تسعير الوقود.. فاتورة ثقيلة لابد منها
الخميس، 25 يوليو 2024 01:18 م
مثلما نضطر إلى أخذ جرعة العلاج المر، لتصحيح وضعنا الصحي، اضطرت الحكومة إلى تسعير الوقود، للتخفيف من عبء فاتورة استيراد الطاقة بعد ارتفاعها عالميا نتيجة الأحداث العالمية والحروب من ناحية، ومرارة العبء على الموازنة العامة للدولة من ناحية أخرى.
منذ أكتوبر 2019، بدأت مصر تطبيق آلية للتسعير التلقائي لبعض المنتجات والمشتقات البترولية. جاء ذلك بعد أن تبنت الحكومة المصرية برنامجًا هدفه تحرير أسعار الوقود. تتولى لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية تحديد الأسعار الجديدة كل ثلاثة أشهر.
وتُراجع أسعار الوقود في مصر وفقًا لآلية تعتمد على سعر برميل النفط في السوق العالمية، وتحركات الدولار أمام الجنيه.
أي اختلاف بين البيانات السعرية وما قد يراه المواطن على أرض الواقع يمكن أن يعود إلى التغير في أسعار صرف العملات أمام الدولار الأمريكي، وكذلك الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق. معادلة تسعير المنتجات البترولية تتكون من ثلاثة مدخلات رئيسية هي: أسعار النفط العالمية، أسعار صرف الدولار الأمريكي، وأعباء التداول.
يُعد الدعم من القضايا الاقتصادية الحرجة لما له من آثار مباشرة على عجز الموازنة العامة، مما يترتب عليه آثار إيجابية وسلبية على كافة قطاعات الدولة المختلفة، واستمرار دعم المنتجات البترولية يلعب دورًا سلبيًا في قدرة قطاع الطاقة والنفط على النهوض.
شهد قطاع الطاقة في مصر تغييرات هامة اقتضت التخفيف التدريجي لقيمة دعم المنتجات البترولية، حيث يمثل الدعم قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توافرها بالأسواق المحلية سواء عن طريق الإنتاج أو استيراد بعضها من خارج البلاد.
ارتفاع أسعار النفط الخام فوق 80 دولارًا للبرميل يفوق توقعات موازنات العديد من دول العالم للعام الحالي، مما يشكل مكاسب لبعض الدول وضغوطًا على دول أخرى تعتمد على الاستيراد لتوفير الوقود والمنتجات البترولية لأسواقها المحلية.
هناك العديد من العوامل التي تحدد سعر البنزين، وأهمها أسعار النفط الخام التي تتحكم بشكل كبير في تحديد أسعار البنزين داخل مختلف دول العالم. على سبيل المثال، نجد أن النفط الخام يتدخل بنسبة أكثر من 55% في تحديد سعر البنزين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تكاليف التكرير والتصفية، وتكاليف التوزيع والتسويق. كلما كان اعتماد الدولة على استيراد النفط الخام زاد تأثر أسعار البنزين لديها بتقلبات سوق النفط العالمي.
واستوردت مصر شحنات وقود بقيمة حوالي 3.3 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري 2024، بزيادة تصل إلى حوالي 6% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي 2023، الذي شهد واردات نفطية بقيمة حوالي 3.1 مليار دولار، حيث استحوذت المنتجات البترولية على حوالي ملياري دولار من إجمالي فاتورة الاستيراد بنسبة حوالي 70% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بينما تخص باقي قيمة الواردات شحنات الفحم والنفط الخام الموجهة إلى معامل التكرير المصرية.
وشهدت السنوات الماضية (2023-2024) زيادة حوالي 40% في إنتاج البنزين والسولار، وتُظهر البيانات المعلنة ارتفاع استهلاك مصر من المنتجات النفطية خلال عام 2023 إلى حوالي 1 مليون طن، بزيادة سنوية حوالي 6.3%، تضمنت هذه الكمية حوالي 35.5 مليون طن من المنتجات النفطية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي.
وتعتمد مصر بشكل كبير على واردات النفط الخام ومشتقاته لتلبية احتياجات السوق المحلية، مما يترتب عليه زيادة فاتورة الاستيراد، مما قد يؤثر على الاحتياطي النقدي المصري بشكل سلبي، حيث تستورد حوالي 100 مليون برميل سنويًا. وكان سعر برميل البترول في موازنة الدولة لعام 2021-2022 محتسبًا على أساس 60 دولارًا للبرميل، بينما يتم احتسابه حاليًا على حوالي 80 دولارًا للبرميل.
اضطرابات مياه البحر الأحمر ليست بمعزل عما يحدث، كهجمات الحوثيين كأحد تداعيات للحرب على غزة، ساهمت في رفع أعباء التكلفة الفعلية على الدولة بنسبة حوالي 12% للثلاثة أشهر الماضية. تعتمد مصر على استيراد النفط الخام والوقود من بعض أسواق آسيا، وترتبط بعقود استيراد مع العراق والكويت والإمارات والسعودية.
وتتأثر الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر وجهود الحكومة للتعافي منها بمدى اتساع الحرب في غزة وتداعياتها على حركة النفط الخام، مما قد يرفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل مقارنة بحوالي 86 دولارًا حاليًا.
وبالتالي فإن ارتفاع تكلفة المنتجات النفطية وفاتورة نقل وشحن هذه المنتجات التي تستورد من الخارج، بعد تفاقم التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، نتيجة هجمات الحوثيين على ناقلات النفط والسفن، أثر مباشرةً في الفجوة السعرية بين تكلفة وسعر بيع المشتقات النفطية.
وتستهلك مصر حوالي 42 مليون لتر من السولار يوميًا، أي حوالي 1.25 مليار لتر شهريًا، ونحو 10 مليارات لتر سنويًا. تتحمل الدولة دعمًا يصل إلى حوالي 178 مليون جنيه خلال ثلاثة أشهر فقط، مع تثبيت سعر السولار لفترات طويلة بالرغم من زيادة الفجوة السعرية بين تكلفة توفيره وسعر بيعه في السوق المحلي.
كما ارتفعت قيمة واردات مصر من النفط الخام ومشتقاته خلال الربع الأول من العام الجاري (2024) بنسبة حوالي 5% مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، نتيجة لزيادة الطلب محليًا وسعي الحكومة لتأمين الوقود لمحطات الكهرباء.
وفي الربع الأول من العام الجاري، سجلت واردات مصر من النفط الخام ومشتقاته زيادة قيمتها حوالي 173 مليون دولار مقارنة بالمدة نفسها من عام 2022. بلغت قيمة فاتورة مصر النفطية في يناير الماضي حوالي 1.08 مليار دولار، بزيادة حوالي 140 مليون دولار مقارنةً بالمستويات المسجلة خلال المدة نفسها من عام 2023، شكلت فاتورة دعم الوقود في مصر عبئًا إضافيًا على موازنة الدولة.
على الرغم من الأسعار الحالية، لا تزال أسعار البنزين في مصر من الأرخص عربيًا. معدل السعر الحالي للتر بنزين 92 الأكثر تداولًا يبلغ 12.50 جنيهًا (0.27 دولارًا)، احتلت مصر المركز الرابع عالميًا في الدول الأرخص في أسعار الوقود بنهاية مارس الماضي.
تأثرت مصر كغيرها من دول العالم بالارتفاعات السعرية التي شهدتها الأسواق النفطية، ولكن الدولة بذلت جهودًا كبيرة للحفاظ على السيطرة على أسعار البنزين والمشتقات البترولية.
لقد تحملت الدولة عبئًا ماليًا كبيرًا لدعم المواد البترولية وتوفير المنتجات البترولية محليًا، مما قلص الاعتماد على الاستيراد خلال عام 2023. تعمل مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات البترولية خلال العام الجاري من خلال التوسع في إنشاء معامل التكرير وزيادة معدلات الحفر الاستكشافي وتعزيز التعاون الإقليمي في صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي.