أفريقيا "بلا غطاء" أمام الأزمة الاقتصادية الجديدة
الإثنين، 05 أغسطس 2024 07:40 م
يبدو أن العالم على أعتاب أزمة اقتصادية واسعة المدى، فاليوم سيطر اللون الأحمر على تداولات أسواق المال العالمية، فيما يشبه الانهيارات التاريخية.
وهوت مؤشرات بورصة اليابان لأدنى مستوى لها منذ 1987، وسرعان ما لحقتها العملات العالمية، والأسواق الآسيوية والعربية والأوروبية، إضافة إلى خسائر النفط والعملات المشفرة القاسية، فأين القارة الأفريقية من ذلك؟
عادة ما تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى تداعيات كبيرة على القارة الأفريقية، حيث تعاني القارة من هشاشة اقتصادية تجعلها أكثر عرضة لتأثيرات هذه الأزمات.
وتعتمد العديد من دول أفريقيا على صادرات السلع الأساسية مثل النفط، المعادن، والمنتجات الزراعية. يؤدي هذا الاعتماد إلى تعرض اقتصاداتها لتقلبات الأسواق العالمية.
وعندما تنخفض أسعار هذه السلع، تتأثر الإيرادات الحكومية وقدرة هذه الدول على تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية، على سبيل المثال، انخفضت أسعار النفط بشكل حاد خلال الأزمات الاقتصادية الأخيرة، مما أثر سلبًا على دول مثل نيجيريا وأنغولا.
ويعتمد القطاع الزراعي في أفريقيا بشكل كبير على التصدير، ومع تراجع الطلب العالمي على هذه المنتجات، يتعرض دخل المزارعين إلى ضغوط كبيرة، في 2020، تراجع الطلب على الكاكاو والقطن، مما أثر على اقتصادات دول مثل غانا وساحل العاج، كون هذه الدول تعتمد هذه الدول بشكل كبير على هذه الصادرات، ومع تراجع أسعارها، تتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
ومن أبرز الأزمات المزمنة في القارة، "الانكشاف المالي"، حيث تعتمد العديد من الدول على التمويل الخارجي لسد العجز في ميزانياتها وتمويل مشروعات البنية التحتية، ومع حدوث الأزمات الاقتصادية، تنخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي، مما يزيد من صعوبة تحقيق النمو الاقتصادي.
لقد بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء 57% في عام 2021، وهو معدل مرتفع يعكس هشاشة اقتصادات هذه الدول في مواجهة الصدمات الخارجية، ومع محاولات الإنعاش المستميتة دخل الاقتصاد العالمي في نفق مظلم جديد.
إن الدول الأفريقية تعانيمن ضعف التنوع الاقتصادي، حيث تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على قطاع أو قطاعين فقط، ويؤدي هذا التركيز إلى ضعف القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية المتنوعة، في حين أن بعض الدول مثل جنوب أفريقيا وكينيا تحاول تنويع اقتصاداتها من خلال تعزيز قطاعات مثل السياحة والصناعات التحويلية، إلا أن التقدم في هذا المجال لا يزال محدودًا.
وتعاني الدول أيضًا نظم الرعاية الصحية والتعليم من تأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية، حيث يؤدي تراجع الإيرادات الحكومية إلى تخفيض الميزانيات المخصصة لهذه القطاعات الحيوية، مما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة ويزيد من الفقر والتهميش. فعلى سبيل المثال، أشار البنك الدولي إلى أن نحو 40 مليون شخص في أفريقيا قد انزلقوا إلى خط الفقر المدقع بسبب جائحة كوفيد-19 وتأثيراتها الاقتصادية.
كذلك سلاسل الإمداد والتوريد، تأثرت بشكل مباشر بالحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما انعكس بشكل حاد على أفريقيا، حيث تعد روسيا وأوكرانيا من أكبر المصدرين العالميين للحبوب والأسمدة، وبالتالي تسببت الحرب في تراجع حاد في إمدادات الحبوب، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.
إن العديد من الدول الأفريقية تعتمدعلى واردات القمح من هاتين الدولتين، حيث ارتفعت أسعار القمح بنسبة تجاوزت 50% في بعض الدول الأفريقية منذ بداية الحرب، مما أثر سلبًا على الأمن الغذائي وزاد من معدلات الفقر والجوع، ناهيك عن اضطرابات إمدادات الأسمدة، التي تعتمد عليها الزراعة الأفريقية بشكل كبير.
وأدى نقص الأسمدة إلى تراجع الإنتاجية الزراعية، مما يزيد من تحديات الأمن الغذائي في القارة. تشير التقارير إلى أن أسعار الأسمدة ارتفعت بأكثر من 30% منذ بدء الصراع، مما جعل من الصعب على المزارعين الأفارقة الحصول على هذه المواد الحيوية.
أما بالنسبة لحرب غزة، فتؤثر هذه الصراعات على ممرات الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، التي تعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية.
وتؤدي الاضطرابات في هذه المناطق إلى تأخيرات في الشحن وارتفاع تكاليف النقل البحري. تعتمد العديد من الدول الأفريقية على هذه الممرات لنقل البضائع والسلع، ويؤدي أي تعطيل فيها إلى تأثيرات سلبية على الاقتصادات الأفريقية.
وتشير التقديرات إلى أن تأخيرات الشحن وزيادة تكاليف النقل يمكن أن ترفع تكلفة السلع المستوردة بنسبة تصل إلى 20%، مما يفاقم من التضخم ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
وتتطلب مواجهة تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية على أفريقيا استراتيجيات تنموية شاملة تتضمن تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية وتنويع الاقتصاد وتحسين بيئة الأعمال. تحتاج الدول الأفريقية إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة هذه التحديات والتخفيف من آثارها السلبية على الفقراء والمهمشين.
ويجب أن تشمل الجهود التنموية تحسين نظم الرعاية الصحية والتعليم وتعزيز الحماية الاجتماعية لضمان تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام. يعكس تطوير استراتيجيات وطنية وإقليمية لتعزيز التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الصادرات الأساسية والمساعدات الخارجية أهمية كبرى.
إن الدول الأفريقية تحتاج إلى تعزيز الاستثمارات المحلية وتحسين بيئة الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي لتطوير سوق أفريقية مشتركة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية بفعالية.