يوسف أيوب يكتب: السير على حد السيف للخروج من النفق المظلم

السبت، 03 أغسطس 2024 04:28 م
يوسف أيوب يكتب: السير على حد السيف للخروج من النفق المظلم
الدكتور مصطفى مدبولي- رئيس الوزراء

- نقلا عن العدد الجديد النسخة الورقية:
 
- الحكومة ترفض دفن رأسها فى الرمال وتقرر مواجهة الشارع بالحقائق والتصدى للأكاذيب والشائعات

- الدكتور مصطفى مدبولى فى جلسة مصارحة: أى قرارات بتحريك أسعار تكون آخر القرارات التى نريد اتخاذها

- حريصون على الالتزام بالتوازن وأن نتخذ قراراتنا بما يخدم الصالح العام وحماية أمن مصر القومى

- برنامج الحكومة استجاب لما طرحته الأصوات المعارضة.. ونعمل على وضع برامج زمنية تفصيلية 
 
الاعتراف بالمشكلة، أول طريق الحل، هذا هو ما نراه اليوم من حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، فهى لا تعمل بمنطق النعام، ولا تدفن رأسها فى الرمال، بل قررت أن تواجه، وتكاشف، وتصارح الجميع، بأن هناك أزمة، بل أزمات متعددة، مرتبطة فى مجملها بأوضاع أقليمية متوترة، ألقت بظلالها على الوضع الداخلى، والحل فى تشريح الموقف، والعمل على وضع تصورات للحل، بمشاركة الجميع، وعدم الاقتصار على الأفكار الحكومية فقط، وإنما الاستعانة بأصحاب الرأى والمشورة، بحثا عن حلول من خارج الصندوق.
 
فى جلسة حوارية مطولة، عقدها الدكتور مدبولى، الثلاثاء الماضى، بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، مع عدد من رؤساء التحرير والإعلاميين، قال رئيس الوزراء، جملة مهمة، يمكن اعتبارها المسار الذى اختارته الحكومة لنفسها خلال الفترة المقبلة، فقال إن «الحكومة غير منفصلة عن الشارع، وتعرف أن الفترة الماضية، كانت شديدة الصعوبة، مصحوبة بأزمات غير مسبوقة»، وهو ما يؤكد، أن الحكومة قررت أن تسمع لرأى الشارع، وأن تعتبره جزءا من الحلول، بل الجزء الأساسى، خاصة أن لسان حال المواطن، كما قال مدبولى نفسه، التساؤل حول توقيت الخروج من هذه الأزمة، والشعور بأن الأمور استقرت وهدأت، وأن الأسعار بدأت تنخفض، والتضخم أصبح فى اتجاه نزولى.
 
فكرة أن يكون الشارع وتساؤلاته وأفكاره حاضرة فى ذهن الحكومة، هو حدث جديد، نراه يتحقق للمرة الأولى. نعم الرئيس السيسى منذ أن تولى المسئولية فى 2014، وحتى اليوم، يضع الشارع والمواطن دوما فى صورة ما يحدث، بل هو الأكثر أطلاعا على ما يقال فى الشارع، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى، لكن الحكومة كانت فى واد آخر، لكن اليوم، الحكومة دخلت على الخط الرئاسى، ووضعت الشارع فى حساباتها، وهو ما يمكن أن نلمسه من مجمل ما قاله رئيس الوزراء فى هذه الجولة الحوارية، التى يمكن اعتبارها أنها جلسة مكاشفة أكثر من كونها حوارية، خاصة أن لغة رئيس الوزراء، كانت جديدة علينا، وتعبر عن كيف ستفكر فى المستفبل؟.
 
الخطأ وارد.. والتصحيح هو الحل
 
من ضمن ما قاله مدبولى، إن «الحكومة ـ كبشر ـ ليست منزهة عن الخطأ والتقصير، ولكنها تحاول أن تجتهد حتى لو كان هناك نوع من الأخطاء والقصور، فلا توجد حكومة تنفذ خططها بنسبة 100%، ومن الطبيعى أن يحدث قصور وخطأ مع حجم العمل، وبالتالى لا نُعزى كل شىء لظروف الخارج، على الرغم من أن الخارج، كان تأثيره على مصر غير عادى وغير مسبوق»، وهذا أمر يؤكد أن الحكومة لا تبحث عن شماعات، وإنما تعمل على الأرض، لإيجاد الحلول، حتى وإن كانت الأجواء المحيطة بنا، تجعلنا نعترف بأن المواقف والأحداث، التى وقعت على مدار السنوات الأربع الماضية، أثرت بشكل كبير على الوضع المصرى الداخلى، خاصة الاقتصادى، لكن ورغم ذلك، فإن الحكومة لا تريد الارتكان إلى الأسباب، وإنما تبحث عن حلول.
 
أيضا حديث مدبولى عن حرصه اليومى على متابعة كل ما ينشر فى وسائل الإعلام والصحافة، كما يصل إليه رصد لكل ما يتم تناوله بالبرامج الحوارية من قضايا، وما يكتب من مقالات رأى فى الصحف، وأيضا ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وأنه يستقى من تلك المنابع توجهات الرأى العام، والوقوف على ما إذا كان هناك إدراك كامل لحقائق الموقف أم لا، فهذا أمر مهم وجديد، ونرى تأثيره فى المؤتمرات الصحفية الأسبوعية، التى يعقدها مدبولى، والتى يتحدث فيها عن النقاط المثارة فى الإعلام والتواصل الاجتماعى، لتصحيح الوقائع، التى قد تكون مغلوطة، وأيضا إعطاء الصورة للمواطن المصرى بطريقة أشمل.
 
ما قاله مدبولى فى السابق، كان توضيحا لفلسفة حكومية، ستسير عليها فى المستقبل، وننتقل الآن إلى العمل على الأرض، أو الاستراتيجية التى ستسير عليها الحكومة للخروج مما أسماه بـ «النفق المظلم»، الذى كانت تعانى منه مصر منذ نحو أربعة أو خمسة شهور مضت، ضاربا المثل بأزمة الدولار التى قال إن «المواطن كان يعتقد أنه ليس هناك أى أمل فى فترة ما لحل مشكلة الدولار مع وصول سعر الصرف لأرقام كبيرة، بلغت نحو 60 و70 جنيها مقابل الدولار الواحد، وحدوث ارتفاعات كبيرة فى أسعار السلع، ووجود أسعار مختلفة للسلعة الواحدة»، لكن «كل هذه الأمور، تم تجاوزها مع ما تم اتخاذه من إجراءات»، مؤكدا أن صفقة رأس الحكمة، ليست وحدها التى ساهمت فى حل هذه المشكلات، بل هناك مجموعة من الإجراءات المتكاملة، التى تم اتخاذها والعمل عليها، ومن بين هذه الإجراءات، ما تم إبرامه من مسارات تعاون مع عدد من المؤسسات الدولية.
 
ومن أهم ما فى الفلسفة الحكومية الجديدة هو الحد من حجم الأكاذيب والشائعات الهائلة، التى تتم مواجهتها يوميا، وهو ما أكده مدبولى نفسه بقوله»، إن «التعامل مع الأكاذيب والشائعات، أصبح جزءا من العمل الحكومى اليومى»، لافتا إلى أن مختلف الأكاذيب والشائعات، التى يتم إطلاقها هى مدروسة، ويقف خلفها من يريد هدم الدولة، بالنظر لتداعيات تلك الأكاذيب على المستويين المحلى والدولى، ذاكرا ما أثير عن قيام صندوق النقد الدولى بإلغاء مناقشة الملف الخاص بمصر، منوها إلى أن هذه الشائعة، كان من الممكن أن تكون لها تداعيات هائلة على مصر، حيث تم إطلاق هذه الشائعة يوم أحد بالقصد، وهو يوم إجازة فى الخارج، حتى لا يتمكن الصندوق من إرسال التوضيح، والرد على هذه الشائعة، وكذا ما يتعلق بفروق التوقيتات، وهو الذى من شأنه أن يسهم فى خروج المستثمرين أو حدوث هزات فى البورصة المصرية، مؤكدا أنه لسرعة التعامل مع هذه الشائعة، تم التواصل مع الصندوق فى نفس اليوم «يوم الأحد»، وتم إصدار التوضيح والتصحيح للمجتمع والرأى العام، حيث تم التأكيد على شمول جدول الأعمال ملف مصر، وأنه لا يوجد أى إلغاء.
 
الشائعات عدو المصريين
 
وأشار مدبولى إلى أن الشائعات تتزايد يوميا، وكلها مقصود بها خلق حالة سلبية لدى الشارع المصرى، وهز الثقة فى وضع الدولة المصرية، وإثارة تداعيات فى الخارج على رؤية الدولة المصرية، معتبرا أن ذلك يتم باحترافية، وتكون له تبعات شديدة السلبية، ويكون دور الكتاب والإعلاميين من المهم جدا فى توضيح الحقائق، والخروج بصورة عاجلة إلى جانب الدولة، لتوضيح الحقائق، دون تبنى رؤية الحكومة، فهو يحرص على الاستماع لكل ما يثار حتى من انتقاد للحكومة، لأنه يستقى من ذلك التوجهات المختلفة.
 
ومن ضمن الإجراءات، التى تحدث عنها رئيس الوزراء، وجود برامج وتعاون مع المؤسسات الدولية، تعطى رسالة ثقة فى اقتصاد الدولة المصرية، وبرر ذلك بقوله، إن نجاح الحكومات فى أى دولة، يُقاس بقدرتها على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، حيث لا يقدم أى مستثمر خارجى على الاستثمار فى أى دولة، إلا عندما يطمئن على أن مسار هذه الدولة يؤمن استثماراته، وإلا يحجم عن الاستثمار فى هذه الدولة، ويعتمد المستثمر فى هذا الشأن على ما يتم نشره من خلال المؤسسات الدولية، إلى جانب الإجراءات المطبقة بالفعل على أرض الواقع فى هذه الدولة، تسهم فى جذب الاستثمارات لها من خلال حل المشكلات، وإزالة العوائق، وإتاحة التيسيرات والحوافز، وأن المستثمر الداخلى، يكون سفيرا لمصر، ويكون جزءا من الرسالة الإيجابية للمستثمر الخارجى.
 
حد السيف
 
نسير «على حد السيف»، تعبير استخدمه رئيس الوزراء فى الجلسة، شارحا الموقف بقوله: نراعى مصالحنا كدولة، ونحتفظ بقوة مصر ومكانتها وريادتها فى هذه المنطقة، وهذا وضع حقيقى نلمسه بالفعل؛ فمصر لها ثقل سياسى، ومهما شهدنا من أزمات وأوقات تعثر فى بعض الأحيان، ستظل الدولة المصرية قوة إقليمية لها وزنها وتأثيرها على مستوى الدول، ونكون حريصين كل الحرص فى قراراتنا فى خضم الأحداث العصيبة، وتصارع القوى الذى نشهده، على الالتزام بالتوازن، وأن نتخذ قراراتنا بما يخدم الصالح العام، وحماية أمن مصر القومى، وهو أمر مهم للغاية؛ لأن أى إجراء يتم اتخاذه يكون هدفه المصلحة العامة للدولة، ولكن لابد أيضا أن نقيس فى الوقت نفسه رد فعل القوى العظمى، وتداعيات ذلك على الإقليم، ولذا يتعين علينا أن نعى أن أى قرار يتم اتخاذه وفقا لهذا المنطق، بخلاف ما يشاع فى بعض الأحيان فى وسائل الإعلام حول ضرورة اتخاذ قرار بأسلوب معين، أو أن يقال إنه لا يتعين الصمت عن تجاوزات بعض الدول فى ملفات بعينها.
 
وبدا واضحا من حديث رئيس الوزراء، حرص الحكومة على كسب ثقة المواطن، مؤكدا أنه وفق تقديره الخاص، فإنه لا توجد حكومة تريد اتخاذ قرارات تنقص من شعبيتها فى الشارع، وأى قرارات بتحريك أسعار تكون آخر القرارات، التى تبتغى الحكومة اتخاذها، لافتا إلى أن الحكومة أحيانا ترجىء اتخاذ مثل هذه القرارات، ليس خشية تأثر شعبيتها، وإنما لعدم الرغبة فى تحميل المواطن أعباء إضافية، لكونها تدرك جيدا الأعباء التى يتحملها، فإذا كانت لدى الحكومة مساحة لتحمل بعض الأعباء لفترة ما، فإنها تبادر بذلك، وقامت بهذا فى فترات عديدة مؤخرا فى أوقات الأزمات، على أمل انتهاء الأزمات، وكانت ترجئ اتخاذ قرارات لبضعة شهور على أمل أن تتحسن الأمور، ولكن تزداد تعقيدا وتضطر للإرجاء لفترة جديدة.
 
كما أشار رئيس الوزراء إلى أن تراكم الأعباء على الدولة فى النهاية، يجعلها غير قادرة فى توقيت ما على الاستمرار بهذا الوضع، فتضطر لاتخاذ الإجراء بزيادة بعض السلع والخدمات، وذلك دون الوصول إلى السعر الحقيقى، الذى تتحمله الدولة، حيث تقوم فقط بتمرير جزء من هذا العبء على المواطن، أو اتخاذ القرار بصورة تدريجية، تماما كما أعلنت عن زيادة أسعار المواد البترولية، معتبرا أن الأرقام كبيرة والفجوة كبيرة، وكل يوم يمر على مصر، فإن الدعم الخاص بالمواد البترولية، يكون فى حدود 450 مليون جنيه يوميا، وتتحمله الدولة، إلى جانب المواد البترولية التى يتم جلبها بالعملة الصعبة، متسائلا: هل تستطيع الدولة الاستمرار فى تحمل ذلك، وإلى متى؟
 
وجدد مدبولى التأكيد على أننا تجاوزنا الفترة الأصعب على الإطلاق التى مرت بها مصر فيما يخص الوضع الاقتصادى، وأكدنا بوضوح شديد أن العام المالى الحالى، الذى بدأ هذا الشهر، يمثل مرحلة التعافى الكامل للاقتصاد المصرى عام 2024/2025، ومؤشرات ذلك، هو التركيز على أن يظل التضخم فى المسار النزولى له، وأن يزيد الاحتياطى النقدى، وهذا يتحقق، ويقل حجم الدين، ويتزايد دور القطاع الخاص ونسبته فى حجم الاستثمارات، وأن تزيد نسبة النمو للاقتصاد المصرى، وكل ذلك سيكون السبيل للخروج من هذه الحالة، منوها إلى «أننا فى هذا العام سنستطيع أن نقول إننا عدنا إلى وضع التعافى الحقيقى، الذى كنا فيه قبل الأزمات الكبيرة التى حدثت».
 
وفى نقطة مهمة، أكد مدبولى، أن برنامج الحكومة الذى حاز مؤخرا على ثقة أغلبية البرلمان، تضمن الأخذ بمختلف ما تم طرحه من جانب الأصوات المعارضة، بحيث يتم العمل على وضع برامج زمنية تفصيلية لمختلف بنود البرامج، إلى جانب الأخذ بجميع الملاحظات، التى أثيرت على البرنامج من جانب المتحفظين عليه، والعمل عليها خلال الفترة القليلة القادمة.
 
ملف الدعم
 
ولا يمكن أن يمر لقاء مع رئيس الوزراء دون الحديث عن ملف الدعم، لذلك كان مدبولى صريحا، وهو يتحدث عن هذا الملف، وما سيحدث به مستقبلا، بقوله إن آخر ما تفضل الحكومة التحرك فيه هو زيادة الأسعار؛ ولكن أعلنا اعتزامنا على التحرك بصورة متدرجة بشأن زيادة أسعار البنزين والسولار، حتى نهاية ديسمبر من العام القادم 2025؛ مع وضع معدلات التضخم فى الاعتبار، حيث لا يمكن تحريك الأسعار بصورة مبالغ فيها، وبالتالى كانت الدولة حريصة على تخفيض الدعم بصورة متدرجة، لأننا ندرك تداعيات ذلك على زيادة الأسعار، مشيرا إلى أن الأجهزة الرقابية على مستوى الدولة تتحرك لإحكام السيطرة على الأسعار.
هذا اللقاء أو الجلسة الحوارية، كانت مليئة بالكثير من التفاصيل المهمة، والتى توضح لنا كيف ستتحرك الحكومة خلال الفترة المقبلة، وإلى أين سنصل، وهو ما يؤكد أن هذه الحكومة تسير وفق خطة وبرنامج واستراتيجية واضحة، وستكون محل متابعة دقيقة من جانب الرئيس السيسى والبرلمان، ومن قبلهما الشارع المصرى.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق