاف سكان القطاع منذ عشرات السنين، واحتجازهم بمساعدة إسرائيل كرهائن ودروع بشرية، لتنفيذ أجندتها وأجندة من يمولها ويرعاها، أجندة يأتي فيها اسم دولة فلسطين على الهامش، وربما في السطر الأخير.
قبل أن تتأهب للنيل مني، أحيلك إلى ما قاله أحد أبرز قادة حماس، وعضو القيادة السياسية للحركة، ووزير الخارجية في الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلت في مارس 2006، محمود الزهار، وهو يتحدث مع عدد من أنصار حركته في جلسة خاصة، جرى توثيقها بالصوت والصورة، يشرح فيها رؤية الحركة الإسلامية لفلسطين، ويوضح أنها ليست الهدف الأساسي لحماس ولمشروعها، بل مجرد خطوة أو مرحلة من مراحل المشروع الأكبر.
«الزهار» الذي طالما أعلن بكل جرأة وتبجح، وسط نكبات وأنات الفلسطينيين، الانتصار الإلهي المزعوم على إسرائيل، كان صريحا في هذه الجلسة حد الوقاحة، إذ لم يكتف بما قاله بل تساءل متهكما: «دولة فلسطينية على حدود 1967 من الثوابت؟ طبعًا عندما أسمع هذا الكلام أشعر بالتقيؤ، لأنه لا يوجد مشروع.. فلسطين بالنسبة لنا مثل الذي يحضر السواك وينظف أسنانه فقط، لأن مشروعنا أكبر من فلسطين. فلسطين غير ظاهرة على الخريطة».
ثم دعك من «الزهار» وما استفرغ به علينا.. في كتاب: «البروج المشيدة- القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر» الحاصل على جائزة «بوليتزر»، والذي يرصد قصة أحداث 11 سبتمبر الدامية، من واقع سرد أحداث حياة أربعة رجال بينهم زعيما تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، والمدير السابق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل، يحكي الكاتب والصحفي الأمريكي لورانس رايت، عن الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام، عضو تنظيم الإخوان، والذي شارك في الحروب الفلسطينية، ثم لاحقا أحد أبرز الدعاة لما أسماه الجهاد في أفغانستان إبان الاجتياح السوفيتي.
وكان «عزام»، قد التقى في صيف سنة 1984 الشاب السعودي حينها أسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة)، وتوثقت الروابط بينهما، ولاحقا أسفرت هذه الروابط عن عمل الرجلين في تقديم الخدمات للجهاد الأفغاني لطرد «الشيوعيين الروس»، تحت اسم «مكتب خدمات المجاهدين»، قبل أن يحدث بينهما انفصام تنظيمي عام 1987.
يقول لروانس عن عزام، إن «المثير للدهشة أن ذلك الشيخ الفلسطيني قدم الجهاد في أفغانستان على الجهاد في فلسطين. ويبرر ذلك بأن الحرب في أفغانستان تهدف إلى خلق دولة إسلامية أما القضية الفلسطينية فتتبناها العديد من الجماعات المختلفة، منها الشيوعيون والقوميون والمسلمون المحدثون الذين يحاربون من أجل إنشاء دولة علمانية».
وبينما الجميع ليسوا في حاجة لأي دليل- في رأيي- يثبت متاجرة تلك المليشيات بقضية فلسطين العادلة، ومقامرتها بأرواح الأبرياء، لا يزال البعض، أو الكثيرون في الحقيقة، يسيرون خلف تلك الأكاذيب البينة المصحوبة بالدعايات الصاخبة، من منابر الفتنة، مغمضي العيون، فقط لأن خطاب المجد الحمساوي وانتصاره المزعوم على أحفاد «القردة والخنازير» كذبا وادعاء، يأتي مدويا ورنانا، ليلهب حماسة الجماهير المتعطشة للدماء، حتى لو كانت دماء فلسطين هي ما تسيل بالأخير. حقا كم هي محظوظة إسرائيل بأعدائها.. بكون العرب أعداءها؛ لأنهم يخسرون معارك الميدان، ويربحون في حروب الكلام.
اقرأ أيضا: