أمن واستقرار القرن الأفريقي في عقل وفكر القاهرة

التعاون المصري الصومالي نموذج للتحركات الداعمة لاستقرار الأشقاء والحفاظ على سيادتهم

السبت، 07 سبتمبر 2024 12:41 م
التعاون المصري الصومالي نموذج للتحركات الداعمة لاستقرار الأشقاء والحفاظ على سيادتهم
العلاقات المصرية الصومالية
محمد الشرقاوى

دفعت التحديات المتلاحقة في منطقة القرن الأفريقي مصر إلى بناء ووضع استراتيجية للتعامل مع المنطقة التي تمثل بعدًا استراتيجيًا في العقل الاستراتيجي المصري، وبالتالي ضرورة التعامل مع قضاياها المتشابكة، التي تهدد استقرار الإقليم ككل، وتهديد أمن البحر الأحمر والملاحة العالمية.
 
التعامل المصري يتجه لما هو أبعد من سد النهضة، ويشمل استقرار حركة الملاحة، وتقويض نشاط التنظيمات الإرهابية، والحافظ على الدولة الوطنية، وإعادة التوازن الاستراتيجي للمنطقة بما يخدم المصالح الإقليمية والمصرية.
وتأتي الصومال على رأس اهتمامات القيادة المصرية، بالنظر لعمق العلاقات السياسية والشعبية، بالارتكاز على روابط تاريخية وثقافية ودينية تجمع البلدين، وترفع مصر في تعاملها مع الصومال شعار "الخير قادم"، وهو تعامل أكدته التحركات السياسية والدبلوماسية والتنسيق بين البلدين خلال الأسابيع الماضية، والسبت الماضي، أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، دعم مصر الكامل للصومال الشقيق وحرصها على تعزيز وحدة البلاد، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة تحمل خيرًا كبيرًا للشعب الصومالي.
وحدد مدبولي أولويات الدولة في إدارة علاقاتها تجاه مقديشو، بقوله: "تحقيق وحدة الصومال ودعم أشقائنا الصوماليين في هذه المرحلة، ويظهر هذا الحرص من خلال الزيارات الرسمية رفيعة المستوى بين الجانبين على مدار الفترة الماضية، بالإضافة إلى التزام مصر بتقديم الدعم اللازم للصومال الشقيق في كافة المجالات.
مدبولي أكد أن الحكومة تتحرك بقوة نحو دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين القاهرة ومقديشيو، في إطار حرص الجانبين على تعزيز التعاون وتسهيل تقديم التمويلات اللازمة للأعمال التجارية والاستثمارية بين البلدين، مشيراً إلى أن مصر جاهزة لتصدير أي سلع أو بضائع يحتاجها الصومال، مؤكداً أن كل الجهود ستبذل لتيسير نفاذ هذه السلع والبضائع بما يُلبي احتياجات المواطن الصومالي.
الأمر قابله رئيس الوزراء الصومالي، حمزة بري، بترحاب كبير، معرباً عن شكره وتقديره لمصر على دعمها المستمر، مؤكدًا أن مصر تعد بمثابة الأخ الأكبر بالنسبة للصومال، حيث يرتبط البلدان بعلاقات قوية تاريخيًا، وأن التعاون بين البلدين هو تعاون متعدد الأوجه ومصر دائمًا كانت في مقدمة الدول الداعمة لنا.
وأشار بري إلى التقدم الكبير الذي تشهده العلاقات المشتركة، لافتًا إلى أن "تشغيل خطوط الطيران بين القاهرة ومقديشيو منذ يوليو الماضي، وافتتاح السفارة المصرية في مقديشيو في 13 أغسطس الماضي، يعكسان هذا التقدم".
وفي 14 أغسطس الماضي، استقبل الرئيس السيسي في القاهرة نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، لبحث تعزيز أطر التعاون الثنائي وتطورات الأوضاع الإقليمية، حيث وعقد الرئيسان جلسة مباحثات تم خلالها تأكيد قوة ومتانة العلاقات التاريخية بين مصر والصومال، والحرص المشترك على تدعيمها على مختلف الأصعدة، والبناء على نتائج زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة لمصر في يناير الماضي.
كما أكد الرئيس خلال اللقاء موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية، ورحب الرئيسان بالخطوات المتبادلة بين الدولتين لتعميق التعاون الثنائي، ومن بينها إطلاق خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشيو، وافتتاح السفارة المصرية في مقديشيو، وتوقيع بروتوكول التعاون العسكري.
وأعرب الرئيس الصومالي عن التقدير لدعم مصر المتواصل لبلاده على مدار العقود الماضية، مشدداً على حرص الصومال على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة، ومثمناً دور الهيئات المصرية المختلفة في بناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات.
وشهد اللقاء التباحث حول مُختلف الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المُشترك، حيث تم التوافق على تكثيف التشاور والتنسيق خلال الفترة المُقبلة، لمواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. وشهد الرئيسان عقب المباحثات مراسم التوقيع على بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين.
 
مرتكزات ومحددات
تولي مصر اهتمامًا بالغًا بالقرن الأفريقي وفي القلب منه الصومال، نظرًا لموقعه الاستراتيجي الذي يشرف على أحد أهم ممرات الملاحة الدولية، البحر الأحمر، الذي يصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويربط هذا الممر بحر العرب، والمحيط الهندي، وخليج عدن، ومضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية بقناة السويس، التي تمثل شريانًا حيويًا لحركة التجارة الدولية، إذ يمر عبرها ما يقرب من 12% من إجمالي التجارة العالمية. 
وتعتمد مصر في سياساتها تجاه القرن الأفريقي على مجموعة من المحددات الرئيسية تشمل الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحل النزاعات بالطرق السلمية، بالإضافة إلى مجموعة من المصالح الاستراتيجية المعلنة.
وعلى رأس المحددات المصرية في القرن الأفريقي، ملف "أمن البحر الأحمر" كونه يمس المصالح المصرية الحيوية، وهي مسألة تتزايد أهميتها في ضوء التوترات المتزايدة في بعض دول المنطقة، وكان التحرك المصري لبناء توافق مع دول المنطقة للتأكيد على مسؤولية الدول المتشاطئة عند صياغة سياسات تتعلق بهذا الممر المائي الحيوي، من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية، بما يعزز الاستقرار ومنع سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة، والتصدي لأي محاولة من أطراف خارج الإقليم لفرض رؤيتها على المنطقة. 
وثان المحددات تقويض نشاط التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي، حيث حركة الشباب المجاهدين، وهي أحد أخطر فروع تنظيم القاعدة، وأكثر الجماعات الإرهابية عنفاً وفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، وتعزيز التنسيق مع الصومال يمهد لتقويض نشاط الحركة، من خلال تدريب الضباط الصوماليين بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية، وهو طلب صومالي بالنظر لنجاح التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب.
بالإضافة إلى الحرص المصري على الحفاظ على توازن استراتيجي في دول القرن الأفريقي بعيدًا عن هيمنة أي دولة أو قوى خارجية، حيث تعتمد العلاقات المصرية مع دول المنطقة على الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، وهو ما يتجلى في الزيارات المتبادلة بين القيادة السياسية المصرية وقادة دول القرن الأفريقي.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق