لماذا عقلك صادق وعقلى كذاب؟

السبت، 14 سبتمبر 2024 01:14 م
لماذا عقلك صادق وعقلى كذاب؟
حمدى عبدالرحيم

يقع بعض الدارسين للعلوم الدينية فى فخ «أنا على صواب دائما وأنت على خطأ دائما»، يؤمن الواحد منهم بأن كل ما يقوله هو الصواب المطلق الذى لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه، ومن هؤلاء، فلان الذى ينتمى لقطر عربى، وهو يقدم نفسه بوصفه متخصصا فى التفسير وعلوم القرآن.
فلان هذا يتمتع بحماية ميلشيا إلكترونية، تهلل لأدنى كلمة يكتبها، وتسفه بل تكفر من يعارضه أدنى معارضة، والرجل صاحب يقين مطلق لأنه درس التفسير، وكأن الأمة لم تقدم عمالقة التفسير من بدء الرسالة إلى يوم الناس هذا!
فضيلته ومنذ بدء العدوان على غزة، نفض يديه من كل أمر من أمور الدنيا والأخرة وتفرغ بكليته لتسفيه المقاومة، ثم تخطى التسفيه إلى تخطئة المقاومة من منظور شرعى، ثم تخطى التخطئة إلى دعوة سافرة للاستسلام، لأن هذا هو شرع الله.
لا فى الكتاب الكريم، ولا فى السنة المطهرة، نص يدعو إلى الاستسلام، فمن أين جاء الرجل بكلامه؟!
جاء به من عقله هو، وهو يؤمن بعصمة عقله وبعصمة استنباطه وبعصمه فهمه.
إذن الأمر أمر عقل، وليس أمر نصٍّ قطعى الدلالة قطعى الثبوت، فلماذا عقله هو عامر بالمعرفة وعقولنا نحن هى الخربة التالفة؟
بنى الرجل كلامه على قاعدة هو الذى اخترعها، وقاعدته تقول: «اقتبست بعض الجماعات العلمانية والإسلامية حرب العصابات، وألبستها لبوس الوطنية والدين! بالرغم من آثارها الكارثية على المدنيين، والملاحظ ان نابليون حين احتل مصر لم يشن المسلمون عليه حرب عصابات!».
من قال لهذا الرجل إن المصريين لم يحاربوا نابليون حرب عصابات؟
الجيش المصرى الذى نعرفه الآن لم يكن قد تشكل بعد، والقوة الوحيدة المنظمة والمسلحة كانت بقايا دولة المماليك، وقد هزم المماليك فى كل موقعة خاضوها أمام جيش نابليون، وهنا جاء دور الأزهر الذى قاد ملاحم التصدى الشعبى لقوات نابليون، من المنصورة شمالا وإلى جهينة بسوهاج جنوبا، لقد كانت حرب عصابات كما يقول الكتاب، نقرأ من صفحات التاريخ وصفا لمعركة جهينة: «وقعت معركة جهينة جنوبى مصر فى العاشر من أبريل 1799، عندما هاجمت الحملة الفرنسية عدة مدن وقرى فى محافظة سوهاج، واستمات جميع أهالى جهينة فى الدفاع عن بيوتهم ومناطقهم، وقضوا على الفرنسيين، وهرب من تبقى منهم، ما أجبر الحملة كاملة على التراجع من مدن وقرى المحافظة».
ونستعيد ما سطره المؤرخون عن معركة بنى عدى بمحافظة أسيوط: «فى 18 أبريل 1799 اندلعت ثورة قرية بنى عدى التابعة لمركز منفلوط فى محافظة أسيوط جنوبى مصر، تحت قيادة الشيخ حسن الخطيب، حيث اجتمع ما يزيد على 3 آلاف من الأهالى و300 من المماليك لمواجهة القوات الفرنسية، التى سارت إليهم بقيادة الجنرال دافو بهدف الاستيلاء على بنى عدى، حين وصل الجنرال دافو وجنوده إلى بنى عدى وجدوا الأهالى جميعا حاملين السلاح، واستبسلوا فى التصدى لهجمات الجيش الفرنسى، وحين شعر الفرنسيون بالعجز شرعوا فى حرق القرية، وأضرموا النار فى بيوتها لتتحول إلى شعلة من النار، وبهذه الوسيلة نجح الفرنسيون فى الدخول إلى بنى عدى بعد أن أصبحت رمادا، وسلبوا ونهبوا الكثير من الأموال والكنوز».
ثم كانت هناك ملاحم ثورة القاهرة الأولى والثانية، وعلى مدار سنوات الغزوة الفرنسية لم يهدأ المصريون حتى طردوا القوات الغازية، وقد حاربوا بكل سلاح كان بين أيديهم، حتى أنهم حاربوا بالحجارة والنبابيت، ولم يكن المجاهدون تحت راية واحدة ولم يكونوا تابعين لجيش نظامى، كانوا فرقا متناثرة متفرقة، حتى أن كل حارة كانت تقاتل بمفردها، فى حرب عصابات قل نظيرها.
ثم يلف حضرة الدارس للتفسير وعلوم القرآن ليصل إلى مربط الفرس فيقول: «إذا أمّن الصائل الناس على أرواحهم وأعراضهم فلا معنى ولا جدوى من شن معركة فردية خاسرة ضده».
أولا: الصائل هو المعتدى على غيره بغير حق بقصد سرقة ماله أو انتهاك عِرضه أو سفك دمه أو اغتصاب أرضه.
ثانيا: الصائل هنا هو جيش كيان الاحتلال فهل يفعل جيش الاحتلال شيئا غير سرقة الأموال وانتهاك الأعراض وسفك الدماء واغتصاب الأرض؟!
ثالثا: هل أمّن صائل زماننا الناس على أرواحهم وأعراضهم؟
إنه منذ أكثر من مئة سنة مضت لا يفعل شيئا إلا قتل الناس واغتصاب أرضهم.
ثم لماذا يحكم حضرة دارس التفسير وعلوم القرآن على المعركة بأنها فردية وبلا جدوى وخاسرة؟!
لقد حكم بما حكم وقال ما قال، لأن عقله أوحى إليه بكل ذلك، فالأمر ليس أمر نص مقدس ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه، فإذا كان هذا هو عقل حضرة الدارس، فلنا عقول تقول له: كف عن هذيانك.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق