يوسف أيوب يكتب: حكومة تعمل فى النور
السبت، 31 أغسطس 2024 03:31 م
لماذا نساعد على ترويج الشائعات رغم ثبوت كذبها؟ وهل نحتاج لتدخل قوى فى مواجهة مروجى الأكاذيب على السوشيال ميديا؟
أيا كان رأيك فى الحكومة أو سياساتها أو قراراتها، لكن المؤكد إنها فى تشكيلها الجديد اتخذت على نفسها عهدا ووعدا ولم تخلف فيه.
الوعد هو المكاشفة والمصارحة، فكل أسبوع يخرج رئيس الوزراء فى مؤتمر صحفى يرد على الاستفسارات والأسئلة مهما كانت صعوبتها، وعلى الوتيرة ذاتها
يسير الوزراء، سواء فى المؤتمرات الصحفية أو اللقاءات التى يجرونها مع الصحفيين والقنوات الفضائية.
هذا الظهور الإعلامى من جانب الحكومة، له فوائد عدة، أهمها أن نكون على اطلاع بما يدور ويحدث داخل الأروقة الحكومية، وأيضا اتاحة الفرصة للوزراء بالرد على ما يقال بشأنهم وبشأن المهام المسئولين عنها، وفى الوقت ذاته، توضيح الحقائق، وكشف التفاصيل التى قد تكون غائبة عنا.
لكن الشئ الغريب أنه رغم حالة الانفتاح الإعلامى من جانب الحكومة، أن نرى ماكينة الشائعات على وتيرتها ذاتها، مستهدفة أيضا موضوعات مكررة، وتم الرد عليها أكثر من مرة، بل الأغرب أننا نرى على السوشيال ميديا من يتورط فى ترديد هذه الشائعات بإعادة نشرها، دون أن يحاول ولو لمرة واحدة أن يقتطع دقائق معدودة من وقت للبحث عن الحقيقة أو المعلومة الصحيحة بدلا من التورط فى نشر معلومات مغلوطة، وإعادة تدوير الشائعات، وكأن البعض منا أدمن الشائعات.
الأسبوع الماضى فقط كنا أمام شائعتين، حازتا لقب الأكثر تداولا وتكرارا على مدار السنوات القليلة الماضية، رغم عدم منطقيتهما، وفى الوقت ذاته مسارعة الحكومة لنفيهما فى كل مرة وتوضيح الحقائق الخاصة بهما، لكن رغم ذلك نراهما تتكرران كل فترة على وسائل التواصل الإجتماعى.
الشائعة الأولى، متعلقة بقناة السويس، التى كانت ولا تزال هدف الشائعات، تارة بالحديث عن بيعها، وتارة أخرى بالاستدانة الدولية على مشروعاتها، وآخرها الحديث الكاذب عن اعتزام الهيئة الاقتصادية لقناة السويس اقتراض 19 مليار جنيه لمدة 13 عاما، لاستكمال مشروعات تطوير الموانئ.
وردت الهيئة الاقتصادية لقناة السويس سريعا على هذه الكذبة، بتأكيدها أنها محض ادعاءات خالية من أية معلومات أو حقائق، وأن الهيئة لم تتخذ أية إجراءات أو قرارات خاصة بهذا الشأن، مشيرة إلى أنه يتم الإنفاق على تطوير مشروعات موانئ الهيئة من خلال تعظيم عائدات المناطق الصناعية والتعاقدات التى عملت الهيئة على تنفيذها مع شركاء النجاح فى إطار استراتيجيتها لتطوير الموانئ البحرية التابعة لها وتكاملها مع المناطق الصناعية.
الشائعة الثانية، وهى أيضا أصبحت مثل الضيف الدائم على السوشيال ميديا، كونها مرتبطة بموضوع يحظى باهتمام قطاع كبير من المصريين، وهم المتعاملون مع المقررات التموينية، وفحوى الشائعة الأخيرة أن هناك أنباء بشأن إصدار قرار بإلغاء صرف السكر التموينى المدعم على البطاقات التموينية، وهو ما دفع وزارة التموين والتجارة الداخلية، للتدخل السريع ونفى هذه الأكاذيب، والتأكيد أنه لا صحة لإلغاء صرف السكر التموينى المدعم على البطاقات التموينية، وأنه لم يتم إصدار أية قرارات بهذا الشأن، مُشددة على انتظام صرف المقررات التموينية بما فيها السكر المدعم لكل المستحقين من أصحاب البطاقات التموينية بشكل طبيعى دون إلغاء، وذلك بما يعادل القيمة المخصصة لهم من الدعم، مع انتظام ضخ كميات وفيرة منها بجميع المنافذ التموينية وفروع المجمعات الاستهلاكية وبقالى التموين وفروع مشروع «جمعيتى» بكل محافظات الجمهورية، مُشيرة إلى أن المخزون الاستراتيجى من السكر آمن، ويكفى احتياجات المستهلكين لعدة أشهر مقبلة، مُؤكدة على قيام الوزارة بتكثيف حملات التفتيش الدورية على كل الأسواق، لمنع أى تلاعب بالأسعار أو ممارسات احتكارية على السلع.
هناك شائعات أخرى كثيرة تتكرر، رغم ان الحقائق واضحة، وهو ما دفع البعض للتساؤل: هل أدمنا الكذب والطريق الملتوية؟
بالتأكيد المصريون يريدون الحقيقة وليس غيرها، لكن المؤكد أيضا أن السوشيال ميديا - بقدرتها على الوصول لكل البيوت المصرية - قادرة على لىّ عنق الحقائق، من خلال لجان إلكترونية تعمل على مدار الساعة لقلب الحقائق، وترويج الشائعات.
وللعلم فإن هذه الشكوى ليست شكوى مصرية حصرية، فقبل ثلاثة أسابيع، عانت بريطانيا من آفة السوشيال ميديا فى حادث كاد أن يفتك بالدولة من الداخل، بعدما عمد البعض على ترويج شائعات حول المتسببين فى مقتل ثلاثة أطفال فى مدينة ساوثبورت، حيث انتشرت شائعات على الإنترنت تزعم أن أحد طالبى اللجوء هو من يقف وراء الجريمة، وأعقبتها أعمال شغب شملت مدنا عدة استدعت التدخل العنيف من جانب الشرطة البريطانية التى بحثت عن جذور هذه الشائعة، وانتهت إلى أن المهاجم كان مراهقا يبلغ من العمر 17 عاما من مواليد ويلز، لأبوين مهاجرين من رواندا، كما ألقت القبض - وفقا لصحيفة الجارديان - على امرأة تبلغ من العمر 55 عاما من مقاطعة شيشاير لتورطها بنشر معلومات كاذبة حول هوية قاتل الأطفال الثلاثة فى ساوثبورت، ونقلت الصحيفة عن رئيسة شرطة شيشاير، أليسون روس، أن موجة الاضطرابات التى اجتاحت بريطانيا كانت مدفوعة إلى حد كبير بـ«الرسائل التحريضية الكاذبة» التى انتشرت عبر الإنترنت، حيث تصاعدت الاحتجاجات التى اندلعت بعد المأساة التى وقعت فى ساوثبورت، وتطورت إلى اندلاع اشتباكات مع الشرطة وأعمال شغب نظمها أنصار الجماعات اليمينية المتطرفة، واعتقل مئات الأشخاص وأصيب العشرات من ضباط الشرطة، وعلى خلفية هذه الاضطرابات، انعقد اجتماع اللجنة الحكومية للطوارئ ثلاث مرات، وتعهد رئيس الوزراء كير ستارمر بزيادة انتشار الشرطة فى شوارع المدن البريطانية، وتسريع الإجراءات الجنائية، ومحاكمة المسئولين عن التحريض على وسائل التواصل الاجتماعى.
ما حدث فى بريطانيا يحدث كل يوم فى مصر، من خلال ترويج شائعات وأكاذيب عبر وسائل التواصل الإجتماعى، ما يتطلب تدخلا حكوميا، للتعامل مع هذه الآفة، وردع كل المتورطين فى ترويج الشائعات والأكاذيب.
وفى الوقت ذاته نحتاج إلى قدر من الثقة فى الحكومة، خاصة أن مجلس الوزراء الجديد يتعامل معنا بشفافية أو بمعنى أدق، يعمل فى النور، فلا أقل من أن نثق فيه، ولا نلقى بالا بالشائعات والأكاذيب.