بداية جديدة للصداقة والتعاون بين مصر وتركيا

قمة مصرية تركية تاريخية في أنقرة.. وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم.. وعقد الأجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي

السبت، 07 سبتمبر 2024 12:47 م
قمة مصرية تركية تاريخية في أنقرة.. وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم.. وعقد الأجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي

الرئيس السيسى للشعب التركى: أحمل إليكم من مصر وشعبها أطيب مشاعر الود والمحبة والتقدير واعتزازنا بالإرث الحضاري والثقافي المشترك

الرئيس أردوغان: مصر وتركيا شكلتا تاريخ البشرية.. وأعمل مع الرئيس السيسي لعزيز العلاقات العميقة

اتفاق مصري تركى لتوسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة ورفع التبادل التجارى لـ15 مليار دولار ومنح تسهيلات لرجال الأعمال الأتراك


ما بين وصفها بالتاريخية، والمؤثرة في القضايا الإقليمية والدولية، تعددت الرؤى تجاه الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى تركيا الأربعاء الماضى، بعد أشهر من زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى القاهرة وتحديداً في 14 فبراير الماضى، لكن الجميع اتفق على أن هذه الزيارة، كما قال الرئيس السيسى، تعكس الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون بين مصر وتركيا، استناداً لدورهما المحوري في محيطهما الإقليمي والدولي، وبما يلبي طموحات وتطلعات شعبينا الشقيقين.

زيارة الرئيس السيسى، الأربعاء الماضى، إلى أنقرة هى أول زيارة رسمية له إلى تركيا، منذ توليه الرئاسة، شهدت الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بمشاركة رئيسَي البلدين، والذي أعيد تشكيله وفقا للإعلان المشترك الموقّع خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة، وخلاله تم مراجعة جميع جوانب العلاقات التركية المصرية، ومناقشة الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها في الفترة المقبلة لمواصلة تطوير التعاون الثنائي بين البلدين، فضلاً عن تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، بخاصة الهجمات الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفى أعقاب جلسة مباحثات ثنائية بين الرئيسان السيسي وأردوغان بقصر الرئاسة التركي، تبعها مباحثات موسعة ضمت وفدي البلدين، عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وتبعه التوقيع على اتفاقيات ومذكرات متعددة تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين.

 

مذكرات واتفاقيات تعاون

شملت مذكرة تفاهم مع شركة بولاريس التركية لتطوير منطقة صناعية بالعاصمة الادارية الجديدة، مذكرة تفاهم لتحسين التعاون في قطاع السكك الحديدية بين الهيئة القومية لسكك حديد مصر وسكك حديد تركيا ، مذكرة تفاهم بين سلطة الطيران المدني بجمهورية مصر العربية والمديرية العامة للطيران المدني بجمهورية تركيا، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية ووزارة المواصلات والبنية التحتية التركية.

وشهد الرئيسان أيضا التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني في مجال الزراعة بين الحكومتين المصرية والتركية، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم للتعاون في الصحة والعلوم الطبية بين وزارة الصحة والسكان المصرية ووزارة الصحة التركية، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصعيرة والمتناهية الصغير بمصر وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بتركيا، ومذكرة تفاهم للتعاون وبناء القدرات بين وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية ووزارة الثقافة والسياحة التركية.

 

مرحلة جديدة من التعاون والتكامل

وفى المؤتمر الصحفى المشترك بين الرئيسان، أكد الرئيس السيسى، أن زيارته الأولى لتركيا، "تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتكامل بين بلدينا"، موجهاً حديثه للشعب التركى بقوله : إنني أحمل إليكم من مصر وشعبها أطيب مشاعر الود والمحبة والتقدير، في ظل اعتزازنا بالعلاقات التاريخية والإرث الحضاري والثقافي المشترك الذي يجمعنا".

ولفت الرئيس السيسى إلى أنه خلال السنوات الماضية "شهدنا ازدهارا مستمرا في التواصل بين الشعبين المصري والتركي، لاسيما من خلال الحركة السياحية المتنامية وكذلك العلاقات التجارية والاستثمارية التي تشهد نمواً مضطرداً، فضلاً عن زيادة الاستثمارات التركية في مصر خاصة في مجال التصنيع"، موضحاً أنه في ظل الرغبة الصادقة للبلدين في المزيد من تطوير العلاقات والتعاون، وللبناء على نتائج زيارة الرئيس "أردوغان" لمصر، في فبراير الماضي، سعدت اليوم -الأربعاء- والرئيس "أردوغان" برئاسة الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجى، رفيع المستوى بين مصر وتركيا، الذي يهدف لإحداث نقلة نوعية في كافة المجالات، وأبرزها: التجارة والاستثمار والسياحة والنقل والزراعة، كما شهدنا التوقيع على عدد  من مذكرات التفاهم التي تهدف لوضع إطار مؤسسي جديد للتعاون بين بلدينا، لافتاً إلى أن المباحثات تناولت أيضا تأكيد أهمية تيسير حركة التجارة البينية، وتوسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا بهدف رفع التبادل التجارى إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات المشتركة بين البلدين، ومنح التسهيلات الممكنة لرجال الأعمال الأتراك في ظل مناخ الاستثمار المتميز بمصر، الذي مكنهم من زيادة حجم أعمالهم وبيع منتجاتهم في مصر، والتصدير للخارج.

وأكد الرئيس السيسى أن ما تعيشه منطقتنا وعالمنا اليوم من أزمات وتحديات بالغة، توضح أهمية التنسيق والتعاون الوثيق بين مصر وتركيا، لافتاً إلى مناقشته مع "أردوغان" سبل التنسيق والعمل معاً للمساهمة فى التصدي للأزمات الإقليمية، وعلى رأسها معالجة المأساة الإنسانية التي يتعرض لها إخواننا الفلسطينيون في غزة، فــي كارثــة غيـــر مســبوقــة قاربــت علــى العـام.

وأشار الرئيس السيسى إلى وحدة موقفي مصر وتركيا حيال المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار، ورفض التصعيد الإسرائيلي الحالي في الضفة الغربية، والدعوة للبدء في مسار يحقق تطلعات الشعب الفلسطينى في إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها "القدس الشرقية"، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فضلاً عن التعاون المستمر منذ بداية الأزمة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، على الرغم من المعوقات المستمرة التى تفرضها إسرائيل.

كما لفت الرئيس السيسى إلى أن مباحثاته مع أردوغان شهدت تبادل وجهات النظر حول الأزمة الليبية، و"اتفقنا على التشاور بين مؤسساتنا لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا، مع تأكيد أهمية طي صفحة تلك الأزمة الممتدة من خلال عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن، وخروج القوات الأجنبية غير المشروعة والمرتزقة من البلاد، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة حتى يتسنى لليبيا الشقيقة إنهاء مظاهر الانقسام وتحقيق الأمن والاستقرار".

وأضاف الرئيس السيسى: ناقشنا كذلك الأوضاع في سوريا، وأكدنا تطلعنا إلى التوصل لحل لتلك الأزمة التي أثرت على الشعب السورى الشقيق، بشكل غير مسبوق، وأرحب هنا بمساعى التقارب بين تركيا وسوريا حيث نهدف في النهاية إلى تحقيق الحل السياسي ورفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق، وفقاً لقرار مجلس الأمن في هذا الشأن، مع الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها والقضاء على الإرهاب".

ولفت الرئيس السيسى إلى أن المباحثات استعرض أيضاً الأزمة في السودان والجهود التي تبذلها مصر بالتعاون مع مختلف الأطراف لوقف إطلاق النار، وتغليب الحل السياسي، وقال: بحثنا أيضاً باستفاضة الأوضاع في القرن الإفريقى وخاصة بالصومال، حيث اتفقنا على ضرورة الحفاظ على وحدة الصومال الشقيق وسيادته وسلامة أراضيه ضد التهديدات التي تواجهه".

وأكد الرئيس السيسى تطلعه إلى استمرار التهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط، والبناء عليها وصولاً إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة "ليتسنى لنا جميعاً التعاون وتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة بها، لتحقيق الرفاهة لشعوب المنطقة أجمع".

وأعرب الرئيس السيسى عن تطلعه لاستقبال الرئيس أردوغان مجدداً في مصر، لاستمرار البناء على تواصلنا المباشر، بما يحقق مصالح شعبينا الشقيقين والمنطقة بأسرها.

 

تركيا ومصر دولتان عريقتان

من جانبه أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تركيا ومصر دولتان عريقتان وكانتا مهد الحضارات التي شكلت تاريخ البشرية، مشيرًا إلى أنه يعمل مع الرئيس السيسي باستمرار على تعزيز العلاقات العميقة والمتعددة الأبعاد بين البلدين من خلال الجهود المشتركة.

وقال أردوغان إن زيارته إلى القاهرة في فبراير الماضي كانت نقطة تحول جديدة في العلاقات الثنائية، لافتًا إلى أنه منذ ذلك الحين تم الحفاظ على الحوار والتعاون على أعلى مستوى مع الرئيس السيسي فضلاً عن المشاورات الدائمة الوثيقة بشأن القضايا المتعلقة بالمنطقة، مشيرًا إلى أن العام المقبل سيشهد الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وأشار أردوغان إلى أن التجارة والاقتصاد تشكلان البعد الأقوى للتعاون الثنائي، لافتاً إلى أن السنوات العشر الماضية أصبحت بلاده من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين لمصر، مؤكدًا إصرار بلاده على زيادة حجم التجارة مع مصر إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، كما قال أردوغان إن رجال الأعمال الأتراك يساهمون بشكل كبير في الاقتصاد المصري، حيث تقترب استثمارتهم من 3 مليارات دولار، معربًا عن تشجيعه لرواد الأعمال الأتراك على زيادة استثماراتهم، وترحيبه بالمستثمرين المصريين في تركيا.

واختتم الرئيس أردوغان، كلمته، معربًا عن أمله أن يكون الاجتماعات والاتفاقيات الموقعة بادرة خير للجميع، موجهًا الشكر للرئيس السيسي على زيارته، معربًا عن تحياته للشعب المصري الشقيق.

 

وثيقة ميلاد لمرحلة جديدة من العلاقات

واعتبر الخبراء إن الزيارة الرئاسية لأنقرة تعد وثيقة ميلاد لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين تُبنى على المشتركات، وأكد السفير عبد الرحمن صلاح الدين، سفير مصر السابق لدى أنقرة، أن هذه الزيارة التاريخية تحمل عدة رسائل إقليمية ودولية عاجلة أبرزها أن هناك تحالفاً قوياً قادماً بين مصر وتركيا لن يدخر جهداً من أجل حل أزمات المنطقة وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن اجتماعات القمة المصرية التركية في أنقرة تأتي تتويجاً لمسيرة إحياء العلاقات بين البلدين والتي شهدت دفعة قوية وانطلاقة جديدة بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى مصر في فبراير الماضي والتي طوى بها سنوات من القطيعة وأعاد الود وعلاقات الصداقة.

وقال نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اللواء محمد إبراهيم الدويري إن زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، تمثل نقلة نوعية غير مسبوقة وخطوة مميزة فى إطار التحركات المصرية على المستوى الإقليمي، وتكتسب أهمية سياسية وإقتصادية ترتبط إرتباطاً مباشراً بالعلاقات الإستراتيجية بين دولتين يمكن أن نطلق عليهما قوتين إقليميتين عظمتين، مشيراً إلى أن مصر تتحرك في إطارها الإقليمى مدفوعة برؤية متكاملة لدعم الأمن والإستقرار والتنمية فى المنطقة، وهو جوهر المشروع المصرى، وذلك فى مواجهة أية مشروعات أخرى تهدف إلى زعزعة الإستقرار فى المنطقة، وبالتالى عندما يأتى مثل هذا التحرك منسقاً بين دولتين بحجم كل من مصر وتركيا فإن الوضع الإقليمى لابد أن يتغير إلى الأفضل ويكون أكثر إيجابية وفعالية.

وقال السفير الدكتور محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر وتركيا، بوصفهما ركيزتي الأمن والاستقرار في الإقليم، في حاجة إلى التباحث والتنسيق من أجل الحيلولة دون دخول المنطقة في منعطف خطير، بسبب اتساع دائرة النزاع في المنطقة نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة والجرائم الوحشية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بحق الفلسطينيين واستباحة دمائهم وتدميرها للقطاع وامتداد جرائمها لتشمل شمال الضفة الغربية، مؤكداً أن القاهرة وانقرة قادرتان على لعب دور مهم ومؤثر في المحيط الإقليمي والعمل على تعزيز استقرار دول المنطقة في إطار من الفهم المتبادل للمسؤولية الملقاة على عاتقهما بوصفهما دولتين ذات ثقل استراتيجي، كما أنهما تلعبان دوراً مهماً ورئيسياً في تحقيق المكاسب الاقتصادية في الإقليم.

وشدد حجازى على أن الشرق الأوسط في حاجة إلى الشراكة المصرية التركية بما يمكن أن تحققه من رافعة مشتركة لعمليات الإعمار المرتقبة في المنطقة والعمل معاً في كافة القطاعات لتشكيل وحدة اقتصادية تنموية عملاقة من خلال شركات الدولتين، تسهم بفاعلية في تحقيق مصالح الشعبين ومصالح شعوب المنطقة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق