شرعية مفقودة في ليبيا!

الإثنين، 29 يوليو 2024 04:57 م
شرعية مفقودة في ليبيا!
محمد الشرقاوي يكتب:

تشهد ليبيا صراعاً متجذراً بين مجلس النواب، مجلس الدولة، والمجلس الرئاسي حول مسألة تشكيل الحكومة، وهو ما يعكس التعقيدات السياسية والقانونية في البلاد. 
 
النزاع حول من له الحق في تعيين رئيس الحكومة يعبر عن أزمة شرعية أعمق تؤثر على مستقبل هذه البلد العالق في أزمة مستمرة منذ 2011، فهذه دعوة رئيس مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة موحدة تنهي الشقاق المؤسسي الليبي لم يستجب لها أحد.
 
ورغم أن مجلس النواب الليبي يعتبر صاحب الاختصاص وفق التعديل الدستوري الحادي عشر، الذي ينص على تشكيل حكومة منفصلة عن المجلس الرئاسي، إلا أن مستشار رئيس المجلس الرئاسي الليبي زياد دغيم عارض ذلك مستنداً إلى التعديل الدستوري السابع الصادر في 2014.
 
زياد دغيم، أوضح أن هذا الاختصاص يعود لرئيس الدولة، والمجلس الرئاسي يحمل هذه الصفة، وأن المادة 178 من القانون رقم 4 لسنة 2014، التي تنظم عمل مجلس النواب، تدعم هذا الرأي، مشيراً إلى ضرورة توافق المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي لتحقيق تعديل دستوري جديد.
 
لكن كعادة الأمر، عارض المجلس الأعلى للدولة تحركات البرلمان، والتي جاءت انطلاقاً من توافقات أعضاء مجلسي النواب والدولة في القاهرة، في 18 يوليو الجاري، والتي أكدت على مواصلة التوافق بين المجلسين حول تشكيل حكومة تقود لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي. 
 
ورغم أن تلك التفاهمات لاقت ترحيباً دوليًا، حيث رحبت البعثة الأممية بالاجتماع وشجعت أعضاء المجلسين على البناء على ما جرى الاتفاق عليه، واتباع مقاربة تشمل جميع الأطراف الليبية المعنية للوصول إلى حل سياسي قابل للتنفيذ، إلا أن الخلاف كان أكبر من أي تفاهمات وأي ترحيب!
 
كنت أظن أن دعوة مجلس النواب الأخيرة ستسدل الستار على سنوات من الشقاق والانقسام المؤسسي، لكن كانت لدي شكوك حول إمكانية تفعيلها، في ظل عدم وجود دعم أممي ودولي، وتمسك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد دبيبة بموقفه بعدم تسليم السلطة، إلا بإجراء الانتخابات الرئاسية. 
 
لم يكن مجلس الدولة بعيدًا عن هذه الشكوك، بالخروج على أي تفاهمات بين أعضاء المجلسين، وخرج كعادته ببيان قال فيه إن خطوة مجلس النواب بفتح باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة هي خطوة منفردة ولن يعتد بها، داعياً إلى الالتزام بالإطار العام للحل السياسي المنصوص عليه في البيان الثلاثي بالقاهرة، وأنه لم يتم الاتفاق على آليات تنفيذ بنوده بما في ذلك آلية تشكيل الحكومة، بل وحذر من أن استمرار مجلس النواب في هذا النهج سيؤدي إلى تكرار الفشل وتكريس حالة الانقسام في البلاد.
 
لدي سؤال مشروع، وهو: لماذا في كل مرة ينقلب مجلس الدولة على تفاهمات أعضاءه؟ وهو ما حدث من قبل في الموافقة على القوانين الانتخابية، مع أن الدور استشاري فقط، لكن المؤكد أن النزاع بين هذه المؤسسات يتجاوز مسألة تعيين رئيس الحكومة ليعكس صراعاً أعمق على الشرعية والسلطة في ليبيا. 
 
فمجلس النواب يسعى إلى تأكيد دوره كمؤسسة تشريعية رئيسية، بينما يحاول المجلس الرئاسي ومجلس الدولة الحفاظ على دورهما وتأثيرهما في العملية السياسية، وذلك على عكس تفاهمات القاهرة التي توصل لها رؤساء المجالس الثلاث برعاية جامعة الدول العربية.
 
الجدل حول تشكيل الحكومة يعكس حالة الجمود السياسي في ليبيا، حيث يتضح أن كل مؤسسة تسعى إلى تعزيز نفوذها وسيطرتها، ما يعقد من إمكانية التوصل إلى توافق حقيقي، وبالتالي فإن الحل السياسي المستدام في ليبيا يتطلب التوافق بين جميع الأطراف، واحترام الآليات الدستورية المتفق عليها لضمان عدم تكرار الأزمات والانقسامات التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
 
وأرى أن النزاع الحالي لا يتعلق فقط بتشكيل حكومة، بل هو انعكاس لفقدان الثقة بين المؤسسات الليبية والصراع على الشرعية الذي يعمق الأزمة ويؤخر أي تقدم نحو الاستقرار والانتخابات.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق