خطة مصرية قوية لمستقبل «بريكس» بقمة التجمع في روسيا
السبت، 26 أكتوبر 2024 01:53 ميوسف أيوب
الرئيس السيسى يدعو لدعم التسويات المالية بالعملات المحلية بين دول البريكس وتدشين مشروعات تنموية مشتركة
مصر تطالب بإصلاح الهيكل المالي العالمي.. وتؤكد: الأزمات المتعاقبة أظهرت عجز النظام الدولي في التعامل بإنصاف
مصر تطالب بإصلاح الهيكل المالي العالمي.. وتؤكد: الأزمات المتعاقبة أظهرت عجز النظام الدولي في التعامل بإنصاف
نتائج مهمة، ونقاشات ثرية، كانت حصيلة المشاركة المصرية الأولى في قمة تجمع دول بريكس، منذ أنضمام مصر إلى التجمع في بداية العام الجارى، فقد حملت القمة التي عقدت بمدينة قازان الروسية، العديد من الفوائد لمصر ولدول التجمع، خاصة مع تركيزها على الجانب الاقتصادى التنموى، مع اتجاه كل الأنظار ناحية هذا التجمع القوى، وما يمكن أن يلعبه من دور محورى على الساحة الاقتصادية الدولية نظرا لوجود قوى اقتصادية كبرى في عضوية ذلك التجمع كالصين والهند والبرازيل وروسيا، علاوة على وجود سوق استهلاكية كبيرة تضم قرابة الـ50% من سكان العالم، وهو ما دفع متابعين للتأكيد على أن تجمع البريكس سوف يزداد رسوخا حال تبني تلك الدول لألية تسوية التعاملات التجارية بالعملات المحلية، وكذلك استمرار النقاش حول اقتراح إطلاق عملة موحدة لإعادة التوازن المالي للأسواق الدولية وكسر هيمنة دول الغرب على التجارة الدولية، بالإضافة إلى أهمية ربط الموانئ بين دول تجمع البريكس لتعزيز حركة التجارة وتوفير المزيد من فرص العمل وتشجيع الشراكة بين القطاع الخاص بدول التجمع.
وكانت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بمثابة خارطة طريق واضحة المعالم لرؤية اقتصادية مستقبلية لدول التجمع، حيث أكد على ضرورة اتخاذ خطوات حقيقية وفاعلة، لإصلاح الهيكل المالي العالمي، بما فى ذلك مؤسسات التمويل الدولية، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، لتعزيز استجابتها للاحتياجات الفعلية للدول النامية، وأهمية تعزيز التعاون بين دول تجمع البريكس، فى مواجهة التداعيات السلبية لتغير المناخ، فضلاً عن وجوب استثمار المميزات النسبية التى تتمتع بها دول التجمع لتنفيذ مشروعات مشتركة فى قطاعات الاقتصاد الرئيسية، خاصة قطاعات الطاقة والبنية التحتية، والصناعات التحويلية، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، ودفع أطر التعاون المشترك فيما يتعلق بالتسوية المالية بالعملات المحلية، إضافة إلى دعوته لتكثيف وتعميق التواصل والتعاون الثقافي بين شعوب دول التجمع.
وسلط الرئيس السيسى في كلمته، الضوء على الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية المتصاعدة، والتي تدفع إلى العمل بقوة نحو ضمان فاعلية المنظومة الدولية، التى أظهرت بوضوح عجزها عن التفاعل مع الكارثة الإنسانية التى يشهدها قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلي على لبنان، على الرغم من التحذيرات المستمرة من العواقب الوخيمة لهذا الصراع وتوسعه، مشدداً على الأهمية الكبيرة لتجمع البريكس، والدور الحيوي الذى يمكنه القيام به لتطوير المنظومة الدولية مستعرضاً أولويات مصر في هذا الإطار، والمتمثلة في أهمية تعزيز التعاون المشترك، لاستحداث آليات مبتكرة وفعالة لتمويل التنمية، على غرار مبادلة الديون من أجل المناخ، مع تعظيم الاستفادة من الآليات التمويلية القائمة، في ظل ارتفاع فجوة تمويل التنمية إلى حوالى "4" تريليونات دولار فى الدول النامية.
وفى الجلسة العامة الثانية الموسعة لقمة بريكس التي عقدت تحت عنوان :"تعزيز النظام المتعدد من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين"، أكد الرئيس السيسى، أهمية دفع أطر التعاون في مجال التسويات المالية بالعملات المحلية، واستثمار الميزات النسبية لدول التجمع لتدشين مشروعات اقتصادية واستثمارية وتنموية مشتركة، لاسيما فى مجالات الزراعة، والصناعة والتحول الرقمى، والطاقة الجديدة والمتجددة، مشيراً إلى دعم مصر للدور المهم لمجلس أعمال البريكس، وتحالف سيدات الأعمال بالتجمع، فى تكثيف التعاون بين القطاع الخاص وأصحاب الأعمال فى الدول الأعضاء، باعتبارهم شركاء رئيسيين في جهود تحقيق التنمية المستدامة.
وجدد الرئيس السيسي التزام مصر بمبادئ ومحاور عمل تجمع بريكس وحرصها على تعزيز التعاون بين دوله، بما يسهم في تعظيم دوره في إرساء الأمن والاستقرار وزيادة النمو الاقتصادي العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقال: "إن توسيع عضوية تجمع البريكس مطلع العام الجارى، يعكس نية دول التجمع لتعزيز التعاون متعدد الأطراف، وإعلاء صوت ومصالح الدول النامية في مختلف المحافل الدولية والإقليمية"، مؤكدا دعم مصر لتعزيز التشاور والتنسيق بين دول تجمع البريكس وتكثيف التعاون لمواجهة التحديات الدولية المشتركة، لاسيما تغير المناخ، والنفاذ للتمويل الميسر، والأمن الغذائى، وتزايد معدلات الفقر والجوع، واتساع الفجوة الرقمية والمعرفية.
وأشار الرئيس السيسى إلى استضافة مصر في شهر يونيو الماضي للملتقى الدولى الأول "لبنك التنمية الجديد" الذي يهدف إلى التعريف بعمليات البنك والدعم الذي يقدمه للقطاعين الحكومي والخاص ومناقشة آفاق التعاون المستقبلي بين الدول الأعضاء بالبريكس، في ظل إيمان الدولة بالدور المهم الذى يضطلع به البنك فى توفير التمويل الميسر لدعم تنفيذ المشروعات التنموية بالدول النامية، لاسيما فى قطاعات النقل والطاقة النظيفة، والبنية التحتية الرقمية، والتنمية الحضرية، منبهاً إلى أن الأزمات المتعاقبة التي عصفت بالعالم خلال السنوات الماضية، أوضحت بما لا يدع مجالا للشك عجز النظام الدولي في التعامل بإنصاف مع الصراعات حول العالم، فضلا عن حالة الاستقطاب والانتقائية التي أضحى النظام الدولي يتسم بها.
وقال الرئيس السيسي: لقد أظهرت التطورات الدولية، أن القصور الذى يعانى منه النظام الدولى الحالى، لا يقتصر فقط على القضايا السياسية والأمنية بل يمتد إلى الموضوعات الاقتصادية والتنموية، حيث تعانى الدول النامية من تصاعد إشكالية الديون، وعدم توافر التمويل اللازم، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة فضلا عن ارتفـاع تكلفـة التمويـل والاقتـراض، ومن هذا المنطلق تولى مصر أولوية كبرى لاتخاذ خطوات ملموسة، تضمن اضطلاع المجتمع الدولى بدوره فى توفير التمويل الميسر لتحقيق التنمية فى الدول النامية عبر استحداث آليات مبتكرة وفعالة لتمويل التنمية، وآليات شاملة لضمان الإدارة المستدامة لديون الدول النامية، لافتاً إلى أن مصر تؤمن إيمانا راسخا بأهمية تعزيز النظام الدولى متعدد الأطراف وفى قلبه الأمم المتحدة وأجهزتها، باعتباره الركيزة الأساسية للحفاظ على مكتسبات السلام والاستقرار والتنمية، والضمانة القوية لحفظ الأمن والسلم الدوليين.
وعلى مدار ثلاثة أيام شهدت قمة بريكس نقاشاً موسعا، حيث شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة تحقيق التوازن والحفاظ على فاعلية "بريكس"، مشيرًا إلى أن التجمع لديه إمكانات سياسية واقتصادية كبيرة، موضخاً أن "العمل المشترك ضرورة بين الدول الأعضاء للحفاظ على توازن وفاعلية تجمع بريكس"، وقال إن روسيا نظمت كل هذه الفعاليات من أجل الحفاظ على سمعة بريكس وتعزيز مكانة التجمع في العالم لتعميق التعاون بين دول المجموعة.
وشهدت القمة مشاركة نحو 24 رئيس دولة وحكومة، أبرزهم الرئيس الصيني شي جين بينج، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشيتيان، والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، ورئيس أوزبكستان شوكت ميرضاييف، ورئيس تركمانستان سردار بيردى محمدوف، أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيس بنك التنمية الجديد التابع لتجمع "البريكس" ديلما روسيف.
ويضم تجمع "البريكس": البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، والسعودية، والإمارات.
وتحضيرا للقمة، عقدت روسيا، بصفتها الرئيسة الدورية، حوارات وجلسات مكثفة لتعزيز سبل تنفيذ المزيد من التعاون بين دول بريكس، وأعلنت روسيا أنها نظمت 200 فعالية مرتبطة بتجمع البريكس خلال عام 2024 من بينها 20 فعالية على المستوى الوزاري، وأكد يوري أوشاكوف مستشار الرئيس الروسي للشئون الخارجية أن تعزيز التعاون بين دول البريكس أحد ركائز السياسة الخارجية الروسية على المدى الطويل.
ومنذ توليها الرئاسة الدورية للكتلة لعام 2024، حددت روسيا ثلاث مجموعات من الأولويات، وهى السياسة والأمن، والتعاون فى الاقتصاد والتمويل، والتبادلات الإنسانية والثقافية، واقترحت أن تعمل مجموعة بريكس على مواجهة تجزئة النظام التجارى متعدد الأطراف، ومقاومة الحمائية المتزايدة، ومعارضة القيود التجارية الأحادية، وتعزيز التنسيق على المنصات متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولى ومجموعة العشرين، فضلا عن زيادة حجم التجارة والاستثمار المباشر.
وتشمل الأهداف الأخرى الاقتصادىة: تعزيز التحول العادل إلى اقتصاد منخفض الكربون وتحسين التعاون فى مختلف المجالات مثل الصناعة والرقمنة والزراعة والأمن الغذائى والطاقة والنقل.
وفى المجالين الإنسانى والثقافى، تهدفة بريكس إلى دفع التعاون فى مجال التعليم، منها شبكة بريكس الجامعية وبرامج التعليم التقنى والمهني. وسيتم تعزيز التعاون بين العلماء والمبتكرين الشباب وتكثيف التبادلات الثقافية. وسيتم توسيع التعاون الإقليمى بين مدن وبلديات بريكس أيضا، إلى جانب دفع الجهود لتعزيز السياحة.
وتأسست البريكس عام 2009 من قبل البرازيل وروسيا والهند والصين، وتم توسيعها بعد عام بإضافة جنوب إفريقيا فى حين تم توسيع التحالف إلى مجموعة "البريكس بلس" العام الماضى مع انضمام مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات كأعضاء دائمين. ودعيت السعودية والأرجنتين للانضمام إلى أول توسع كبير، لكن لم يمض أى منهما قدمًا فى إضفاء الطابع الرسمى على عضويتهما.
تطور في العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول بريكس
وكشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن العلاقات الاقتصادية بين مصر والتجمع، حيث أظهرت بيانات الجهاز ارتفاع حجم التبادل التجاري ليسجل 30.2 مليار دولار خلال ال8 أشهر الأولى من 2024 مقابل 26.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 15%، وبلغت قيمة الصادرات المصرية إلى التجمع 5.7 مليار دولار خلال ال8 أشهر الأولى من 2024 مقابل 5.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 7.3 %، وجـاءت السعودية على رأس قائمة أعلى تجمع دول البريكس استيراداً من مصر خلال ال8 أشهر الأولى من 2024، حيث بلغت قيمة صادرات مصر لها 2.2 مليار دولار، يليها الإمارات 1.8 مليار دولار، ثم البرازيل 488 مليون دولار، ثـم روسيا 438 مليون دولار، ثم الهند 343 مليون دولار ثم الصين 290 مليون دولار.
ومن أهم المجموعات السلعية المصدرة إلى التجمع خلال ال8 أشهر الأولى، لؤلؤ وأحجار كريمة وحلى بقيمة 979 مليون دولار، خضروات وفواكه بقيمة 967 مليون دولار، الات وأجهزة كهربائية بقيمة 415 مليون دولار، وقود وزيوت معدنية بقيمة 358 مليون دولار، حديد وصلب بقيمة 254 مليون دولار.
وبلغت الواردات المصرية من التجمع 24.5 مليار دولار خلال ال8 أشهر الأولى من 2024 مقابل 20.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 17%، وتصدرت الصين قائمة الأعلى تصديراً لمصر، بـ 9.8 مليار دولار، يليها السعودية 4.3 مليار دولار، ثم روسيا 4.1 مليار دولار ثم البرازيل 2.5 مليار دولار، ثم الهند 2 مليار دولار، ثم الإمارات 1.8 مليار دولار.
ومن أهم المجموعات السلعية المستوردة من التجمع خلال ال8 أشهر الأولى من 2024، الات وأجهزة كهربائية وألية بقيمة 4.2 مليار دولار، وقود وزيوت معدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة 3.4 مليار دولار، حبوب بقيمة 2.6 مليار دولار، حديد وصلب ومصنوعاته بقيمة 2.2 مليار دولار، لدائن ومصنوعاتها بقيمة 1.8 مليار دولار.
وسجلت قيمة استثمارات التجمع بمصر 4.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023، مقابل 19.5 مليار دولار خلال العام المالى 2021/2022، واحتلت السعودية مرتبة الأعلى استثمارا في مصر خلال العام المالي 2022/2023، بـ 1.8 مليار دولار يليها الإمارات 1.5 مليار دولار ثم الصين 750 مليون دولار، ثم الهند 154.4 مليون دولار ثم روسيا 125.9 مليون دولار.
وسجلت الاستثمارات المصرية في التجمع 17.3 مليار دولار خلال العام المالى 2022/2023 مقابل 22 مليار دولار خلال العام المالى 2021/2022، وجاءت السعودية الأكثر استقبالا للاستثمارات المصرية خلال العام المالى 2022/2023 بـ 7.8 مليار دولار، يليها الإمارات 5.2 مليار دولار، ثم الصين 2.5 مليار دولار، ثم روسيا 789.5 مليون دولار، ثم الهند 488.4 مليون دولار.
وكشفت بيانات الجهاز عن تسجيل قيمة تحويلات المصريين العاملين بالتجمع 10.4 مليار دولار خلال العام المالى 2022/2023 مقابل 14.5 مليار دولار خلال العام المالى 2021/2022، جاءت السعودية الأولى بتحويلات بها 8.3 مليار دولار يليها الإمارات 2.1 مليار دولار ثم الصين 19.5 مليون دولار ثم روسيا 15 مليون دولار ثم الهند 7.5 مليون دولار.
وتحويلات العاملين من تجمع دول البريكس بمصر 95 مليون دولار خلال العام المالى 2022/2023 مقابل 103 مليون دولار خلال العام المالى 2021/2022، واحتلت الإمارات المرتبة الأولى بـ 35.5 مليون دولار ثم السعودية 26.1 مليون دولار ثم الهند 23 مليون دولار ثم جنوب افريقيا 6.1 مليون دولار ثم الصين 3.5 مليون دولار.
وبلغ عـدد المصـريين المتواجديـن بدول التجمع 2.2 مليون مصري حتى نهاية عام 2023.