وزير التعليم والذكاء الاصطناعي.. بوادر مطمئنة بعيدا عن صخب الجروبات
الثلاثاء، 03 سبتمبر 2024 03:37 م
عودتنا الحياة أن من ينتظر بالحكم على الأفراد والمواقف يأخذ نصيبا من النتائج الصحيحة المبنية على أساس الاختيار، وهذا ما حدث مع وزير التربية التعليم محمد عبد اللطيف، باختياره للحقيبة الأكثر تعقيدا من وجهة نظري بسبب أزمات ملف التعليم من جهة ولأنها تتصل بكل أسرة وحساسيتها في تحديد مستقبل أبنائها من جهة أخرى.
الحق يقال أن التخوف في البداية من اختيار عبد اللطيف لحقيبة التعليم الأساسي في مصر كان مشروعا، وخاصة مع ظهور أزمة شهادته الأكاديمية، ثم توضيح رئيس الوزراء بكل شفافية أساس الاختيار، والذي كان قائما على برنامجه في النهوض بالقطاع وخبرته القوية في الإدارة، وهذا أسكت الجدل إلى حد ما، لانتظار النتائج وما تسفر عنه تحركات الوزير في الملف الأصعب.
بدأت كرامات الوزير الجديد في الظهور، بخطوة تعديل نظام الدراسة في الثانوية العامة بتقليل المواد الأساسية وإعلان الهدف بالتخفيف عن كاهل الطلاب والأسر المصرية، مع الاشتباك في المآخذ التي ترى أهمية مادة مثل الفلسفة في الحياة، وصولا إلى توضيح بأن التعديل لن يلغي المواد التي لن تضاف إلى المجموع بل إن عملية تدريسها مستمرة للاستفادة منها، ولكن التركيز أكثر على المواد الأكثر عملية في سوق العمل من وجهة نظر الوزير.
من زاوية أخرى قد تُثقل كفة الوزير واختياره لحقيبة التعليم ما صاغه عبد اللطيف من خطط في جلسة تحت عنوان "التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى التعليم: ضمان اتباع نهج مستدام تركز على الإنسان"، خلال مؤتمر"أسبوع التعلم الرقمى 2024" بفرنسا، والذى تنظمه منظمة اليونسكو.
تضمنت خطط الوزير عبد اللطيف نقاطا في بالغ الأهمية ترسم مدى فكره وتعاطيه مع صياغة المستقبل الذي يقوم على أساس المنافسة العالمية في سوق العمل. والأهداف التي صاغها الوزير لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفالها عندما استعرض الرؤية المصرية بشأن التعلم الرقمى والذكاء الاصطناعى.
قال الوزير إن تجاهل دمج الذكاء الاصطناعى مع التعليم يعد بمثابة إغماض أعيننا عن أعظم الأدوات التى ظهرت فى صندوق أدوات التعليم، وأن تبنى الذكاء الاصطناعى فى الفصول الدراسية وتطويعه فى تغيير طرق التقييمات التكوينية فى الفصول هو ركن أساسى فى خطة مصر التعليمية، وتتضمن خططنا طويلة الأجل تعليم الطلاب كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعى كوسيلة لتحقيق غاية، وليس كغاية فى حد ذاته.
وسابقا، كان تعريف التعليم هو القدرة على القراءة والكتابة، ثم تغير هذا التعريف ليصبح القدرة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ثم تم إعادة تعريفه مرة أخرى ليصبح القدرة على البرمجة، واليوم مع ظهور الذكاء الاصطناعى أصبحت هناك العديد من الأنظمة التى بإمكانها القيام بدور البرمجة لصالحنا، ولكن ما نحن بحاجة إليه فعلياً هو تنمية الأجيال القادمة ليصبحوا خبراء فى تحديد المشكلات الموجودة حتى يتمكن الذكاء الاصطناعى من تطوير الأكواد اللازمة لحلها، و هو ما نسعى لتحقيقه فى المستقبل.
وفقا للوزير، لكى نتمكن من تمهيد الطريق لتحقيق خطة مصر طويلة الأجل لدمج الذكاء الاصطناعى فى التقييمات التكوينية، فإنه يتعين علينا أولا أن ننجح فى إتمام خططنا قصيرة الأجل، تماشياً مع نهج اليونسكو الذى يركز على الإنسان فى المقام الأول، مشيرًا إلى أنه لحماية قدرات طلابنا وجميع أطراف المنظومة التعليمية، فإننا نعمل بجد لضمان إتاحة التعليم المتميز للجميع من خلال معالجة القضايا الملحة مثل البنية التحتية، والشمولية لجميع أطراف المنظومة بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتقليل الكثافات داخل الفصول الدراسية والتعلق بالتعليم مدى الحياة.
وأكد الوزير أن التركيز على إمداد مدارسنا بالتكنولوجيا الرقمية هو الهدف الأهم بالنسبة لنا حالياً من أجل تحقيق أهدافنا البيئية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية المستدامة، لافتًا إلى أنه فى الوقت الحالى يتلقى كل طالب ومعلم فى المرحلة الثانوية جهازًا لوحيًا رقميًا يتمكنون عن طريقه من استخدام جميع كتبهم الدراسية، وعمل الواجبات المطلوبة من الجانب النظرى، ويبدو ذلك مثالياً وخياليا، ولكننا الآن بصدد مراجعة سياستنا واستراتيجيتنا الحالية، وهذا لأن أفضل الطرق التى تخدم بها هذه الأجهزة الطلاب هى استخدامها فى سد الفجوات التعليمية، وليس فى نقل المعلومات و حسب.
وأردف الوزير أنه علاوة على ذلك، ولتحقيق النجاح الكامل لهذا النهج، فإن هناك الكثير من العمل الذى ينبغى القيام به فى تدريب وتطوير كل من العاملين والطلاب، بالإضافة إلى هذا فإنه يتعين علينا التطوير المستدام للمناهج الدراسية بحيث يتم ربط الموضوعات الفردية بالحياة الواقعية، مع التأكيد على أهمية الأهداف البيئية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مشيرًا إلى أنه فى ظل النقاش الجاد والمستمر حول إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي، فإن مصر تؤمن بشدة أنه ليس عدوًا للتعليم و لا يمثل تهديداً له، وأنه أعظم أداة فى عصرنا، وأنه سيساعد فى توسيع أفاقهم، وإصقال مهاراتهم فى القرن الحادى والعشرين، وتحسين تقديرهم لذاتهم من خلال إتاحة الفرصة لهم ليوقنوا بملكاتهم.
وردًا على سؤال حول الاستراتيجيات والسياسات التى تنفذها مصر بالنظر إلى دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى التعليم، قال الوزير: "إن وزارة التربية والتعليم المصرية تولى أهمية كبيرة لتسليح الطلاب بمهارات تؤهلهم لوظائف المستقبل والعصر القادم الذى أؤمن بأنه عصر الإبداع والابتكار أكثر من كونه عصر رقمي"، مشيرًا إلى أن خطتنا للمرحلة القادمة هى دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى التعليم، وذلك من خلال تدريس البرمجة لطلاب المرحلة الثانوية، ومحو أمية الطلاب فى البرمجة لضمان أن يكون كل خريج ملم بها، حيث يتم الآن العمل على إعداد المناهج الخاصة بالمحتوى الرقمى للذكاء الاصطناعي، ودمج الطلاب فى التقييم التكويني، وكذلك دمج الذكاء الاصطناعى بقوة فى المنصات الرقمية بما يتناسب مع العصر الرقمي، وذلك بتصميم منصات الوزارة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فضلًا عن العمل على تغيير جذرى لتلبية الاحتياجات المستقبلية للطلاب المتعلقة بالبرمجة وتخصصات علوم الحاسب.
وردًا على سؤال آخر حول دمج مصر للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى التعليم، قال الوزير: "إن نظام التعليم المصرى يضم أكثر من 25 مليون طالب، ونواجه عددًا من التحديات، أكثرهم صعوبة كثافة الفصول، والعجز فى أعداد المعلمين، وسعة شبكة الإنترنت، حيث تسعى الوزارة إلى تمكين كل طالب من الوصول للإنترنت والذى يعد تحديًا كبيرًا" مضيفًا أن الوزارة تعمل أيضًا على إعداد المعلمين على التدريس باستخدام الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا، علمًا بأن نظام التعليم فى مصر يضم معلمين متميزين ونعمل جاهدين على تنميتهم المهنية.
تستحق الرؤية المصرية المستقبلية لإدماج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في المنظومة التعليمية بل وجعلهما عنصرين أساسين لا ينفصلان عنها، الوقوف أمامها بنظرة إيجابية واقعية، فعندما تكون رؤية الوزير هكذا، بل وتحركاته تدل على هذا الإطار، فإن من حقه الدعم وانتظار الدعم والابتعاد عن تصدير الأزمات وعدم الانسياق وراء السوشيال ميديا.
وكما يقال بأن النجاح لا يُبنى إلى برؤى واضحة واقعية تُعلي شعار الإنسان أولا، فإن النجاح أيضا يحتاج إلى صبر وانتظار النتائج وخاصة عندما تكون الخطط مبشرة للمستقبل مثلما عرض وزير التربية والتعليم. ونعرف جيدا أن الكل خاضع للتقييم والرقابة على الأداء في ظل منهجية وفلسفة الجمهورية الجديدة، وهذا الأساس الذي ننطلق منه دائما نحو ضمان تحقيق الأهداف.