المحنة.. إلى منحة.. «المؤتمر العالمي للسكان والصحة» شاهد على نجاح التجربة المصرية رغم الظروف الصعبة
السبت، 26 أكتوبر 2024 04:30 م
شهادة من «الصحة العالمية» للقاهرة بالقضاء على الملاريا بعد فيروس «سى».. وتسليم الاستراتيجية الوطنية الصحية
تيدروس أدهانوم: مصر حققت تقدما فى خفض وفيات الأمهات والمواليد.. ومسئولو الأمم المتحدة: الدولة المصرية فى مسارها الصحيح
كيف استطاعت مصر أن تحول المحنة إلى منحة؟ سؤال كان حاضرا بقوة خلال مناقشات وجلسات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية، والذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالقاهرة الأسبوع الماضى، بعنوان «الاستفادة من التحديات: التنمية البشرية فى أوقات الأزمات»، بحضور دولى رفيع المستوى.
المؤتمر الدولى كان مليئا بالأخبار المبشرة لمصر، وكان لافتا حديث الكثير من الحضور على التجربة المصرية فى التحول من دولة تعانى إلى أخرى تضع بناء الإنسان كأولوية، وتخطو نحو المستقبل بخطوات واثقة.
أول خبر كان شهادة لمصر بالقضاء على مرض الملاريا من منظمة الصحة العالمية، التى سلمتها الدكتورة حنان البلخى، المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمى بالشرق الأوسط، إلى الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، وأكد تيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أن هذا الإنجاز يعد نتيجة قرن كامل من الالتزام من الحكومة المصرية والشعب، والذى يوضح ما يمكن تحقيقه من خلال القيادة الحكومية القوية والموارد الفعالة والتطبيق المستمر للأدوات المجربة لمكافحة الأمراض، والتعاون علر الحدود.
وفى تعليقها على إعلان منظمة الصحة العالمية خلو مصر من الملاريا، قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» إنه إنجاز «تاريخى»، موضحة أن السلطات المصرية بدأت أول جهودها للقضاء على المرض المعدى القاتل الذى ينقله البعوض منذ 100 عام، لافتة إلى أنه يتم منح الشهادة عندما تثبت الدولة أن سلسلة انتقال المرض منقطعة لمدة ثلاث سنوات متتالية على الأقل، وتقتل الملاريا 600 ألف شخص كل عام، وكلهم تقريبا فى أفريقيا.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إن مصر هى الدولة الثالثة التى حصلت على الشهادة فى شرق البحر المتوسط التابعة لمنظمة الصحة العالمية، بعد الإمارات والمغرب، وعلى مستوى العالم، وصلت 44 دولة ومنطقة واحدة إلى هذا الإنجاز، وللحصول على شهادة منظمة الصحة العالمية، يجب على الدولة أن تثبت قدرتها على منع إعادة انتقال المرض.
الخبر الثانى تمثل فى نسخة من الاستراتيجية الوطنية الصحية لجمهورية مصر العربية 2024/ 2030، التى قدمها الدكتور خالد عبدالغفار، إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقال عبدالغفار، إن الاستراتيجية تعكسُ جوهر رؤية مصر نحو مستقبل صحى أكثر ازدهارا، وتستند إلى مبادئ ثابتة للعدالة والشفافية والشمولية والمساءلة، مشددا على أهمية المسؤولية المشتركة مع كل الجهات المنوطة فى تنفيذ وإنجاح هذه الاستراتيجية وتوفير الرفاة الصحى والاجتماعى للمواطن المصرى، موضحا أن التحدى الحقيقى لضمان تنفيذ آليات الاستراتيجية هى المراقبة والمتابعة الدقيقة لتنفيذها على أرض الواقع بمختلف القطاعات الصحية، وسرعة اتخاذ القرارات اللازمة والتدخل السريع، بهدف ضمان تنفيذها بشكل شامل ومتناسق، مع ضرورة عقد الاجتماعات الدورية، لمناقشة التحديات أثناء تنفيذ محاور وآليات الاستراتيجية، وكذلك الوقوف على معدلات الإنجاز، مع توحيد منهجية العمل الصحى.
التغلب على الأزمات والتحديات
فى مداخلته أمام المؤتمر، حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على توضيح خصائص التجربة المصرية منذ 2011 وحتى اليوم، بقوله إنه رغم التحديات التى واجهتها مصر منذ عام 2011، إلا أن الدولة تحركت فى إطار استراتيجية قائمة على حلول متوازنة ومتكاملة ومتداخلة، مع الحفاظ على تحقيق الأهداف والتغلب على الأزمات والتحديات، لافتا إلى أن مصر لديها تجربة فى التعامل مع الأزمات وكيفية تحويل المحنة إلى منحة، وقال إننا خرجنا من 2011 بظروف اقتصادية صعبة وعدم استقرار أمنى نتيجة للتطرف والإرهاب، حيث كانت الدولة فى حالة فوضى، وكانت التحديات والأزمات الموجودة فى هذا الوقت يتصور أى أحد أنه لا حلول لها.
وأوضح الرئيس السيسى أن الأزمات التى واجهتها مصر شكلت فرصا حقيقية لتحقيق نجاحات كبيرة عبر تحديها وإيجاد حلول مبتكرة، لافتا إلى أن الدولة اعتمدت على استراتيجيتين رئيسيتين فى التعامل مع الأزمات، وهما دمج الحلول المتوازنة والمتكاملة والحفاظ على الأهداف رغم العقبات، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية كانت حريصة على تنفيذ الأهداف الموضوعة على الرغم من التحديات الكبيرة، وضرب الرئيس السيسى مثالا بنجاح مصر فى التغلب على أزمة فيروس «سى» وقوائم الانتظار بقطاع الصحة، والتى كانت من أخطر الأزمات التى واجهت مصر، منوها إلى أن مصر نفذت حملة قومية لمسح صحى شامل على مستوى الدولة شملت فحص السمنة، والسكري، وضغط الدم بالتوازى مع علاج فيروس «سى»، ما أتاح للحكومة جمع بيانات ضخمة عن الحالة الصحية فى مصر، ونتيجة لذلك تحولت مصر من دولة كانت تعتبر من أكثر الدول إصابة بفيروس «سى» إلى دولة خالية من الفيروس.
كما لفت الرئيس السيسى إلى أن مصر واجهت أيضا أزمة البطالة، حيث كانت نسبة البطالة مرتفعة فى فترة سابقة، وقال «إن مصر تخرج سنويا نحو مليون شخص جديد وهو تحد كبير يستلزم توفير فرص عمل لهم»، منوها إلى أنه على الرغم من زيادة عدد السكان من 80 مليونا فى 2011 إلى 106 ملايين اليوم، استطاعت الدولة تخفيض معدل البطالة إلى 6.5%، وهو مؤشر على نجاح الجهود المبذولة فى هذا المجال، كما أشار إلى تطوير البنية الأساسية للدولة، حيث تم تحسين وتحديث قطاع الطاقة بالكامل وإنشاء وتطوير الموانئ والمطارات، وتوسيع شبكة الطرق وسكك الحديد، لافتا إلى أن مصر أضافت شبكة نقل حديثة تعتمد على الطاقة الكهربائية ما يسهم فى تحسين البنية التحتية، وتلبية احتياجات المواطنين، وشدد على أن الدولة مستمرة فى العمل الجاد لتحقيق الأهداف التنموية وتجاوز التحديات؛ بما يضمن تحقيق التقدم والازدهار لمصر، وقال «إنه رغم كل التحدى الاقتصادى الذى كان موجودا منذ 2011 وما بعدها والحرب على الإرهاب، لكن تم وضع تلك التحديات أمام أعيننا، وتحركنا بخطة حافظنا فيها على أهدافنا وصممنا على تحقيقها».
من جانبه، أكد الدكتور خالد عبدالغفار، أن النسخة الثانية من المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية «24PHDC» ومبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان» ركيزتين أساسيتين فى استراتيجية مصر الشاملة للتنمية البشرية وتحسين الخصائص السكانية، بما يتوافق مع رؤية «مصر 2030» ومخرجات الحوار الوطنى، موضحا أن المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية 2024 هو نتاج تفكير طويل واسع النطاق بين كافة الجهات المعنية محليا ودوليا.
وشدد «عبدالغفار» على أنه منذ تولى الرئيس السيسى، قيادة الوطن، وضع بناء المواطن المصرى فى صدارة أولوياته، حيث أكد مرارا على أهمية الاستثمار فى رأس المال البشرى إيمانا منه بأن الوطن لا يتقدم إلا ببناء الإنسان، مستعرضا جهود الدولة المصرية وإنجازاتها تحت قيادة الرئيس على مدار العقد الماضي، بالإضافة إلى خططها لاستكمال مسيرة البناء والاستثمار فى الطاقة البشرية.
شكر دولى لمصر
وخلال المؤتمر، وجه تيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الشكر للرئيس السيسى، على استضافة المؤتمر العالمى للصحة والسكان والتنمية البشرية، الذى وصفه بـ«الهام»، مؤكدا أن الصحة هى شرط أساسى للتنمية ونتيجة لها فى الوقت ذاته، وهو المبدأ الذى تستند إليه المبادرة الرئاسية «100 مليون صحة»، التى حققت من خلالها نتائج ملموسة على أرض الواقع، وشدد على أن مصر حققت تقدما ملحوظا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بخفض معدلات وفيات الأمهات والمواليد، وفى التوقيت ذاته، هناك العديد من الدول بعيدة عن تحقيق هذا الأهداف، لافتا إلى أن المنظمة قررت لهذا العام تسريع الجهود للحد من وفيات الامهات والاطفال والمواليد، ما يتطلب الاستثمار فى مجموعة من القطاعات الصحية والتنموية، بما فى ذلك تعزيز النظم الصحية وإشراك المجتمع والشركاء لتحقيق الأهداف المرجوه.
ووجه الدكتور ماجد أبورمضان، وزير الصحة بدولة فلسطين، الشكر للرئيس السيسى، نيابة عن الحكومة والشعب الفلسطينى، لكل ما قدمته مصر من الدعم، والدور المميز فى العمل المستمر لوقف العدوان على فلسطين، كما تقدم بالشكر لوزارة الصحة المصرية، لكل ما قدمته من جهود طبية واستجابتها لاحتياجات القطاع الصحى بفلسطين خلال الفترة الأخيرة، مشيدا بالدور الإنسانى والتاريخى الذى تضطلع به مصر قيادة وحكومة وشعبا بحق القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى، مؤكدا أن مصر تلعب دورا تاريخيا وإنسانيا لوقف العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة منذ الساعات الأولى للحرب، منبها إلى أن ما يحدث فى الضفة الغربية المحتلة لا يقل خطورة وقسوة عما يحدث فى قطاع غزة.
كما أشارت ديان كيتا، ممثلة سكرتير عام الأمم المتحدة ونائب رئيس صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى التقدم الذى حققته مصر لا سيما فى النظام الصحى، لافتة إلى دعم صندوق الأمم المتحدة للقطاع الطبى فى مصر، منوهة إلى أهمية نموذج العيادات الطبية المتنقلة فى وصول الخدمات لكل المناطق وحصول المواطنين عليها، كما استعرضت دعم صندوق الأمم المتحدة للدول فى تحويل النمو السكانى من عبىء إلى قوة للتنمية.
وفى إحدى الجلسات النقاشية بالمؤتمر، أكد الدكتور خالد عبدالغفار، أن القضية السكانية قضية تؤرق فرص الاستثمار وتعيق التنمية البشرية، وهى قضية دولة وليست وزارة بعينها، موضحا أن الخطة الكاملة للدولة المصرية ستحقق نتائج كبيرة فى وقت قصير إذا تم التنسيق الكامل والتكاتف بين جميع الوزارات والجهات المعنية، لافتا إلى أن الدولة المصرية تعمل على القضية السكانية منذ 60 عاما، وحققت مصر بعض النجاحات وما زال لديها العديد من التحديات، مؤكدا أهمية ترسيخ مفهوم الأسرة السعيدة لدى الجيل الجديد من خلال المناهج الدراسية، لتخريج أجيال تدفع بالدولة المصرية.
وأكدت الدكتورة سميرة التويجرى، ممثل البنك الدولى، أن الدولة المصرية فى مسارها الصحيح لتحقيق التنمية، موضحة فرص الطفل فى تحقيق التنمية بالنسبة للمؤشرات الحيوية مقارنة بالدول الأخرى، كما أكدت أهمية العنصر البشرى بالنسبة لمصر ومستقبلها، فى دفع عجلة التنمية فى بيئة قائمة على التعلم والمهارات، وتخريج جيل قادر على العمل فى سوق يؤهلهم ليكونوا أشخاصا منتجين، موضحة أن دور الفرد فى حلقة الانتاج يبدأ بأن يكون هناك أطفال أصحاء متعلمين قادرين على التنافس فى سوق العمل ويتحولون إلى أفراد بالغين قادرين على الإنتاج وعندما يصلون للشيخوخة يكونوا مستقلين ماديا ويتمتعون بصحة جيدة.
كما أكد مسئلو الأمم المتحدة، أن مصر تشهد مسيرة تنموية كبيرة وملتزمة بإدخال إصلاحات كبيرة فى مجالات الصحة والسكان والبحث العلمي، وقال عبدالله الدرديرى، مساعد سكرتير عام الأمم المتحدة، إن مصر جاءت فى المرتبة 105 عالميا من 193 بمؤشر 0.7 من مؤشر التنمية البشرية، موضحا أن القيادة السياسية تهتم وتبذل قصارى جهدها لتحقيق تنمية مستدامة يستفيد منها المواطن المصرى.
وأشادت إيلينا بانوفا، المنسق المقيم للأمم المتحدة فى مصر، بالحوار الوطنى الذى أطلقه الرئيس السيسى، لافتة إلى أنه يشكل أرضية مهمة لالتقاء الآراء وسماع جميع الأصوات، وأضافت أن هناك محاور خمسة للإطار الاستراتيجى الذى تعمل من خلاله الأمم المتحدة بالشراكة مع الدول وهى تعزيز الاستثمار فى رأس المال البشري، وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، ودفع العمل المناخى والبعد البيئى، والانتقال العادل للاقتصاد الأخضر.