«الديمقراطيين» واستعادة الثقة الأمريكية المفقودة

الإثنين، 22 يوليو 2024 09:53 ص
«الديمقراطيين» واستعادة الثقة الأمريكية المفقودة

ظاهريا قد يبدو العامل العمرى والصحى هو الذى وقف خلف انسحاب جو بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مفضلاً نائبته كاميلا هاريس عنه "لصالح أمريكا والحزب الديمقراطى" كما قال في بيان تنحيه، لكن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر تعقيداً من ربط الانسحاب او التنحى بالعمل العمرى أو هفواته المتكررة والقاتلة في ذات الوقت، فهناك أسباب أخرى جعلت جواد بايدين يترنح قبل الوصول إلى نهاية السبق، فارضاً على الديمقراطيين التفكير في مستقبلهم، بعيداً عن حب بايدن أو الارتباط به، كما فعل مقربين منه، مقل بيل كلينتون وباراك أوباما الذين دعوا بايدن صراحة لترك الفرصة لآخرين، لاكمال السباق الانتخابى في مواجهة دونالد ترامب، العائد بقوة.
من أهم هذه الأسباب هو الوضع الداخلى السئ الذى وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، سواء اقتصادياً أو اجتماعيا أو أمنيا، وحتى سياسياً، وجاءت المحاولة الفاشلة لاغتيال المرشح ترامب، لتدق ناقوس الخطر لدى كل الأمريكيين من خطورة الوضع الذى وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، فالأمن لم يعد كما كان في الماضى، والأجهزة الأمنية الأمريكية بل ما تملكه من تقنيات حديثه، فشلت في حماية مرشح رئاسى ورئيس سابق، حولته هذه العملية إلى نجم أوحد على المسرح الانتخابى، ناهيك عن الانقسام الخطير داخل المجتمع الأمريكي وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات جنونية بالنسبة للأمريكيين، حدث ذلك دون أن يجد بايدن حلاً لها.
كما أن بايدن فشل فشلاً ذريعا في إدارة الملف الخارجي، وهو ما يهمنا هنا، فرغم الخبرات الكثيرة التي يمتلكها بايدن من بقائه عضوا لفترات طويلة في الكونجرس الامريكى، ثم نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما لثمانى سنوات، لكنه فشل في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية بالشكل المأمول، بل باتت واشنطن في كثير من المواقف أقرب إلى الاضحوكة، وغير المسيطرة على الموقف كما هو معروف عنها، وأقرب مثال على ذلك موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، فلم يفلح بايدن أن يضع حداً لهذه الحرب، مكتفياً بمساعدات عسكرية لكييف، لم تمنحها التفوق أمام الدب الروسى، ولم يستطع بايدن أن يقدم مبادرة واحدة لها الفاعلية في هذه الحرب، وهو ما جعل كثيرون من حلفاء واشنطن يفكرون في التحرك بعيداً عن الرعاية الأمريكية.
حتى في الشرق الأوسط، فقد تلاعبت الحكومة الإسرائيلية بإدارة بايدن، كما لم يحدث من قبل، وتسبب ذلك إلى زيادة الحرائق والتوترات في الشرق الأوسط، وبات رجل البيت الأبيض، في موقف ضعيف، فهو بدأ يفقد حلفاء واشنطن التقليدين في الشرق الأوسط، وفى نفس الوقت سار في سياسة دعم تل أبيب إلى النهاية، دون أن تقدم له الأخيرة ما يستطيع أن يرضى به حلفائه بالمنطقة، والنتيجة كانت اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط التي تحولت بفضل السياسة عديمة الجدوى لبايدن إلى منطقة مشتعلة.
كل هذا دعا الديمقراطيين منذ فترة للتفكير في إيجاد بديل لبايدن، وربما جاءت مناظرته الأخيرة مع ترامب والتي وصفها الديمقراطيين بالكارثية، لتمنح رموز الحزب الديمقراطى الفرصة للضغط على بايدن للتنحى وترك الفرصة لشخصية ديمقراطية أخرى تكون قادرة على إعادة البريق للحزب الديمقراطى وللولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك فإن قرار تنحى ترامب لم يكن ضربة موجهة إلى بايدن، بقدر ما كانت إعلانا أمريكيا صريحا وواضحا بضعف سياساتها طيلة السنوات الأربع الماضية، وأن هذه السياسة الفاشلة أوصلت واشنطن إلى الشكل التي هي عليه الآن، وكل أمل الديمقراطيين أن يستعيدوا أولاً الثقة في انفسهم، لكى يستعيدوا ثقة الأمريكيين بهم، ليكونوا قادرين على مواجهة ترامب، الذى أصبح مثل الحصان الجامح الذى لا يستطيع أحد ايقافه، مستغلاً أخطاء وهفوات بايدن للبناء عليها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق