يوسف أيوب يكتب: الألاعيب الإسرائيلية تضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية
السبت، 10 أغسطس 2024 03:07 م
تل أبيب تصنع هالة كاذبة عن قوة لا تستحقها.. وتواصل عمليات الاستفزاز لتوريط دول المنطقة فى حرب مفتوحة
تحذير مصرى من خطورة توسع نطاق الحرب بما يهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين وتطالب بإعلاء صوت التعقل والحكمة
القاهرة تطالب واشنطن بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للانخراط بجدية فى مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة
تحذير مصرى من خطورة توسع نطاق الحرب بما يهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين وتطالب بإعلاء صوت التعقل والحكمة
القاهرة تطالب واشنطن بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للانخراط بجدية فى مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة
منذ نشأتها عام 1948 بقرار الأمم المتحدة، وتعمد إسرائيل دوما على صناعة هالة حول نفسها ومؤسساتها، وتعمل فى كل مرة على إيصال رسالة، أنها الدولة الأقوى فى المنطقة، والقادرة على مناطحة الكبار، وتضع نفسها دوما فى مقارنة مع الدول الكبرى عالميا، رغم خسائرها المتكررة، لكنها دوما، تعتمد على منهج الدولة المخترقة للقوانين، الشبيهة بالميليشيات، والمستندة لمساعدات تأتيها من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ورغم ذلك، نراها فى كل مرة، تتعرض لهزات قوية، تؤثر على وضعيتها وصورتها.
وأمامنا مثالان لذلك، فبعد نكسة 1967، صنعت إسرائيل لنفسها ولجيشها أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وأن خط بارليف المنيع، سيقف لمئات السنين مانعا ضد أى محاولة مصرية لعبور قناة السويس. وفى صباح السادس من أكتوبر 1973، سقط الجيش، الذى لا يقهر فى دقائق معدودة، وكادت مصر أن تقضى عليه للأبد لولا المساعدة الأمريكية لتل أبيب.
وفى السابع من أكتوبر الماضى، استطاعت الفصائل الفلسطينية، أن تهدد نظرية الأمن الإسرائيلى، وتحولها إلى مادة نظرية، تقرأ فى الكتب ولا وجود لها على أرض الواقع، بعدما استطاعت هذه الفصائل اختراق الحدود، واختطاف أكثر من 250 إسرائيليا، وقتل المئات.
هذه وقائع، لا يجب أن تغيب عنا أبدا، ونحن نتابع ما يحدث فى الإقليم الآن، خاصة حينما نجحت إسرائيل فى اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، ومن قبله قيادات أخرى حمساوية، وأخرى من حزب الله، فهذه العمليات، لا تعنى أن إسرائيل الدولة الأقوى، لكن يجب أن نقرأ المضمون من زواياه الواقعية.
إسرئيل بالفعل دولة قوية، وذلك لأسباب كثيرة، منها معروف لنا جميعا، فهى قوية بالدعم غير المنقطع، الذى يأتيها على مدار الساعة من الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الكبرى، والتى تدعم تل أبيب، سياسيا وعسكريا وماديا، حتى الدول التى لا توافق الغرب فى سياستها، لكنها فى نفس الوقت لها خطوط مفتوحة مع إسرائيل، وكل ذلك مرتبط بعنصر المصلحة، فإسرائيل هى شرطى المنطقة الآن، ومندوب واشنطن والغرب لحماية مصالحهما فى الشرق الأوسط، بل هى جزء من المصالح الغربية فى المنطقة، التى يجرى حمايتها من العواصم الغربية.
جزء آخر مربتط بأن الشرق الأوسط، هو أكثر الأقاليم عرضة لتدخلات خارجية مستمرة، وهذا ليس وليد اليوم، وإنما استمرار لإرث استعمارى، ترك بصمات، لايزال لها التأثير فى المنطقة.
وهذه التدخلات، تسير وفق سياسة توازن القوى، فحينما تصعد قوى بالمنطقة، يتم التعامل معها وإلهاؤها فى أزمات أو حروب إقليمية، لتقليم أظافرها سريعا، وحال عدم النجاح، تتولى إسرائيل نيابة عن الغرب هذه المهمة بدعم غربى واضح.
وتبقى حقيقة أخرى مهمة، وهى أن دول المنطقة، ليست على قلب سياسة واحدة، بل تسببت بنفسها فى تفسخ الشرق الأوسط وتشرذمه، فالمشكلة الأكبر، أننا لا نملك كإقليم رؤية استراتيجية، لا أقول موحدة، وإنما منطقية، فكل دولة، تنظر للأقليم من وجهة نظر ضيقة، مرتبطة بمصالحها هى، وليس مصلحة الأقليم ككل، لذلك نرى، ونتابع التبدل فى السياسات، التى تمنح فى النهاية بشكل غير مباشر القوة لإسرائيل.
الدولة الوحيدة، التى تتعامل مع الشرق الأوسط كوحدة واحدة، مرتبطة بأمنها القومى هى مصر، ولا أقول ذلك، لأنى مصرى، ولكن لأنى أتابع على مدار الساعة، التحركات المصرية، وكلها تسير فى اتجاه واحد، وهو توحيد المواقف والرؤى لضبط الزوايا والاتجاهات، حتى وأن كلفها ذلك مزيدا من الضغوط الخارجية عليها، لكنها لاتزال متمسكة بمواقفها الواضحة والمعلنة، الرافضة لتوسيع دائرة الصراع، والداعية إلى إقرار الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، وللحق، فإن دولا فى المنطقة، تسير مع المنطق المصرى، لكن مازال الطريق طويلا.
كل ما سبق، منح للأسف الشديد إسرائيل، هالة لا تستحقها من قوة، لا تتوافر بها، إلا لعوامل خارجية، ومساعدة من دول شرق أوسطية، لا تعرف بوصلتها.
أقول ذلك، حتى ندرك حقيقة القوة الإسرائيلية، ولا نسير دون أن ندرى فى موكب الغرور الإسرائيلى، رغم أن الحقائق كلها، تشير إلى أننا أقوى منها، لكن نفتقد للوحدة فى الرأى والرؤية الاستراتيجية.
وهذه الحقائق، رغم أهميتها، لكنها لا تنفى حجم الجرائم الإسرائيلية المتكررة فى المنطقة، بداية من فلسطين، ووصولا إلى دول أخرى فى الإقليم، ويكفى الإشارة هنا إلى أن الأسبوع الماضى، كان الأكثر خطورة على الشرق الأوسط، وشهد اتصالات من جانب كل الأطراف، للوصول إلى تهدئة وامتصاص تداعيات حالة الجنون الإسرائيلية، التى وضعت الأقليم على خط النار، بعدما فتحت أبوابا لصراعات، يدرك الجميع، أن استمرارها سيكون له تداعيات شديدة الخطورة، ليس على الشرق الأوسط فقط، وإنما على العالم كله، ارتباطا بأن هذه المنطقة، جيوسياسيا لها تأثيرات مباشرة على الأمن الدولى، وأيضا حركة التجارة العالمية، وأكبر دليل على ذلك الاهتزاز الذى ضرب البورصات العالمية، منتصف الأسبوع الماضى، تأثرا بالتهديدات المبتادلة، والتصعيدات الإسرائيلية المتكررة.
التصعيد الإسرائيلى فى المنطقة، مرتبط بالدعم الذى تتلقاه من عواصم غربية مهمة، وضعها فى حالة من الجنون، والإدعاء بقدرتها على تجاوز كل الخطوط الحمراء، وهنا نستدعى ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، الاثنين الماضى، خلال استقباله «هاكان فيدان»، وزير خارجية تركيا، بحضور الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين فى الخارج، حيث أكد الرئيس السيسى، أن الشرق الأوسط يمر بمنعطف شديد الدقة والخطورة، بما يستوجب أعلى درجات ضبط النفس، وإعلاء صوت التعقل والحكمة، كما شدد على أن سبيل نزع فتيل التوتر المتصاعد، يكمن فى تضافر جهود القوى الفاعلة والمجتمع الدولى، لإنفاذ وقف إطلاق النار، فورا، بقطاع غزة، وإتاحة الفرصة للحلول السياسية والدبلوماسية، مشيرا إلى تحذير مصر مرارا من خطورة توسع نطاق الحرب، على نحو يهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وكذا مقدرات شعوب المنطقة، وأمنها واستقرارها.
كما شدد الرئيس السيسى على أن التطورات الإقليمية، لا يجب أن تطغى على جهود إنفاذ المساعدات الإغاثية لأبناء الشعب الفلسطينى بقطاع غزة، الذين يعانون من أوضاع معيشية وصحية غير إنسانية، وفقدان لأبسط مقومات وأساسيات الحياة، كما تم تأكيد ضرورة الدفع بحل جذرى وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط عام 1967، بما يحقق العدل والأمن والاستقرار بالمنطقة، على نحو مستدام.
الرؤية المصرية تجاه حالة التصعيد الجنونية فى المنطقة، هى الأكثر منطقية وقبولا من الجميع، كونها تضع كل الأطراف المعنية أمام مسئولياتها، فالقصة ليست فقط فى إسرائيل، وإنما فى من يقدمون لها الدعم العسكرى والسياسى، بزعم إحداث حالة من التوازن فى الإقليم، رغم إدراك هذه القوى، أن التوزان لن يكون أبدا بهذه الطريقة، وإنما بدفع كل الأطراف إلى الدخول فى مفاوضات سياسية، تفضى إلى حلول تجنب المنطقة هذه الحالة الجنونية، التى نشهدها اليوم، وتلقى بتداعياتها على الجميع، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وهو ما يتطلب أن تكون هناك وقفة من العواصم الغربية أولا بأن تعيد حساباتها، وتتوقف عن الدعم غير المشروط لتل أبيب، وتضع ما يمكن اعتباره شروطا فى وجه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، لكى نصل إلى حالة من التفاهمات السياسية القادرة على تجنيب المنطقة التصعيد العسكرى غير محمود العواقب.
ودون أن تغير العواصم الغربية موقفها، فإننا سنظل على هذه الحالة من الترقب لما يمكن أن يحدث، وهو ترقب قادر حال استمراره، أن يصيب الجميع بالشلل، وهو ما سبق أن حذرت ولا تزال تحذر منه القاهرة، وليس على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أن تستمع للنصائح المصرية، وتعمل بها، لأنها منطلقة من رؤية واقعية للأحداث ومجرياتها، وأيضا نابعة من خبرة مصرية بالأقليم وحساسياته، فالقاهرة المرتبطة بخيوط اتصال مع جميع الأطراف، لديها ما يمكن أن تقوله، ونصائح إذا استمع لها الجميع، سيستطيعون تجنيبنا ويلات حرب، كلنا نأمل ألا تقع، لأنها إذا حدثت لا يمكن توقع نتيجتها.. فهل يستمع الغرب ويفهم ما يمكن أن يحدث، أم سيظل على سياسة الدعم الأعمى لإسرائيل؟!.
وكانت الرسالة المصرية للإدارة الأمريكية واضحة، نقلها بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية لنظيره الأمريكى «أنتونى بلينكن»، فى اتصال هاتفى الأسبوع الماضى، حينما طالبه بالضغط على إسرائيل للتوقف عن ممارسة سياسة حافة الهاوية، والانخراط بجدية وإرادة سياسية حقيقية فى مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة، مع التأكيد على ضرورة ممارسة جميع الأطراف لضبط النفس، وتجنيب المنطقة مخاطر عدم الاستقرار وتهديد مصالح شعوبها.
فهل تستمع واشنطن للنصيحة المصرية؟.