تفاصيل ساعة الصفر لثورة 23 يوليو.. القصة على لسان أبطالها

الثلاثاء، 23 يوليو 2024 04:40 م
تفاصيل ساعة الصفر لثورة 23 يوليو.. القصة على لسان أبطالها
ثورة يوليو
هانم التمساح

لا تزال ثورة يوليو تشكل علامة بارزة في تاريخ الوطن ونقطة تحول أساسية في مساره الوطني، بما قدمته من إنجازات مهمة وما أجرته من تحولات جذرية في جميع جوانب الحياة.
 
و تحل اليوم  ذكرى  ثورة ٢٣ يوليو التى حولت نظام الحكم بمصر من الملكية إلى النظام الجمهوري، بما تبع ذلك من تطورات اجتماعية واقتصادية مهمة، استرد المصريون من خلالها كرامتهم واستعادوا وطنهم المسلوب على مدى عقود طويلة من الزمان،  وفي عام 1952 كانت أهم الثورات المصرية علي مر العصور ثورة بيضاء نجحت في تغيير وجه التاريخ المصري تمامًا، ثورة الجيش المصري التي نقلت مصر من عهد الملكية الي عهد الجمهورية. ثورة أيدها الشعب المصري بكل قوة، وتفاعل معها ومع ما صدر عن رجالها من قرارات غيرت وجه الأحداث في البلاد
 
وأظهر الشعب تأييده التلقائي للجيش، وخرج بجميع فئاته وطوائفه ليعلن مساندته لهذه المجموعة الوطنية من أبنائه الضباط الأحرار، وكان هذا التأييد بمثابة تكليف لقادة الحركة بالاستمرار، وبذلك استمدت ثورة يوليو شرعيتها من الشعب بعد تأييده لها، وتعبيرها عن واقعه وآماله في تحقيق الاستقلال والكرامة.
 
وصعدت روح الرئيس عبد الناصر إلى بارئها بعد ثلاثة أعوام من النكسة، واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولي.
 
وبعد اجتماع لجنة القيادة بعد ظهر 22 يوليو 1952 ، تحدد لبدء التحرك ساعة الصفر في منتصف ليلة 22 يوليو، ومع غروب شمس يوم 22 يوليو كان معظم الضباط الأحرار المكلفين بمهام التحرك موجودين بمعسكراتهم تحسبًا لأي مفاجآت، منتظرين تعليمات القيادة بالتحرك  ولكن  اختلفت الروايات حول موعد ساعة الصفر بين مؤيدين لعبد الناصر والمنحازين لليسار والإخوان كل يذكر الرواية حسب مصلحته ..البعض نسب البطولة مطلقة ليوسف صدقى والبعض الاخر أجحفه حقه وبين هذا وذاك ننشر  كافة الروايات حول ساعة الصفر دون تحيز وبحسب رواية أبطال القصة ذاتهم.
 
 
أحداث ماقبل ساعة الصفر
 
لقد نشأ الضباط فى ذلك الجو من الصراعات بين القصر والأحزاب والحركات الماركسية والشيوعية، وتدخلات الاحتلال الإنجليزى، وسوء الأوضاع المعيشية لغالبية الشعب المصرى.
 
كما كانت حرب 1948 بفلسطين وحصار الفالوجا وهزيمة الجيوش العربية، الشرارة الأولى التى جعلتهم يفكرون فى كيفية الخلاص من كل هذا الإرث السىء، فتولدت فكرة الضباط الأحرار وسعوا لتنفيذها  .
 
مع أن هناك تنظيمات اخرى داخل الجيش، لكن كلها كانت سرية تبحث أيضا عن الخلاص، وكان الضباط يرون أن الإخوان قد تورطوا في العنف و الإغتيالات لا يصلحون لتلك المرحلة.
 
وكانت الرؤية أن يتم تشكيل تنظيم بعيداً عن الأحزاب والحركات السياسية وجماعة الإخوان وبدأت مرحلة استقطاب الضباط وتشكيل خلايا منفصلة لا يعرف بعضهم البعض تصب فى رأس التنظيم كل الخلايا.
 
وأصدر البيان الأول للتنظيم الذى أعده جمال منصور صاحب فكرة تسمية التنظيم بهذا الإسم (الضباط الأحرار)  ودخلوا انتخابات نادى ضباط الجيش بمجموعة منهم ونجحوا فى الإنتخابات بقيادة محمد نجيب.
 
كان الضباط يبحثون عن قائد كبير يحصلون من اسمة على الثقة من الضباط حتى ينضموا الى حركتهم، فاتجهت انظارهم الى الفريق عزيز المصرى، الذى كان غالبية الضباط يقدرونه ويحترمونه وعلى علاقة طيبة بالجميع فاعتذر لكبر سنه مع مباركته لحركتهم.  
 
وكان الاختيار الثانى للفريق فؤاد صادق وكلف صلاح نصر بعرض الأمر عليه ولكن اشترط عليهم شروطا وقال لهم لقد ولدت لأقود لا أقاد وأن عليهم طاعته وان قراره سيكون القرار الأول والأخير فرفضوا بعد أن أوصل لهم صلاح رسالته اليهم.
 
وكان الإختيار الثالث هو اللواء محمد نجيب والذى يرتبط عبدالحكيم عامر بعلاقة طيبة به وقبل على الفور المهمة بدون قيد أو شرط، واللواء محمد نجيب اسم كبير فى القوات المسلحة المصرية وله تاريخ مشرف يشهد له الجميع به  
 
واستمرت تحركاتهم واستقطابهم للضباط فى سرية تامة، وفى الوقت الذى يقوم به الفدائيين فى منطقة القناة بالمقاومة ضد الإنجليز تم احراق القاهرة فى يوم عرف بالسبت الأسود فى يناير 1952، وكان ذلك اليوم المرير نقطة تحول وجرس إنذار لهم ليسرعوا للقيام بحركتهم، لكن لنقص بعض الإمكانيات تقرر تأجيل ساعة الصفر لحين الإستعداد.
 
كما تم حل نادى الضباط وشكل لهم ضربة أخرى قوية وموجعه لهم، وانهم أصبحوا فى مواجهة مباشرة مع الملك وحيدر باشا، وأشاع الملك أنه كشف التنظيم وانه جارى القبض على هؤلاء الضباط المتمردين.

نقطة التحول 
 
لكن نقطة التحول الحقيقية عندما وصلت ثروت عكاشة معلومة من خلال اتصال تليفونى مع مالك المصرى اليوم وقتها عن نية القصر لتشكيل حكومة جديدة وأن رئيسها سيكون حسين سرى باشا وسيكون أيضا وزيراً للخارجية والحربية والبحرية وهو على عداء قوى مع الضباط ويعلمهم جيداً وأنه سيسعى الى وئد التنظيم فكان القرار بالتحرك السريع قبل أن تكون نهايتهم.
 
تحرك الضباط بدافع وطنى مخلص للوقوف فى وجة المحتل الغاصب وكل العوامل السابقة كانت مبادىء عامة لحركتهم كانت تدفعهم للمضى قدما نحو هدفهم المنشود وتحقيق مبادئ حركتهم، تحركوا وهم يعلمون المصير المحتوم فى حال فشلت حركتهم والذى يصل الى الإتهام بالخيانة العظمى والإعدام رميا بالرصاص  
 
ساعة الصفر على لسان أبطال يوليو 
 
وكانت ليلة 23 يوليو 1952 بداية الإنطلاق لحركة الضباط الأحرار والتى سيتغير معها التاريخ، وكانت كلمة السر مصر  
 
 وكانت مذكرة  "الآن أتكلم".. واحدة من أهم المذكرات التي تحدثت عن ثورة يوليو وملابساتها لصاحبها خالد محيي الدين عضو تنظيم الضباط الأحرار والمعروف باسم "الصاغ الأحمر" في إشارة إلى توجهاته اليسارية.
 
كان مجلس قيادة الثورة قد حدد ساعة الصفر لانطلاق عملية التحرك نحو قيادة الجيش، في الساعة الواحدة صباحاً، لكن ثمة خطأ حدث، تسبب في إنقاذ الثورة كما يروي الرئيس جمال عبد الناصر في إحدى خطاباته.
 
وكما هو معروف فإن الأخطاء في هذا النوع من العمليات الحاسمة، يتسبب في فشلها، إلا أن هذا الخطأ تسبب في نجاح الثورة، ويعود الفضل في ذلك إلى الضابط يوسف صديق الذي تحرك بقواته نحو قيادة الجيش الثانية عشر منتصف الليل، وليس الساعة الواحدة كما كان متفق عليه، حيث أعلن صديق الطوارئ مبكراً، وقبل ساعة الصفر وقف في قواته خطيباً، وأكد لهم أنهم وأولادهم سوف يفخرون بما ينجزون هذه الليلة .
 
ووصلت قوات يوسف صديق إلى مقر القيادة قبل الموعد المحدد بساعة، ظناً منه أن الساعة الثانية عشر هي الموعد المحدد، وقد استبق بذلك يوسف صديق ضباط الجيش المجتمعين في مقر القيادة والذين كانوا يخططون للتخلص من تنظيم الضباط الأحرار، إلا أن تحرك يوسف صديق قطع عليهم كل ذلك، واقتحم مبنى القيادة بالعباسية وألقى القبض على المجتمعين هناك.
 
ويقول خالد محيى الدين عن ذلك في مذكراته "إن يوسف صديق حقق عملا تاريخيا هاما أسهم بشكل كبير ومباشر في إنجاح حركتنا، وقد كانت شجاعته الحاسمة والآسرة في آن واحد عاملاً من عوامل نجاحنا".
 
شهادة الضابط يوسف صديق 
 
وفى عام 1977 وخلال الاحتفال بذكرى مرور ربع قرن على قيام ثورة 23 يوليو ، قام الأستاذ حمدى لطفى المراسل العسكري لدار الهلال ، والذي كان يوصف بأنه عميد الصحفيين المصريين المتخصصين في الشؤون العسكرية بإصدار كتاب وثائقى عن ثورة 23 يوليو 1952 ، يضم مجموعة من شهادات الضباط الأحرار عن أدوارهم فى الثورة، من ضمن تلك الشهادات، توجد شهادة المرحوم يوسف صديق ما بين صفحتى 110 و125 من صفحات الكتاب.
 
سجل الأستاذ حمدى لطفى تلك الشهادة للمرحوم يوسف صديق بين عامى 1970 و 1971، ولم يسمح له المرحوم يوسف صديق بنشر تلك الشهادة إلا فى يوليو 1972 ، خلال الاحتفال بالعيد العشرين لقيام ثورة 23 يوليو بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بعامين ، ثم أعاد الأستاذ حمدى لطفى نشرها فى كتابه " ثوار يوليو .. الوجه الأخر " الصادر فى يوليو 1977.
 
فى تلك الشهادة الهامة والتى تمثل حقيقة دور يوسف صديق فى ليلة 23 يوليو .1952  
 
يقول يوسف صديق ان جمال عبد الناصر هو مؤسس تنظيم الضباط الأحرار وقائد الثورة وواضع خطتها  وان جمال عبد الناصر زاره يوم 21 يوليو 1952 ، ليبلغه انه خلال ساعات سوف يحدد له ساعة الصفر للتحرك بقواته ، ويعترف يوسف صديق انه لم يتحرك مبكراً فى ليلة الثورة ، بل تحرك وفقاً للموعد الذى حدده له جمال عبد الناصر ، وكان اليوزباشي زغلول عبد الرحمن هو مرسال جمال عبد الناصر لصديق لإبلاغه بساعة الصفر .
 
ويواصل يوسف صديق سرد ذكرياته عما جرى فى الساعات الأولى للثورة فيقول ان قواته قبضت على جمال عبد الناصر فى منطقة الكوربة بمصر الجديدة بينما هى تنتظر وفقاً للخطة باقى القوات التى ستهاجم معها مقر قيادة الجيش، وان سبب إلقاء قواته للقبض على جمال عبد الناصر انه كان يرتدى ملابسه العسكرية ورتبته بكباشي ، وكانت تعليمات جمال عبد الناصر لكل القوات المشاركة فى الثورة هى إلقاء القبض على كل الضباط من رتبة بكباشى فيما فوق.  
 
ويقول يوسف صديق ان جمال عبد الناصر شرح له ان خطة الثورة قد انكشفت للملك، وان هناك اجتماعاً الآن بمقر قيادة الجيش لاجهاض الثورة برئاسة حسين فريد باشا رئيس أركان حرب الجيش المصرى ، وأن جمال عبد الناصر أصدر أوامره ليوسف صديق وقواته بالتقدم واقتحام مقر قيادة الجيش ، وسار عبد الناصر بسيارته الأوستن أمام قوات يوسف صديق حتى مسافة كيلومترين من مقر قيادة الجيش حيث اقتحمت قوات الثورة مقر قيادة الجيش ، وألقت القبض على رئيس الأركان وقائد الطيران وكبار ضباط الجيش المصرى ، وأصدر جمال عبد الناصر تعليماته ليوسف صديق بحبسهم فى مبنى الكلية الحربية المواجه لمقر قيادة الجيش.
 
هذه هى شهادة المرحوم يوسف صديق التى أدلى بها وتم نشرها للمرة الأولى فى عام 1972 خلال حياته ، ثم أعيد نشرها فى الكتاب الوثائقى عن ثورة 23 يوليو 1952 بمناسبة يوبيلها الفضي فى عام 1977، والأستاذ حمدى لطفى الذى سجل شهادة المرحوم يوسف صديق ليس ناصرياً ، بل له انتقادات حادة لنظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر ، ولكنه نشر الحقيقة كما سمعها من صاحبه ولكن المحبون للمرحوم يوسف صديق يصرون على اعتماد كتاب " أوراق يوسف صديق " الصادر فى عام 1999 ، كمذكرات رسمية للمرحوم " يوسف صديق " ، ويرفضون الشهادات والأحاديث الصحفية التى أدلى بها " يوسف صديق " خلال حياته ،والتى تحدث فيها عن دوره فى ثورة 23 يوليو 1952 ، وتصيبهم العصبية البالغة عند نشر شهادات يوسف صديق الموجودة خارج مذكراته المعتمدة لديهم. 
 
 
شهادة جمال عبدالناصر 
 
ويحكى الرئيس عبد الناصر ما حدث ليلة ثورة 23 يوليو فيقول: لو كنا حسبنا العملية بالورقة والقلم كنا سنجد أن النجاح احتماله ضعيف للغاية، ولكن كان كل واحد من الضباط الأحرار وكل واحد من الناس الذين شاركوا في الثورة في هذه الأيام، كان يقول إذا لم نستطع النجاح في القضاء على هذا الظلم والاستعباد فليس أقل من أن نضحي لنثبت للأجيال القادمة أن الجيل الذي كان يعيش عام 1952 لم يرض السكوت لكنه قام وقاتل حتى استشهد
 
وأضاف عبد الناصر: ومن هنا عاهدنا الله وأنفسنا وكنا قلة من الضباط على القضاء على المستعمر وأعوانه من الخونة وجميع مظاهر الاستعمار، فرأينا أنه لا يمكن القضاء على الاستعمار إلا بعد القضاء على أعوانه في الجبهة الداخلية لأنه في هذه الحالة سيترنح الاستعمار ويسقط في مصر فاهتممنا بتقوية الجبهة الداخلية وبدأنا بالجيش، وفي يوم 23 يوليو اجتمعت اللجنة التأسيسية في منزل خالد محيي الدين وصدرت الأوامر بالتنفيذ في الساعة الخامسة صباحًا، وخرج أفراد اللجنة التأسيسية للتنفيذ.. وكانت الثورة
 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة