تحذيرات مصرية من نشوب حرب إقليمية
الأوضاع فى الشرق الأوسط تقترب من الاشتعال.. وتغيرات جيوسياسية تمهد لأخطر مرحلة تشهدها المنطقة
السبت، 31 أغسطس 2024 01:31 ممحمد الشرقاوى
استمرار المواجهات فى السودان.. وتفجر محتمل فى جنوب لبنان.. وليبيا على خط النار.. والعمليات العسكرية تهدد البحر الأحمر
تشهد منطقة الشرق الأوسط على مدار أشهر، تحولات جيوسياسية عميقة أثرت بشكل مباشر على مصر، تسببت فى تغييرات استراتيجية وسياسية واقتصادية على كل الاتجاهات، ودفعت نحو زيادة توترات تهدد الاستقرار الإقليمى ككل.
فما بين الحرب فى غزة، والتصعيد فى ليبيا، والسودان، والعمليات العسكرية فى البحر الأحمر، تقف مصر «متيقظة» فى وسط مشهد معقد ويزداد تعقيدا مع إطالة أمد الحرب فى غزة، واقترابها من عامها الأول، وسقوط نحو 41 ألف شهيد.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، حذر خلال اجتماعه مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية تشارلز براون، الأحد الماضى، من مخاطر فتح جبهة جديدة فى لبنان، بعد التصعيد الجديد بين حزب الله وإسرائيل، ووجه دعوة إلى «وقفة حاسمة» لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة.
الرئيس السيسى أكد أن الوضع الإقليمى الراهن يتطلب وقفة حاسمة من المجتمع الدولى لبذل كل المساعى وتكثيف الضغوط، لنزع فتيل التوتر، ووقف حالة التصعيد التى تهدد أمن واستقرار المنطقة بالكامل، مشددا على ضرورة التجاوب مع الجهود المشتركة، المصرية الأمريكية القطرية، الرامية للتوصل لاتفاق لوقف الحرب بقطاع غزة بشكل فورى، وتبادل الأسرى والمحتجزين، بما يسمح بتعزيز مسار التهدئة والاستقرار بالمنطقة، منوها إلى صعوبة الأوضاع الإنسانية المأساوية التى يعانى منها الفلسطينيون بالقطاع، وما تفرضه من ضرورة وقف الحرب فورا، لإيصال ما تحتاجه غزة من كميات هائلة من المساعدات الإغاثية والصحية.
العالم يخشى حربا إقليمية.. ماذا يحدث؟
شهد الأسبوع الماضى تطورات متلاحقة، وصلت حد تبادل الضربات بين الاحتلال الإسرائيلى وحزب الله اللبنانى، وهى ضربات ذات تأثير محدود انتهت بهدوء نسبى على الجبهة الجنوبية فى لبنان، مع تصاعد التحذيرات من حرب إقليمية واسعة النطاق.
على مدى الأشهر الماضية، تصاعدت حدة التوتر فى ساحات إقليمية مختلفة، مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى البحر الأحمر وبحر العرب، نتيجة التصعيد الاشتباكات العسكرية بين الولايات المتحدة والمجموعات المسلحة المدعومة من إيران، فى ظل استمرار الصراع الذى اندلع فى قطاع غزة بعد هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023.
وتتراوح التطورات الإقليمية الحالية بين احتمالين، أولهما توسع بؤر التصعيد الإقليمى مع زيادة نطاق المعارك وشدتها فى المنطقة، والثانى هو نشوب حرب إقليمية شاملة، ومع ذلك، تميل أغلب التحليلات إلى أن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحا، حيث تفضل القوى الإقليمية الرئيسية الابتعاد عن الانخراط المباشر فى الصراعات التى قد تكون واشنطن وطهران طرفا فيها بالوكالة.
وتسعى القوى الإقليمية إلى تجنب المشاركة فى التحالفات العسكرية على جبهات التصعيد، مفضلة التركيز على الدبلوماسية والتنسيق المشترك لتهدئة الوضع الإقليمى، مع تسليط الضوء على القضية المحورية التى تشعل فتيل الصراع الإقليمى من وقت لآخر، وهى القضية الفلسطينية.
وبالتزامن مع تزايد التهديدات بحرب إقليمية والتى زادت حدتها بعد عملية اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية فى إيران، فى 31 يوليو الماضى، والتهديد الإيرانى بالرد فى العمق الإسرائيلى، تزايد انتشار القوات الأمريكية بالإقليم فى بؤر متعددة، وصلت بحسب آخر التقديرات إلى 40 ألف جندى أمريكى فى المنطقة، ورصد تحركات للأسطول الخامس وتحركات للقيادة المركزية الأمريكية، وتوجد الآن حاملتا طائرات هما «ثيودور روزفلت» و«إبراهام لينكولن»، والسفن الحربية والطائرات الهجومية المرافقة لهما فى خليج عمان أو بالقرب منه.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، قالت إن مواقع تمركز القوات البحرية الأمريكية تقترب أكثر فأكثر من الشرق الأوسط، فى ظل تصاعد المخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقا فى المنطقة.
وبحسب التقرير الذى أعده مراسل الصحيفة المعنى بشئون الأمن القومى، إريك شميت، فإن الولايات المتحدة تواظب على تحريك قواتها البحرية أقرب فأقرب إلى منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها غواصتان هجوميتان، فى محاولة واضحة لردع إيران وحلفائها عن شن هجمات أكثر قوة على إسرائيل، مشيرا إلى أن واشنطن لم تتردد فى إعلان تفاصيل تلك التحركات، وخلال الشهر الجارى أمر وزير الدفاع الأمريكى، لويد أوستن، بإرسال مزيد من المقاتلات والسفن الحربية المطلقة للصواريخ إلى المنطقة، وإرسال الغواصة الهجومية «جورجيا» إلى المنطقة، وهى بحسب التقرير «خطوة غير عادية»، حيث نادرا ما يتحدث البنتاجون عن تحركات أسطوله من الغواصات.
وفى حين أن الولايات المتحدة قالت «إن هذه التحركات تهدف إلى المساعدة فى الدفاع عن إسرائيل وتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقا»، قال مسئول أمريكى إن الجيش الأمريكى يتبوأ الآن وضعا أفضل يمكنه من التعامل مع أى تهديد إيرانى، وإن الجيش الإسرائيلى سيقع على عاتقه الجزء الأكبر من أى رد دفاعى مضاد للهجمات التى ينفذها حزب الله عبر الحدود فى لبنان.
بؤر مشتعلة جنوبا وغربا
ورغم محورية الحرب فى قطاع غزة وتأثيراتها على المنطقة ككل، تبقى الأزمة الليبية إحدى أكبر الأزمات التى تواجه الدولة المصرية، فالوضع فى ليبيا على فوهة بركان، قد ينفجر فى أى لحظة.
وتشهد ليبيا فى الأسابيع الأخيرة تصعيدا سياسيا، قد يصل إلى المواجهة العسكرية، فى ظل صراع بين الأجهزة السياسية على من له الحق فى تعيين محافظ جديد للمصرف المركزى، فتيار المجلس الرئاسى وبرفقته حكومة الوحدة فى طرابلس برئاسة عبدالحميد دبيبة، يقود تيار عزل المحافظ الحالى الصديق الكبير، وهو الأمر الذى يرفضه مجلسى النواب والأعلى للدولة، كونه مخالفا لاختصاصات «الرئاسى».
ألأمر قد يصل حد التصعيد المسلح نظرا لتشابك الأطراف فى المنطقة الغربية وتنوع خريطة الميليشيات المسلحة، وهو ما دفع بعثة الأمم المتحدة للدعم للدعوة لاجتماع طارئ من شأنه جمع أطراف الأزمة وتفعيل الحل السياسى، خاصة بعد تصاعد الأحداث، وإعلان الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب فى بنغازى عن وقف تصدير وإنتاج النفط وإعلان الحالة القاهرة بالمرافق النفطية.
الأزمة الليبية لمصر هى أزمة تهدد حدها الغربى، فهى صاحبة أطول حد جغرافى مع ليبيا، ناهيك عن كونها أبرز المتأثرين بالأزمة فى طرابلس، فالأوضاع التى بدأت فى 2011 بسقوط نظام معمر القذافى، ألقت بتداعياتها على مصر، بتهديدات متنوعة.
وفى الجنوب، تظل الحرب الأهلية السودانية عقبة أمام إحلال الاستقرار فى المنطقة، خاصة مع تزايد وقوع القتلى والجرحى، بجانب تدمير البنية التحتية وانتشار المجاعة والأوبئة والأمراض، وارتفاع موجات النزوح، وتدهور الوضع الإنسانى.
وبسبب ليبيا والسودان تتزايد التهديدات والتحديات ضد الدولة المصرية، حيث اشتعلت الصراعات الداخلية فى الدول المجاورة، وأصبحت هذه الصراعات ذات بعد دولى وإقليمى نتيجة تدخل دول إقليمية تسهم فى تأجيجها، مع عجز الأطراف المعنية عن إنهائها، بالإضافة إلى عدم وجود جيوش قوية فى الدول التى تشهد هذه الصراعات أدى إلى انتشارها ونشوء إرهاب عابر للحدود يستهدف مصر ودول الجوار، لكن مصر استطاعت التغلب على هذه التحديات من خلال مواجهة شاملة للإرهاب القادم من الخارج، ونجحت فى تأمين حدودها ومنع تسلل الإرهابيين إلى أراضيها، وفق مراقبون.
وفيما يتعلق بالوضع الإقليمى، تسببت حرب غزة وما تلاها من فتح جبهات جديدة فى العراق وسوريا ولبنان واليمن فى تصاعد التوتر بشكل كبير، بالإضافة إلى تأثر الملاحة فى البحر الأحمر نتيجة التهديدات التى تواجه السفن المارة فى قناة السويس، فضلا عن التوترات فى منطقة شرق المتوسط.
وماذا بعد؟
وتتطلب التغيرات المتسارعة فى المنطقة من مصر التحلى بمرونة عالية فى التعامل مع الأزمات المتلاحقة، حيث يجبر الواقع الجديد القاهرة على تعزيز دبلوماسيتها الإقليمية من خلال توثيق علاقاتها مع الدول العربية والأفريقية المجاورة، لضمان تأمين حدودها والحفاظ على مصالحها الحيوية، خصوصا فى مجالات الطاقة والمياه.
وتسعى مصر أيضا إلى لعب دور محورى فى دعم استقرار المنطقة من خلال المشاركة فى المبادرات الدولية والإقليمية التى تستهدف حل النزاعات، مثل جهود الوساطة فى السودان والمساهمة فى استقرار ليبيا، وهى استراتيجية تنبع من إدراك مصر أن استقرار جيرانها يعزز استقرارها الداخلى، وأن أى انهيار فى هذه الدول يمكن أن يؤدى إلى تأثيرات سلبية مباشرة على أمنها القومى.
كما تدفع التحديات الاقتصادية تدفع التحديات المتصاعدة مصر نحو تنويع مصادر دخلها القومى والبحث عن فرص جديدة فى الأسواق العالمية، بما يشمل ذلك تعزيز الصناعات المحلية، وتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر، وتوسيع البنية التحتية لقطاع الطاقة، خصوصا مع اكتشافات الغاز فى البحر المتوسط، يسهم هذا التوجه فى تقليل الاعتماد على مصادر دخل غير مستقرة والتكيف مع الأوضاع الاقتصادية العالمية المتقلبة.
وأدت التوترات الجيوسياسية فى البحر الأحمر إلى زيادة أهمية تعزيز القدرات العسكرية البحرية المصرية، لضمان حماية المصالح الاقتصادية الحيوية وتأمين الممرات المائية، سعت مصر إلى تحديث أسطولها البحرى وتحسين قدراتها الدفاعية لمواجهة التحديات المحتملة، مع الاستمرار فى لعب دور قيادى فى تأمين الملاحة فى المنطقة، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين.
وتضطر مصر إلى مواجهة تحديات داخلية ناتجة عن الضغوط الخارجية المتزايدة، تشكل هذه التحديات ضغطا إضافيا على القيادة المصرية لتعزيز التماسك الداخلى، وتحقيق التنمية المستدامة، وتلبية تطلعات الشعب، فى ظل ظروف إقليمية غير مستقرة ومليئة بالتحولات الجيوسياسية، وبالتالى تحتاج مصر إلى استراتيجيات متوازنة تضمن لها الحفاظ على مكانتها الإقليمية وتجنب الانزلاق فى أزمات أعمق قد تؤثر على استقرارها ومستقبلها.