السودان أمام مفترق طرق.. وتأسيس «الدولة الوطنية» الحل الوحيد

الأحد، 21 يوليو 2024 11:45 ص
السودان أمام مفترق طرق.. وتأسيس «الدولة الوطنية» الحل الوحيد

على مدار التاريخ عصفت بالسودان أزمات طاحنة، فمنذ استقلاله ويسعى أبناء «بلاد النيلين»، على صياغة مشروع وطني حاكم يؤسس للدولة السودانية الحديثة؛ لكن باءت كل محاولات النخب السودانية التي حكمت البلاد باختلاف توجهاتها كافة بالفشل الذريع، ما أوجد خللًا بنيويًا تمثل في غياب نموذج الدولة الوطنية.
 
في دراسة حديثة للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، سلط المركز المصري الضوء على أزمة السودان الراهنة، مشيرا إلى أن الحرب في السودان، ما هي إلا حلقة في سلسلة من الأزمات الطاحنة التي عصفت بـ السودان منذ استقلاله، ورأت الدراسة، أن هناك أسباب حقيقية لتلك الأزمات العاصفة، التي دائمًا ما هددت وحدة وتماسك السودان وسلامته الإقليمية واستقراره الداخلي على مدار العقود الماضية.
 
وبحسب الدراسة، فإن لعنة الموارد الطبيعية، كانت أحد تلك الأسباب، فالسودان بجانب أنه مثل نموذجًا حيًا لما يُطلق عليه في أدبيات فقه التنمية الأفريقي لعنة الموارد، بجانب مساحته الجغرافية العملاقة وموقعه الفريد الذي جعل منه نقطة تماس إقليمية شديدة الأهمية خلقت مطامع فيه، وجعلته فريسة لتكالب خارجي بحثًا عن المواد الطبيعية المهولة.
 
كل تلك العوامل- ولا يزال الحديث للدراسة- مع أهميتها أن تُصبح ثانوية أمام الاختبار الحقيقي، الذى فشلت فيه كافة النخب السودانية التي حكمت السودان منذ استقلاله باختلاف توجهاتها، ألا وهو الفشل في صياغة مشروع وطني حاكم يؤسس للدولة السودانية الحديثة؛ مما أوجد خللًا بنيويًا تمثل في غياب نموذج الدولة الوطنية.
 
ووفقا للدراسة فإنه منذ استقلال السودان أسهمت عوامل عدة في إخفاق الحكومات والنخب السودانية في صياغة مشروع وطني سوداني يؤسس للدولة الوطنية في مقدمتها، استئثار المركز النيلي بمُقدرات السلطة والثروة: فقد عمد المركز الحاكم في الوسط النيلي إلى انتهاج الممارسات الاحتكارية والإقصائية الموروثة من العهد الاستعماري البريطاني، وتزامن هذا مع الغياب التام للإرادة السياسية من النخب السودانية الحاكمة في صياغة أطر عادلة لكيفية تقاسم السلطة والثروة بين المركز والأطراف، وهو ما أدخل السودان في أتون حروب أهلية.
 
ومثلت أزمة تشكيل الهوية الوطنية السودانية الجامعة، ثان الأسباب الرئيسية للأزمات الطاحنة التي مرت ببلاد النيلين، إذ يحظى السودان بتنوع وتعدد عرقي وثقافي ولغوي فريد من نوعه لا أن هذا التعدد لم يكن موطن قوة وإثراء للهوية الوطنية في السودان كما هو مُفترض، بل فشلت النخب الحاكمة السودانية فشلًا ذريعًا منذ استقلال السودان أمام اختبار إدارة هذا التنوع والتعدد، والذى كان بمثابة قنبلة موقوتة انفجرت في وجه الحكومات السودانية المتعاقبة؛ مما أوجد أزمة هوية داخل المجتمع، والتي أصبحت من أبرز معاول هدم الداخل السوداني، ومصدرًا للعديد من الأزمات الطاحنة.
 
وبحسب الدراسة، فإن التركة الاستعمارية والتكالب الخارجي على السودان: مثل السودان نموذجًا مُصغرًا، وتجسيدًا حيًا للأزمات التي خلفها الاستعمار في القارة الأفريقية، طمعًا في مقوماته ومُقدراته؛ الموقع الجغرافي المُميز، الثروات الطبيعية الهائلة. وقد حُسم هذا الصراع الاستعماري على السودان لصالح الامبراطورية البريطانية، والتي فكرت في كيفية الاستفادة من هذا التنوع والتعدد العرقي والثقافي في بسط سيطرتها على كامل الإقليم السوداني، فبدأت تمارس سياسات من شأنها تكريس النزعات الإثنية والعرقية والثقافية في أرجاء السودان، وتغذية مشاعر الاختلاف والانفصال بين كافة أقاليم السودان.
 
واختتمت الدراسة أنه من خلال التشخيص السابق للجذور والأسباب التي حالت دون صياغة وتدشين مشروع وطني سوداني والذى يُعد الصراع الدائر حاليًا هناك أحد أبرز تداعياته ونتائجه، وليس الصراع الحالي فحسب، بل كافة الصراعات التي مزقت السودان وأهدرت مُقدراته، فالسودان الآن أمام مُفترق طرق، يفرض على نخبه السياسية باختلاف توجهاتها أن تجتمع على كلمة سواء، وأن تتخلص من انتماءاتها وتوجهاتها ومصالحها الضيقة لصالح وقف هذه الحرب الكارثية -التي يكفل استمرارها نهاية وشيكة لدولة السودان- وأن تلتقى الإرادة السودانية القومية على وضع أسس راسخة لدستور وطني يكون بمثابة قاعدة أساسية لتشكيل هوية وطنية سودانية عابرة للاختلافات الثقافية والعرقية والجهوية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق