«القاهرة - الرياض» خط استراتيجى واحد

السبت، 19 أكتوبر 2024 01:43 م
«القاهرة - الرياض» خط استراتيجى واحد
دينا الحسينى

تدشين مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى بقيادة الرئيس السيسى والأمير محمد بن سلمان يبدأ عهدا جديدا من الشراكة الاستراتيجية القوية

خطوة كبيرة شهدتها العلاقات المصرية السعودية، الثلاثاء الماضى، بالإعلان عن تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، خلال الزيارة المهمة التى قام بها الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى ورئيس مجلس الوزراء، وعقده لقاء قمة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين يسهم فى تعزيز وزيادة الاستثمارات المشتركة؛ سواء السعودية أو المصرية فى المملكة، منوها إلى أن هناك عدة مجالات واعدة للتعاون بين البلدين، مثل توليد الطاقة الجديدة والمتجددة، ومشددا على ضرورة الإسراع بتنفيذ توجيهات الرئيس السيسى بشأن تفعيل ما تم التوافق عليه بين البلدين، بما يحقق الرغبة المشتركة فى توسيع أطر التعاون وتحقيق مصلحة الدولتين.

القمة المصرية السعودية، الثلاثاء الماضى، جاءت فى وقت استثنائى حرج تشهده المنطقة العربية، حملت فى طياتها رسائل مهمة، وأعطت دفعة للعمل العربى المشترك لوقف التصعيد فى المنطقة، نظرا للتطورات المتلاحقة فى الإقليم، وقبل يوم - الأربعاء - من حضور الأمير محمد بن سلمان، القمة الخليجية الأوروبية فى العاصمة البلجيكية بروكسل، أكدت أن التنسيق والتشاور المصرى السعودى فى قمة مستوياته.

وأكد الرئيس السيسى، على عمق ومحورية العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية، لا سيما فى ظل التهديدات التى تواجه المنطقة، مشددا على أهمية مواصلة التنسيق والتعاون المشترك لتجاوز المرحلة الدقيقة الحالية التى تمر بها منطقتنا وعالمنا الإسلامى، مشيرا إلى الحرص المتبادل على ترجمة العلاقات والروابط التاريخية بين البلدين من خلال تعزيز الآليات الثنائية المؤسسية، وخاصة من خلال تدشين مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى، لمتابعة مختلف أوجه العلاقات الثنائية وسبل تطويرها باستمرار.

وخلال القمة المصرية السعودية، نقل الأمير محمد بن سلمان إلى الرئيس السيسى، تحيات خادم الحرمين الشريفين، مؤكدا الأهمية التى توليها المملكة لتعزيز العلاقات الثنائية، ومواصلة البناء على الروابط التاريخية الممتدة بين البلدين والشعبين الشقيقين، لتحقيق المصلحة المشتركة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية.

القمة استعرضت الجهود الجارية لتطوير الشراكة الاقتصادية المصرية السعودية، لا سيما فى مجال تبادل الاستثمارات، والتبادل التجارى بين البلدين، والتكامل الاقتصادى فى مجالات الطاقة والنقل والسياحة، فضلا عن تناول التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الأوضاع فى قطاع غزة ولبنان، حيث تم التوافق على خطورة الوضع الإقليمى وضرورة وقف التصعيد، وشدد الزعيمان على أن إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، هى السبيل الوحيد لتحقيق التهدئة والسلام والأمن بالمنطقة على نحو مستدام، كما أكد الزعيمان أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية من شأنها أن تتسبب فى استمرار حالة الصراع بالمنطقة، وطالبا ببدء خطوات للتهدئة تشمل وقف إطلاق النار بقطاع غزة وفى لبنان، ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة والتوقف عن سياسات حافة الهاوية بما يوقف دائرة الصراع الآخذة فى الاتساع، فضلا عن ضرورة احترام سيادة وأمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه، كما تباحث الزعيمان حول عدد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها أمن منطقة البحر الأحمر، والأوضاع فى السودان وليبيا وسوريا.

العلاقات المصرية السعودية كانت ولا تزال من أهم وأنجح عناوين التضامن العربى المشترك ونموذجا عربيا يحتذى به فى مجال العلاقات الدولية، حيث تجمع القاهرة والرياض شراكات استراتيجية فى الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية لتصبح السمة الأساسية لتلك الشراكات هى تطابق الرؤى بين البلدين، من أجل أمن واستقرار المنطقة، ولم تسمح القاهرة، فى أى وقت عبر التاريخ، أن تهتز علاقتها مع الرياض، كما يتصور المتربصون، إذ يربط مصر بالمملكة مصير مشترك وخط استراتيجى واحد، ورغم الحدود الجغرافية التى تفصل بين البلدين فإنها على أرض الواقع لا توجد حدود بين الشقيقتين.

العلاقات المصرية السعودية، هى نموذج للعلاقات الاستراتيجية بين بلدين شقيقين، فعلى مر عقود طويلة شهدت تلك العلاقات محطات مضيئة، سجل فيها شعبا وقيادتا البلدين الشقيقين بحروف من نور مواقف تعكس عمق الروابط والوشائج التى أبت إلا أن تصمد فى وجه كل المحن والتحديات، وهى الروابط التى تمت ترجمتها فى سجل المواقف بينهما وتوحد الرؤى المشتركة إزاء القضايا المحورية على الساحتين الإقليمية والدولية، وفى صورة إبرام عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التى تغطى كل ملفات التعاون المشترك بين الحكومات المتعاقبة فى مصر والمملكة على مر الأزمنة، وتشهد العلاقات بين مصر والسعودية تناميا يوما تلو الآخر مدعومة بحرص قيادتى الدولتين على تعزيز المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المشتركة، إذ تؤدى التجارة والاستثمارات المتبادلة دورا محوريا فى تنمية هذه العلاقات وتعزيز دورها على المستويين الإقليمى والدولى.

وتحرص الدولتان على التنسيق فى كل الملفات، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لإقرار الأمن والاستقرار فى منطقة تموج بالتحديات والتحولات وتتزايد فيها مخاطر اندلاع الصراعات، وهو ما برهنت عليه التحديات الإقليمية القائمة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ما يفرض استمرار العمل على تعزيز قوة ومتانة العلاقات التاريخية التى تجمع قيادتى وشعبى البلدين الشقيقين منذ عقود طويلة، حيث ترتكز المواقف السياسية المشتركة للبلدين على الرفض التام لكل التدخلات الإقليمية فى شئون الدول العربية أيا كان مصدرها، كونها تشكل تهديدا لاستقلال وسيادة الأراضى العربية وتفكيكا لوحدتها الوطنية، لذلك تدعم الدولتان بشكل دائم كل المبادرات السياسية والحلول السلمية لجميع أزمات المنطقة، فى سوريا واليمن وليبيا والسودان، وفقا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الإقليمية والمرجعيات ذات الصلة، بما يحافظ على استقرار هذه الدول، ووحدة ترابها، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.

وعلى الصعيد الاقتصادى، شهد العام الجارى زخما كبيرا فى ملف التبادل التجارى والتعاون الاقتصادى بين القاهرة والرياض، ليضيف المزيد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، حيث تبادل الوزراء والمسئولون فى كلا البلدين الزيارات، كما شهدت القاهرة مؤخرا اجتماع فريق العمل المعنى بمتابعة التوصيات الصادرة عن اجتماعات الدورة السابعة عشرة للجنة المصرية السعودية المشتركة.

والشهر الماضى، قام الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، بزيارة إلى الرياض، وعقد سلسلة اجتماعات مع وزراء الاستثمار والصناعة والتجارة والمالية بالمملكة، كما التقى ممثلى القطاع الخاص السعودى، وتم الاتفاق على إطار عام لتعزيز التعاون الاقتصادى بين البلدين فى عدة قطاعات وإزالة كل معوقات الاستثمار، كما التقى مدبولى الأمير محمد بن سلمان، الذى أعلن عن قيامه بتوجيه «صندوق الاستثمارات العامة» السعودى للقيام بضخ استثمارات فى مصر بإجمالى 5 مليارات دولار كمرحلة أولى.

وقال وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، إن العلاقات السعودية المصرية نموذج يحتذى به فى التعاون العربى الوثيق، والتعاون بينهما يعزز النمو الاقتصادى بالمنطقة، ونطمح بتدفقات استثمارية غير مسبوقة لمصر بعد الإصلاحات الأخيرة، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر والسعودية بلغ أكثر من 124 مليارا خلال عامى 2022 و2023، فيما بلغ عدد الرخص الممنوحة للمستثمرين المصريين فى المملكة نحو 5767 رخصة، موضحا أن مجموع الرخص الاستثمارية لشركائنا من مصر نما بنسبة 100 % فى 2024، وأوضح أن لدى المصريين أكثر من 80 ألف وظيفة فى الاقتصاد السعودى.

ويعد التبادل التجارى بين مصر والسعودية من أبرز ملامح العلاقات الاقتصادية بين البلدين فى السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت قيمة التبادل التجارى بشكل ملحوظ، ليبلغ خلال النصف الأول من عام 2024 قرابة 8 مليارات دولار بارتفاع يعادل 41 % مقارنة بالنصف الأول من 2023، وتعد المنتجات المعدنية واللدائن ومصنوعاتها أبرز السلع السعودية المصدرة، فيما جاءت المنتجات المعدنية والنحاس ومصنوعاته من أبرز السلع المصرية المستوردة.

وتسعى المملكة لتصبح الشريك التجارى الأول لمصر خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث توجد نحو 6285 شركة سعودية تعمل فى مصر، بجانب وجود 274 علامة تجارية مصرية، وأكثر من 574 شركة مصرية فى الأسواق السعودية.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق