الهالة غير المستحقة للقوة الإسرائيلية
الأحد، 04 أغسطس 2024 02:46 م
بعد نكسة 1967 صنعت إسرائيل لنفسها ولجيشها أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وأن خط بارليف المنيع سيقف لمئات السنين مانعا ضد أى محاولة مصرية لعبور قناة السويس. وفى صباح السادس من أكتوبر 1973 سقط الجيش الذى لا يقهر فى دقائق معدودة، وكادت مصر أن تقضى عليه للأبد لولا المساعدة الأمريكية لتل أبيب.
وفى السابع من أكتوبر الماضى استطاعت الفصائل الفلسطينية أن تهدد نظرية الأمن الإسرائيلى وتحولها إلى مادة نظرية تقرأ فى الكتب ولا وجود لها على أرض الواقع.
هذه وقائع لا يجب أن تغيب عنا أبدا، ونحن نتابع ما يحدث فى الاقليم الآن، خاصة حينما نجحت إسرائيل فى اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، ومن قبله قيادات أخرى حمساوية وأخرى من حزب الله، فهذه العمليات لا تعنى إن إسرائيل الدولة الأقوى، لكن يجب أن نقرأ المضمون من زواياه الواقعية.
إسرئيل بالفعل دولة قوية ولذلك أسباب كثير منها معروف لنا جميعا، فهى قوية بالدعم غير المنقطع الذى يأتيها على مدار الساعة من الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الكبرى، والتي تدعم تل أبيب سياسيا وعسكريا وماديا، حتى الدول التى لا توافق الغرب فى سياستها لكنها فى نفس الوقت لها خطوط مفتوحة مع إسرائيل، وكل ذلك مرتبط بعنصر المصلحة، فإسرائيل هى شرطى المنطقة الآن ومندوب واشنطن والغرب لحماية مصالحهم في الشرق الأوسط، بل هى جزء من المصالح الغربية فى المنطقة التى يجرى حمايتها من العواصم الغربية.
جزء آخر مربتط بأن الشرق الأوسط هو أكثر الأقاليم عرضة لتدخلات خارجية مستمرة، وهذا ليس وليد اليوم وإنما استمرار لإرث استعماري ترك بصمات لايزال لها التأثير فى المنطقة.
وهذه التدخلات تسير وفق سياسة توازن القوى، فحينما تصعد قوى بالمنطقة يتم التعامل معها وإلهائها فى أزمات أو حروب إقليمية لتقليم أظافرها سريعا، وحال عدم النجاح تتولى إسرائيل نيابة عن الغرب هذه المهمة بدعم غربى واضح.
وتبقى حقيقة أخرى مهمة، وهى أن دول المنطقة ليست على قلب سياسة واحدة، بل تسببت بنفسها فى تفسخ الشرق الأوسط وتشرذمه، فالمشكلة الأكبر أننا لا نملك كإقليم رؤية استراتيجية، لا أقول موحدة وإنما منطقية، فكل دولة تنظر للأقليم من وجهة نظر ضيقة، مرتبط بمصالحها هي، وليس مصلحة الأقليم ككل، لذلك نرى ونتابع التبدل في السياسات التي تمنح في النهاية بشكل غير مباشر القوة لإسرائيل.
والدولة الوحيدة التي تتعامل مع الشرق الأوسط كوحدة واحدة، مرتبطة بأمنها القومى هي مصر، ولا أقول ذلك لأنى مصري ولكن لأنى أتابع على مدار الساعة التحركات المصرية، وكلها تسير في اتجاه واحد، وهو توحيد المواقف والرؤئ لضبط الزوايا والاتجاهات، حتى وإن كلفها ذلك مزيد من الضغوط الخارجية عليها، لكنها لاتزال متمسكة بمواقفها الواضحة والمعلنة، الرافضة لتوسيع دائرة الصراع، والداعية إلى إقرار الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وللحق فإن دولاً في المنطقة تسير مع المنطق المصرى، لكن لازال الطريق طويلاً.
كل ما سبق منح للأسف الشديد إسرائيل هالة لا تستحقها من قوة لا تتوفر بها، إلا لعوامل خارجية ومساعدة من دول شرق أوسطية لا تعرف بوصلتها.
أقول ذلك حتى ندرك حقيقة القوة الإسرائيلية ولا نسير دون أن ندرى في موكب الغرور الإسرائيلي، رغم أن الحقائق كلها تشير إلى أننا أقوى منها، لكن نفتقد للوحدة في الرأي والرؤية الاستراتيجية.