الشرق الأوسط على فوهة «بركان».. تداعيات الحرب فى غزة تنهك الإقليم.. الضربة الإسرائيلية لميناء الحديدة اليمنى توسع الصراع.. والبحر الأحمر يتحول لـ«ثكنة» عسكرية
السبت، 27 يوليو 2024 07:00 ممحمد الشرقاوي
شهد الشرق الأوسط تصعيدا خطيرا للصراعات المسلحة فى الآونة الأخيرة، حيث اتسع نطاق العدوان الإسرائيلى ليشمل اليمن بعد استهداف ميناء الحديدة، ما يعكس تعقيدات الأوضاع الإقليمية والدولية.
ويأتى هذا التطور فى سياق الحرب المستمرة على غزة، ما يزيد من تعقيد المشهد ويبرز التحذيرات المصرية المستمرة من مخاطر توسع الصراع وانتقاله لمناطق أخرى.
ويشكل العدوان الإسرائيلى على اليمن منعطفا خطيرا فى رقعة الصراع التى تزداد اتساعا يوما بعد يوم، وشنت إسرائيل هجمات جوية على ميناء الحديدة اليمنى، ما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين.
وجاء هذا الهجوم كرد فعل على ضربات حوثية استهدفت تل أبيب وميناء إيلات، فى رد واضح على المجازر الإسرائيلية فى غزة، هذا التصعيد يعكس اتساع نطاق الصراع الذى حذرت منه مصر مرارا وتكرارا.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، حذرت مصر من مخاطر إطالة أمد العدوان واتساع رقعة الصراع فى المنطقة، جاءت التحذيرات المصرية على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، مشددا على ضرورة اتخاذ خطوات جادة ومؤثرة لمنع اتساع رقعة الصراع.
اتساع رقعة الصراع ليشمل اليمن يعكس رفض إسرائيل للسلام وتعنتها فى التوصل إلى هدنة فى غزة، وهذا الموقف الإسرائيلى يشير إلى مخاطر جر المنطقة بأكملها إلى تهديدات غير مسبوقة، وهو ما تحذر منه مصر وتدرك خطورته منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.
الهجمات الإسرائيلية على اليمن شملت استهداف منشآت حيوية فى ميناء الحديدة، ما أثار ردود فعل عنيفة من الحوثيين الذين توعدوا بتصعيد الهجمات على إسرائيل، الحوثيون أكدوا أن ضرب إيلات هو تمهيد لرد أوسع وأشمل، ما يعكس تصعيدا عسكريا خطيرا فى المنطقة.
توسيع نطاق الصراع ليشمل البحر الأحمر يعكس تعقيد الأوضاع الأمنية والجيوسياسية فى المنطقة، التحذيرات المصرية من توسع الصراع تأتى فى إطار قلق مشروع من تأثير هذه التوترات على الاستقرار الإقليمي. مصر دعت كل الأطراف إلى ضبط النفس والتهدئة، محذرة من الانزلاق نحو فوضى إقليمية.
وفى ظل تصاعد التوترات، شددت مصر على أهمية تكاتف الجهود الدولية لصون أمن واستقرار المنطقة، وزارة الخارجية المصرية تابعت بقلق بالغ العمليات العسكرية الإسرائيلية فى الأراضى اليمنية، داعية إلى ضبط النفس والتهدئة وإنهاء الحرب على قطاع غزة، مؤكدة ضرورة السماح بنفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة كخطوة أساسية لإقرار التهدئة الشاملة فى المنطقة.
الهجمات الإسرائيلية على اليمن تتعدى كونها رد فعل على استهداف تل أبيب، فهى جزء من سياق أوسع يشمل العديد من الأبعاد الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية، وهذه الأبعاد تعكس تعقيد الصراع فى المنطقة وتشير إلى احتمالات تصعيد أكبر فى المستقبل.
وامتدت تداعيات الحرب فى قطاع غزة لتطال البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والذى يشهد حضورا عسكريا أمريكيا ودوليا مكثفا بدافع الاستجابة للهجمات الحوثية ضد السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها، وتوسيع الولايات المتحدة قائمة الفاعلين فى البحر الأحمر بعد إعلانها تشكيل قوة بحرية دولية أطلقت عليها اسم «حارس الازدهار» فى 19 ديسمبر 2023، بمشاركة أكثر من 20 دولة، وتنفيذها إلى جانب بريطانيا سلسلة من الضربات العسكرية ضد أهداف تابعة للحوثيين منذ 18 يناير 2024. وذلك ما يطرح تساؤلا حول دلالات ودوافع الحشد العسكرى غير المسبوق فى البحر الأحمر، وهل يتناسب ذلك مع حجم التهديدات الحوثية على التجارة الدولية؟
يقول تقرير نشره مركز ستراتيجيكس ثنك ثانك، إن الحضور العسكرى الأمريكى والدولى فى البحر الأحمر سابق بعقود للحرب فى غزة. ففى العام 2001 أسست الولايات المتحدة القوة البحرية المشتركة (CMF) بمشاركة مجموعة من الدول المتحالفة، من ضمنها حلف شمال الأطلسى، وقد شكلت القوة البحرية المشتركة الأكبر فى العالم، والتى يقودها قائد الأسطول الخامس ومسئول القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية براد كوبر.
وتضم تلك القوة البحرية المشتركة مجموعة من خمسة أساطيل وهي: «قوة المهام المشتركة 150» وهو تحالف من 25 دولة لمواجهة تهديدات الإرهاب الدولى ومقره فى البحرين، و«قوة المهام المشتركة 151» التى تشكلت فى يناير 2009 لمكافحة القرصنة، و»قوة المهام المشتركة 152» التى تعمل فى مياه الخليج، و«قوة المهام المشتركة 153» التى تأسست فى أبريل 2022 لحماية البحر الأحمر، و«قوة المهام المشتركة 154» التى تأسست فى مايو 2022 لتعزيز الأمن البحرى فى الشرق الأوسط. وفى العام 2009 أطلق الاتحاد الأوروبى عملية «يوناففور أتلانتا» لمكافحة القرصنة فى مياه الصومال، بمشاركة إسبانيا وألمانيا والسويد واليونان وبريطانيا وبلجيكا، وفرنسا، وهولندا، وتضمنت نشر ست سفن وثلاث طائرات استطلاع ونحو 1200 فرد.
وفى مرحلة سابقة للحرب فى غزة، عززت الولايات المتحدة من حضورها العسكرى البحرى فى المنطقة، ففى أغسطس 2023 انضم أكثر من 3 آلاف جندى مارينز، وسفينة الهجوم البرمائى باتان (USS Bataan)، التى تحمل على متنها أكثر من 24 طائرة، وسفينة الإنزال البحرى كارتر هول (USS Carter Hall)، إلى الأسطول الخامس الأمريكى، للرد على المضايقات الإيرانية حينذاك للسفن التجارية.
يضيف التقرير، أنه بعد الحرب فى غزة، حركت الولايات المتحدة عدد ضخم من قطعها البحرية تجاه شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ففى 10 أكتوبر انضمت الغواصة النووية من طراز «أوهايو» (USS Ohio) إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، وفى 5 نوفمبر وصلت مجموعة القوة الضاربة بقيادة حاملة الطائرات أيزنهاور (USS Dwight D. Eisenhower) إلى الشرق الأوسط، إلى جانب طراد الصواريخ الموجهة فلبين سى (USS Philippine Sea)، ومدمرة الصواريخ الموجهة غرافلى (USS Gravely) والمدمرة ميسون (USS Mason) والجناح الجوى الناقل الثالث، مع تسعة أسراب من الطائرات، فيما تمركزت مجموعة القوة الضاربة لحاملة الطائرات جيرالد فورد (USS Gerald R. Ford) شرقى البحر الأبيض المتوسط قبل عودتها إلى قاعدتها فى الولايات المتحدة مطلع يناير 2024.
ومع إطلاق العملية متعددة الجنسيات المعروفة باسم «حارس الازدهار» لمواجهة الهجمات الحوثية فى البحر الأحمر، يشير التقرير إلى أن الدول المشاركة عززت من قطعها البحرية فى البحر الأحمر، إذ أرسلت بريطانيا المدمرة ريتشموند (HMS Richmond) لتنضم إلى المدمرة دياموند (HMS Diamond) والفرقاطة لانكستر (HMS Lancaster) المتواجدتين ضمن مهام فرقة العمل المشتركة 150، إلى جانب ثلاث سفن لإزالة الألغام وسفينة دعم تتبع الأسطول الملكى البريطانى، وتوجد لفرنسا سفينتان هما الفرقاطة لانغودك (Languedoc) متعددة الأغراض، وسفينة الإمداد جاك شيفولييه (Jacques Chevalier)، وقد أعلنت هيئة الأركان الفرنسية فى 25 يناير إرسال سفينة ثالثة إلى المنطقة وهى الفرقاطة ألزاس (Alsace)، ولدى إسبانيا وإيطاليا سفينة واحدة فى المنطقة، وأعلنت سريلانكا عن نيتها إرسال سفينة بحرية، إضافة إلى ثلاث سفن تحمل أعلام الاتحاد الأوروبى لدعم التحالف.
وتدرس دول الاتحاد الأوروبى مقترحا رسميا تم نقاشه خلال اجتماعهم الشهرى فى بروكسل فى 15 يناير، للتحرك من خلال قوة عسكرية فى البحر الأحمر، تتضمن المدمرات والفرقاطات وطائرات الإنذار المبكر، ووفقا لمنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل، «لم تعارض أى دولة الاقتراح».
المؤكد أن توسع الصراع فى الشرق الأوسط ليشمل اليمن يشكل تهديدا خطيرا للاستقرار الإقليمى، وهو ما تحذر منه الرؤية المصرية، وتعكس قلقا مشروعا من تداعيات هذا الصراع على المنطقة بأكملها، وبالتالى فإنه من الواجب تكاتف الجهود الدولية والدبلوماسية لمنع تفاقم الأوضاع والعمل على تحقيق حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية كخطوة أساسية لتحقيق الاستقرار فى المنطقة.