يوسف أيوب يكتب: القرن الأفريقى.. فى عقل وفكر القاهرة

السبت، 19 أكتوبر 2024 01:55 م
يوسف أيوب يكتب: القرن الأفريقى.. فى عقل وفكر القاهرة

أمن البحر الأحمر والحفاظ على وحدة الصومال أولوية.. ولجنة التعاون الاستراتيجى المصرى الإريترى الصومالى تستهدف تحقيق الاستقرار الإقليمى 
تحركات المحروسة تؤكد الاحترام المطلق لسيادة واستقلال بلدان المنطقة.. والتصدى للتدخلات فى الشئون الداخلية لها

 
 
خمس دوائر رئيسية للأمن القومى تتحكم فى الفكر والقرار المصرى على كل الاتجاهات: العربية، الأفريقية، حوض النيل، البحر الأحمر، البحر المتوسط. 
دوائر متخمة بالتهديدات، لذلك أصبح لزاما على صانع القرار المصرى دراسة ورصد ومتابعة مسار هذه الأحداث فى المنطقة، والاستعداد لأى طارئ.
 
ومن يتابع التحركات المصرية سيجد أنها مدروسة بشكل جيد، وتأخذ فى حسبانها كل السيناريوهات والتطورات، وهو ما يؤكد أن منهجية القرار المصرى خاصة فى السياسة الخارجية تعتمد فى الأساس على التكامل بين المؤسسات المصرية، والتنسيق المستمر تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو ما يظهر من التحركات المدروسة والقرارات الحكيمة، والمبنية على معطيات واضحة.
 
والشاهد اليوم، أن السياسة الخارجية للمحروسة تنتهج مبدأ التنوع والتعدد، ليس فقط فى اتجاه فتح مجالات تعاون جديدة مع الأطراف والقوى الدولية والإقليمية، وإنما فى اتجاه دعم المسارات المرتبطة بالأمن القومى المصرى، والذى تعد منطقة القرن الأفريقى أحد محدداته، لذلك تحرص القيادة المصرية على مواصلة الاهتمام بالتطورات التى تحدث فى إقليم القرن الأفريقى، والانخراط النشط وتعميق أواصر التعاون مع دول الإقليم، وهو ما تُرجم من خلال انعقاد قمة ثلاثية الخميس قبل الماضى، 10 أكتوبر 2024، فى العاصمة الإريترية أسمرة، جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس الإريترى أسياس أفورقى، والرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، والتى جاءت فى ظل تصاعد التطورات الإقليمية وتحديدا الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، والجهود المكثفة التى تبذلها الدولة المصرية لاحتواء التصعيد وعدم اشتعال حرب إقليمية بالمنطقة، وهو ما يؤكد أن التحركات المصرية مدروسة، وتأخذ فى حسبانها كل التطورات وتتعامل معها باهتمام واضح، فالأوضاع الملتهبة فى الشرق الأوسط لم تمنع القاهرة من مواصلة دورها فى دعم أشقائها بالقرن الأفريقى.
 
والرؤية المصرية للمنطقة واضحة منذ فترة، وأكد عليها الرئيس مرارا، ومنها قوله فى المؤتمر الصحفى المشترك مع رئيسى إريتريا والصومال، إن مصر لن تدخر جهدا ولن تبخل بالمشورة فى خدمة أهداف ومصالح وتطلعات دول وشعوب منطقة القرن الأفريقى من أجل مستقبل أكثر أمانا واستقرارا وازدهارا، مع الإشارة إلى أن اجتماع أسمرة «لا يبرهن فقط على متانة وتميز العلاقات، بين دولنا الثلاث الشقيقة وإنما يعكس تنامى أهمية تطوير وتعزيز تلك العلاقات الأزلية سواء فى مواجهة تحديات مشتركة، فى كل من القرن الأفريقى والبحر الأحمر أو للاستفادة من القدرات المتوافرة لدى دولنا لتعظيم فرص تحقيق التنمية والازدهار لشعوبنا».
 
وقال الرئيس السيسى، إن اجتماع أسمرة كان «للتشاور والاستفادة من تبادل الرؤى إزاء سُبل التصدى لمخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار وتفكيك دول المنطقة، وتقويض الجهود الدؤوبة لدولنا وشعوبنا، التواقة للسلام والاستقرار والرخاء، فدولنا الثلاث ومنطقتنا وشواطئنا على المدخلين الجنوبى والشمالى للبحر الأحمر تزخر بالثروات وبالفرص الواعدة للتنمية والازدهار، كما أننا نمتلك الإرادة والقدرة على اغتنام وتعظيم الاستفادة من تلك الفرص من خلال التعاون والتكامل والتنسيق الوثيق بيننا»، لافتا إلى الاتفاق على تقديم كل أشكال الدعم للصومال تحقيقا لرؤية الرئيس حسن شيخ محمود، لاستعادة الأمن والأمان فى الصومال بواسطة جيشه الوطنى، وتناول مقترحات عملية لتقديم هذا الدعم ثنائيا وبصورة مشتركة، فضلا عن دعم الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وبناء السلام فى الصومال، كما أكد الرئيس السيسى الاتفاق على خطورة استمرار الأوضاع التى أدت إلى اضطراب حركة الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، الأمر الذى انعكس سلبا على معدلات التجارة العالمية، مع تأكيد أهمية تعزيز التعاون بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وتطوير أسس التنسيق المؤسسى بينها، لتأمين حركة الملاحة الدولية فيه وتعزيز التعاون بينها لتعظيم الاستفادة من موارده الطبيعية، والاتفاق على أهمية تطوير وتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية بين الدول الثلاث، وتكثيف التعاون فى مجال بناء القدرات ونقل الخبرات.
 
وكثفت مصر اهتمامها بالقرن الأفريقى مع توقيع إثيوبيا اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالى، مطلع العام الجارى، تتمكن بموجبها من استخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وهو ما أثار غضب الصومال والدول الأفريقية، التى أكدت أن هذه الاتفاقية غير الشرعية تهدد وحدة وسلامة الأراضى الصومالية، وهو ما دفع القاهرة لإعلان رفضها لهذه الاتفاقية وتمسكها بوحدة واستقرار الصومال.
 
وترجمت مصر هذا الرفض بإجراءات عملية استهدفت دعم الدولة الوطنية فى الصومال، وهو المبدأ الذى تسير عليه مصر منذ 2014، بإعلانها فى كل المحافل الدولية أن الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها هو السبيل لحفظ أمن واستقرار دول العالم، لذلك وقعت القاهرة اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال فى أغسطس الماضى، أعقب ذلك وصول قوات ومعدات عسكرية مصرية للعاصمة الصومالية مقديشو، ضمن خطط القاهرة لدعم الصومال بنشر 5 آلاف جندى بموجب الاتفاق الثنائى، فضلا عن 5 آلاف جندى آخرين للمشاركة فى بعثة حفظ السلام الأفريقية التى ستخلف البعثة الحالية التى تشكل القوات الإثيوبية الجزء الأكبر منها، ولم يعد يرغب الصومال فى وجودها.
 
والشهور القليلة الماضية، شهدت زيارتين مهمتين للرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، إلى القاهرة، عكستا الحرص المشترك بين القاهرة ومقديشو على تعزيز أطر التعاون بين الجانبين، الأولى كانت فى 20 يناير 2024، والثانية فى 14 أغسطس 2024، وهما الزيارتان اللتان أسهمتا فى تبادل الآراء حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتطورات فى القرن الأفريقى، إذ حذّر الرئيس السيسى من المساس بمصالح الصومال.
 
وتزامن ذلك مع تزايد التنسيق المصرى الإريترى، الذى وضع استقرار القرن الأفريقى كأولوية، وظهر ذلك بعدما تيقنت أسمرة أن إثيوبيا تنتهج سياسة ليست فى صالحها، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال رفض أسمرة لاتفاق بريتوريا الذى وقعته إثيوبيا مع جبهة تحرير التيجراى فى نوفمبر 2022 لوقف الحرب، حيث تم استبعاد إريتريا من الانخراط فى هذا الاتفاق، على الرغم من الدعم الإريترى للحرب الإثيوبية ضد جبهة التيجراى، بالإضافة إلى توقيع إثيوبيا اتفاقية مع إقليم أرض الصومال، والذى ترجمته إريتريا بوصفه أنه لن يأتى فقط على حساب موانئها التى تستخدمها إثيوبيا فى عملية التصدير، وهما ميناءا مصوع وعصب، بل إن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، يرغب منذ فترة فى الاستيلاء على ميناء عصب فى ظل طموحاته التوسعية.
 
القمة الثلاثية التى استضافتها أسمرة، جرى التخطيط لها منذ فترة، فقد استضافت نيويورك فى 23 سبتمبر الماضى اجتماعا لوزراء خارجية الدول الثلاث، كان بمثابة إشارة إلى الاتفاق على بلورة إطار ثلاثى للتعاون بين الدول الثلاث مصر والصومال وإريتريا، للتنسيق والتعاون بشكل وثيق فى القضايا ذات الاهتمام المشترك خلال المرحلة المقبلة بما يصب فى مصلحة الشعوب الثلاثة. 
 
والتنسيق الثلاثى الذى نراه اليوم، يأتى فى إطار دوائر الاهتمام المصرى، التى سبق الإشارة إليها، وتستهدف مصر من خلالها بناء رؤية مشتركة حيال القضايا الإقليمية، فى ظل الأوضاع المتوترة فى القرن الأفريقى، وكذلك العمل الثلاثى لمواجهة التحديات الأمنية، فى ضوء تزايد هجمات حركة الشباب الإرهابية، وأمن البحر الأحمر، الذى يمثل مسألة مهمة فى ضوء تزايد التوترات التى تهدد الملاحة فيه.
 
القمة ركزت بشكل كبير على العلاقات بين الدول الثلاث، وفرض الأمن والاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى، شديدة الارتباط بالأمن القومى المصرى، وهو ما كشفه البيان الذى صدر عن القمة، وأشار إلى إنشاء لجنة ثلاثية مشتركة من وزراء الخارجية للتعاون الاستراتيجى فى كل المجالات، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالمبادئ والركائز الأساسية للقانون الدولى باعتبارها الأساس الذى لا غنى عنه للاستقرار والتعاون الإقليميين، خاصة الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضى بلدان المنطقة، والتصدى للتدخلات فى الشئون الداخلية لدول المنطقة تحت أى ذريعة أو مبرر، وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمى، وخلق مناخ موات للتنمية المشتركة والمستدامة، كما توافق الرؤساء على أهمية تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالى الصومالى الوطنى من التصدى للإرهاب بكل صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية وصيانة وحدة أراضيه.
 
كما شهدت القمة توافق الرؤساء على قضايا الأمن والتعاون بين الدول الساحلية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب فى سياق أهميته القصوى كممر بحرى حيوى، وكذلك آليات التنسيق الدبلوماسى والجهود المشتركة بين الدول الثلاث، ورحبت القمة بالجهود التى تقوم بها إريتريا ومصر فى دعم الاستقرار فى الصومال الشقيق، وتعزيز قدرات الحكومة الفيدرالية، والإشادة بعرض مصر المساهمة بقوات فى إطار جهود حفظ السلام فى الصومال.
 
وفى أسمرة أيضا جرى الاتفاق بين مصر والصومال على أهمية دعم وحدة واستقلال وسلامة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ورفض الإجراءات الأحادية التى تهدد وحدة وسيادة الدولة، حيث أكد الرئيس السيسى ونظيره، تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين مصر والصومال من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالى الصومالى الوطنى من التصدى للإرهاب بكل صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية وصيانة وحدة أراضيه، وأعرب الرئيسان عن ترحيبهما بقرار مجلس الأمن رقم 2714 «2023» برفع حظر تصدير السلاح إلى جمهورية الصومال الفيدرالية، والإشادة بجهود الجيش الفيدرالى الوطنى الصومالى تحت قيادة شيخ محمود، نحو تعزيز قدراته وامتلاكه لسبل تطوير إمكاناته بهدف بسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها وصيانة مواردها ومقدراتها، كما أشادت مصر والصومال بصدور بيان مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقى الصادر عن اجتماع رقم «1225» بشأن الترتيبات الأمنية لمرحلة ما بعد انتهاء ولاية بعثة الاتحاد الأفريقى الانتقالية فى الصومال ATMIS، واعتزام نشر بعثة الاتحاد الأفريقى لدعم الاستقرار فى الصومال AUSSOM، وفقا للرؤية والاحتياجات والأولويات الصومالية للمرحلة القادمة فى جهود مكافحة الإرهاب، والتأكيد على الحق السيادى لجمهورية الصومال الفيدرالية فى تحديد تشكيل ومهام والإطار الزمنى لانتشار البعثة، بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقى، والترحيب فى هذا الصدد بعرض مصر المشاركة بقوات فى AUSSOM مساندة دعوة الصومال الفيدرالية للشركاء الدوليين لتوفير التمويل الضرورى لـ AUSSOM، والتأكيد على أن الدعم الدولى للجهود الصومالية والأفريقية لتحقيق الأمن والاستقرار فى الصومال إنما يصب فى تعزيز الأمن والسلم الإقليمى والدولى.
 
وتم التأكيد على أهمية قيام البعثة الأفريقية بدعم مساعى الصومال نحو بناء وتعزيز القدرات المؤسسية للدولة وتمكينها من امتلاك وحماية مقدراتها، وذلك بالتوازى مع الجهود العسكرية والأمنية للبعثة، مع التعهد بتقديم كل أنواع الدعم وبلورة البرامج الداعمة لهذا الهدف وفقا لأولويات الدولة الصومالية، وتم التعهد بتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لجمهورية الصومال الفيدرالية خلال فترة عضويتها غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى للفترة 2025-2026 باعتبارها ممثلا لمصالح وأولويات القارة الأفريقية، إضافة إلى تكثيف التشاور والتنسيق الثنائى بصفة دورية إزاء التحديات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
 
واتفق أيضا الرئيس السيسى، ورئيس إريتريا أسياس أفورقى، على ضرورة الالتزام بالمبادئ والركائز الأساسية التالية للقانون الدولى باعتبارها الأساس الذى لا غنى عنه للاستقرار والتعاون الإقليميين، والاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضى بلدان المنطقة، كما أكدا رفض التدخلات فى الشئون الداخلية لدول المنطقة تحت أى ذريعة أو مبرر، وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمى، مع أهمية العمل على خلق مناخ موات للتنمية المشتركة والمستدامة، وتعزيز التعاون الثنائى فى مختلف المجالات تحقيقا لتطلعات الشعبين نحو التنمية والازدهار، وأيضا تعميق وتكثيف التشاور السياسى بين البلدين حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية والتطورات الجيوسياسية ذات الاهتمام المشترك، من خلال تدشين لجنة تشاور سياسى على مستوى وزيرى الخارجية تجتمع بشكل دورى، وذلك بهدف تعزيز التعاون والتنسيق فى المجالات التى تحقق المصالح المشتركة.
 
كل هذه النتائج هى إعادة تأكيد للتوجهات المصرية الخارجية، والتى تضع حماية الأمن القومى فى المقدمة، وبالتوازى معه الحفاظ على أمن واستقرار الدول الشقيقة والصديقة، بما ينعكس إيجابا على المنطقة بشكل عام.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة