الانحياز الأعمى.. فلسطين وأوكرانيا تفضحان السياسات الغربية المنحازة
السبت، 20 يوليو 2024 07:17 ممحمود على
- نقلا عن العدد الأسبوعي- النسخة الورقية:
- الغرب يتضامن مع كييف ويدعمها سياسيا وعسكريا وماديا.. ويترك الاحتلال الإسرائيلى يقتل الاف الفلسطينيين الأبرياء
- رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز: إذا قلنا لشعبنا إننا ندعم الأوكران لأننا ندافع عن القانون الدولى فيتعين علينا أن نفعل الشىء نفسه مع غزة
- رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز: إذا قلنا لشعبنا إننا ندعم الأوكران لأننا ندافع عن القانون الدولى فيتعين علينا أن نفعل الشىء نفسه مع غزة
فضحت الحربان الإسرائيلية على قطاع غزة، والروسية الأوكرانية، مدى ازدواجية المعايير التى ينتهجها المجتمع الدولى وبالأخص العالم الغربى فبينما ظهر دعمه اللا محدود للأوكرانيين خلال حربهم مع روسيا، كان عجزه وصمته المريب واضحا للعيان مع استمرار العدوان الإسرائيلى على القطاع المحاصر للشهر العاشر على التوالى.
ولم تقف الشواهد التى تؤكد انتهاج المجتمع الدولى سياسة مزودجة للمعايير فى التعامل مع أزمات العالم عند هذا الحد، بل تعددت المواقف التى عكست حجم الدعم العسكرى بالأسلحة والمعدات الثقيلة لأوكرانيا لاستمرار مقاومتها فى الحرب الدائرة مع الروس، فى المقابل كان
الموقف متقلبا ومختلفا بشكل يؤكد التناقض، فبدلا من أن يكون الدعم الأوروبى والأمريكى موجها للفلسطينيين لمواجهة الحملة الغاشمة على غزة، على غرار ما يحدث مع كييف، كان كل الدعم المادى والمعنوى والعسكرى متوجها لإسرائيل لتستمر فى ارتكاب جرائمها اليومية بالقطاع المحاصر.
كل هذا التناقض دفع العالم إلى طرح أسئلة مهمة على الدول الغربية وتوجيه اتهامات لها بممارسة سياسة مزدوجة واتخاد مواقف مختلفة تماما تجاه القضيتين الفلسطينيية والأوكرانية، وعلى رأس هذه الدول، الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وبريطانيا، وكذا فرنسا، لماذا كل هذا التضامن مع أوكرانيا وتجاهل ما يحدث فى فلسطين؟! لماذا تتسارع الدول الغربية لانتقاد أى جريمة فى أوكرانيا، بينما تلتزم الصمت تجاه الجرائم المرتكبة فى غزة؟! لماذا يستمرون فى دعم الشعب الأوكرانى وحكومته بالأموال والأسلحة للتصدى للروس بينما فى غزة يدعمون المعتدِى بالأسلحة والأموال للقضاء على المجنى عليه (الشعب الفلطسينى)؟!
كل هذه الأسئلة، وضعت المجتمع الدولى فى موقف حرج، فبينما كانت التساؤلات تطرح كثيرا فى الشرق الأوسط على خلفية ترك القضية الفلسطينية وتجاهل تداعيات استمرار معاناة الشعب الفلسطينى سنوات وسنوات حتى انفجر الوضع هناك، بدأت تنتقل حالة القلق جراء استمرار التباين والتناقض إلى جميع دول العالم، وهو ما دفع إسبانيا إلى مطالبة الغرب بعدم اتباع سياسة «الكيل بمكيالين» فى أوكرانيا وغزة.
رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز كان واحدا من زعماء دول العالم الذين رأوا ضرورة تغيير النهج الدولى فى التعامل مع الأزمات الدولية، منتقدا سياسة المعايير المزدوجة التى تنتهجها الدول الغربية تجاه غزة وأوكرانيا، وقال: «إذا قلنا لشعبنا إننا ندعم أوكرانيا لأننا ندافع عن القانون الدولى فيتعين علينا أن نفعل الشىء نفسه فى ما يتعلق بغزة».
ووضعت سياسة الكيل بمكيالين، الولايات المتحدة والدول الغربية فى موقف لا تحسد عليه فى معاركها الدولية مع روسيا، فوفقا لما أكدته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قبل أشهر، فإن دول جنوب العالم رأت أيضا أن هناك ازدواجية للمعايير فى تعامل الغرب مع الوضع فى قطاع غزة وأوكرانيا، الأمر الذى أضر بمحاولات الغرب - بقيادة الولايات المتحدة - لاستعداء العالم ضد روسيا، موضحة أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن كانت تنتقد روسيا خلال العامين الماضيين بسبب عملياتها الخاصة فى أوكرانيا، لكن دعم واشنطن الثابت لإسرائيل فى قصف قطاع غزة، أدى إلى إجهاض جهودها فى كسب الرأى العام العالمى.
وكانت من الدول التى ألقت باللوم على المجتمع الدولى، جراء هذا التناقض، البرازيل وإندونيسيا وبعض الدول اللاتينية الأخرى، التى رأت أن سياسة الغرب وازدواجياتها تجاه ما يحدث فى أوكرانيا وغزة سيزيد من تعقيد التعاون الدولى فى الكثير من القضايا الأخرى، حيث أدان رئيس إندونيسيا، جوكو فيدودو، «الظلم المستمر بحق الشعب الفلسطينى»، فى حين أعرب مندوب البرازيل لدى الأمم المتحدة عن خيبة أمله من الاعتراض الأمريكى على مشاريع قرارات فى مجلس الأمن الدولى تدعو إلى وقف الحرب فى غزة، فى الوقت الذى تستمر فيه الدول الغربية فى دعم أوكرانيا بالسلاح والعتاد.
وقفوا مع أوكرانيا ودعموا «المعتدِى» بالأسلحة لارتكاب جرائم فى غزة!
ويعتبر الدعم العسكرى الغربى لإسرائيل فى حربها على غزة، من بين أكثر المواقف الدولية تطرفا، والتى كشفت زيف خطاب أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى، والتى طالما نادت بضرورة وقف الحرب الروسية الأوكرانية وشن حملة تستهدف إصدار عقوبات ضد موسكو لإعاقتها عسكريا، ومنعها من مواصلة معاركها فى أوكرانيا، لكن فى الوقت نفسه تتلقى إسرائيل مساعدات أمريكية وغربية بالجملة منذ شن عدوانها على غزة أكثر من أى دولة أخرى.
ومنذ السابع من أكتوبر، أعلنت إدارة بايدن عددا من الصفقات العسكرية الكبيرة لإسرائيل، حيث وافقت على بيع ما يقرب من 14 ألف خرطوشة، ومعدات ذخيرة دبابات لإسرائيل، بقيمة 106.5 مليون دولار، وبيع قذائف مدفعية 155 ملم، ومعدات ذات صلة بقيمة 147.5 مليون دولار، فيما أكد مسئولون أمريكيون أن هناك أكثر من 100 صفقة أخرى.
من بين الأسلحة التى تم بيعها واستخدمتها إسرائيل فى عدوان غزة، ذخائر دقيقة التوجيه، وقنابل ذات قطر صغير، وصواريخ خارقة للتحصينات، وغيرها من المساعدات الفتاكة، ووفق ما أكده موقع قناة الحرة نقلا عن محللين مستقلين، إن العديد من الأسلحة المستخدمة فى غزة تبدو وكأنها قنابل تزن 1000 أو 2000 رطل مثل مارك 84، والتى يمكن تحديثها باستخدام مجموعات JDAM (ذخائر الهجوم المباشر المشترك) المصنعة من قبل بوينغ لتصبح أسلحة دقيقة، كما سمحت إدارة بايدن فى مارس الماضى بنقل 1800 قنبلة MK84 زنة 2000 رطل و500 قنبلة MK82 زنة 500 رطل، كما أذنت وزارة الخارجية أيضا بنقل 25 طائرة مقاتلة ومحركات من طراز F-35A.
بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قدّمت دول غربية عدة دعما عسكريا لإسرائيل منذ بدء عدوانها على غزة، وتراوح هذا الدعم بين تزويدها بمعـدات وذخائر عسكرية ونشر سفن حربية وتقديم معلومات استخبارية، من جانبها أعلنت الحكومة البريطانية نشر تجهيزات عسكرية للمراقبة البحرية والجوية وسفينتين فى شرق البحر المتوسط دعما لإسرائيل، أما ألمانيا، فوضعت تحت تصرف الاحتلال طائرتين مسيرتين حربيتين من طراز «هيرون تى بى» تحمل كل منهما طنا من الذخائر.
وفى السياق ذاته، قال وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو إنّ بلاده لم يُطلب منها تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل، فيما قدمت باريس دعما استخباراتيا لتل أبيب، وفقا لـ«الحرة».
مواقف أخرى متناقضة
الدعم الغربى لأوكرانيا ومقابله إظهار اللامبالاة فى غزة، ظهر واضحا خلال مواقف الدول الغربية من بعض الوقائع فى أوكرانيا والمجازر فى غزة، فالرئيس الأمريكى جو بايدن وصف - فى وقت سابق - قصف مستشفى ماريوبول بأنه «غضب العالم»، بينما ظل صامتا هو والكثير من قادة الدول الأخرى عندما أدى القصف الإسرائيلى والحصار المستمر منذ أكتوبر الماضى إلى عجز كل مستشفيات غزة وإيقافها عن العمل.
كما سارع الغرب لإدانة ما حدث فى بوتشا بأوكرانيا، ووصفوها بأنها جريمة إبادة جماعية، لكنهم فى الوقت ذاته لم يصفوا قصف إسرائيل لمستشفى المعمدانى أو فيما حدث بمخيم جباليا أو ما حدث فى المواصى بأنه جريمة إبادة، كما رفض أغلبهم حتى الدعوة إلى وقف إطلاق النار فى غزة، لا سيما مع استخدام الولايات المتحدة الأمريكية «الفيتو» فى مجلس الأمن أكثر من مرة، رغم استشهاد ما يقارب من 38 ألف مدنى فلسطينى أغلبهم من الأطفال والسيدات وكبار السن.
امتدت المعايير المزدوجة حتى وصل الأمر إلى قيام واشنطن وبروكسل بفرض عقوبات صارمة على موسكو، أبرزها حظر النفط، والقيود التجارية والمصرفية، وتجميد أصول بعض الروس على خلفية الحرب الأوكرانية، فى المقابل لم يحدث مثل تلك الأمور من كل دول الغرب ضد إسرائيل.
هل القانون الدولى الإنسانى فى أوكرانيا مختلف عن غزة؟!
والتناقض الغربى لم يقف عند التباين والاختلاف فى تقديم الأسلحة فحسب، بل امتد أيضا إلى معاملة الولايات المتحدة وأوروبا للفارين من جحيم الحرب، فمنذ بداية الحرب فى أوكرانيا، فتحت أوروبا أبوابها أمام الملايين من اللاجئين الأوكرانيين، فى حين لم ينتقد الغرب معاملة تل أبيب المخزية مع المهاجرين والنازحين والفارين من الحرب فى غزة من حى إلى آخر، ورغم هذا التناقض وجحيم القصف الإسرائيلى لا يزال يتمسك الفلسطينيون بأرضهم.
وظهر واضحا استخدام الدول الأوربية وأمريكا القانون الدولى وفق مصالحها، حيث دافعت واشنطن عن حق أوكرانيا فى الدفاع عن نفسها ضد الاجتياح الروسى قبل نحو عامين، فيما أيدت تصرفات إسرائيل غير المشروعة ضد غزة، واعتبرت دفاع الفصائل الفلسطينيىة عن القطاع نوعا من الإرهاب.
ومرارا حذرت قيادات فلسطينية من أن هذه الازدواجية فى المعايير هى التى تشجع إسرائيل على التمادى فى ارتكاب المزيد من الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطينى، وتنفيذ المزيد من مشاريعها الاستعمارية العنصرية، وتوفر لها الغطاء والوقت اللازمَين لحسم مستقبل قضايا الحل النهائى التفاوضية من جانب واحد، وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، فى بيان، إن الشعب الفلسطينى ليس ضحية الممارسات الإسرائيلية فقط، وإنما أيضا ازدواجية المعايير الدولية التى سقطت سقوطا مدوّيا أمام اختبار الإنسانية، وأمام حماية المدنيين الفلسطينيين.
وأدانت الوزارة القصف المتواصل بالطائرات الحربية الإسرائيلية وتدمير المنازل والأبراج والمنشآت السكنية فى عموم قطاع غزة فوق رؤوس المواطنين، منددة باستهداف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والدفاع المدنى وطواقمها جميعا، معتبرة أن استهتار إسرائيل المتواصل بالقانون الدولى لحقوق الإنسان، يؤدى إلى تعميق دائرة النزوح القسرى فى صفوف المواطنين وتوسيعها، ودفعهم إلى مربعات أخرى مليئة بمخاطر الموت والقتل، فى محاولة مستميتة لتفريغ قطاع غزة من سكانه.
وبينما ظهر حكام العالم الغربى صامتين عن المجازر المرتكبة فى غزة، انتفضت شعوبهم تعاطفا مع الفلسطينيين بالقطاع مع أدى إلى تسجيل الكثير من المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة لاستمرار العدوان، حيث نادات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) من إسرائيل بدعم مقاطعة تل أبيب كشكل من أشكال التضامن العالمى مع نضال الشعب الفلسطينى من أجل نيل حقوقه المشروعة فى حق تقرير المصير.
الدعم الغربى لإسرائيل فى المحاكم الدولية عكس حجم التناقض، ففى 25 مايو الماضى، كانت للإدارة الأمريكية تصريحات عكست حجم التناقض فى التعامل مع القضيتين، فعندما سُئل وزير الدفاع الأمريكى عن دعم بلاده للمحكمة الجنائية الدولية بشأن عملها فى أوكرانيا، قال «إننا سنظل نتعاون مع القضاء الدولى للتحقيق فى الجرائم المرتكبة بكييف»، فى الوقت نفسه أكد أن واشنطن ستستمر فى دعم إسرائيل فى معركتها أمام المحاكم الدولية، على الرغم من أن الأخيرة متهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية فى غزة.
ولم يُبدِ وزير الدفاع أى توضيح بشأن هذا التناقض، إلا أنه أكد «فيما يتعلق بمسألة ما إذا كنا سنواصل تقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية وفيما يتعلق بالجرائم المرتكبة فى أوكرانيا أم لا، نعم نحن نواصل هذا العمل»، مؤكدا أن الدعم الأمريكى لإسرائيل «لا يزال راسخا»، وعند تقديم طلبات للمتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى جون كيربى للتوضيح والرد عن سؤال عما إذا كان هناك تناقض فى موقف واشنطن تجاه الحرب التى تشنها روسيا فى أوكرانيا والحملة العسكرية الإسرائيلية فى غزة، قال المتحدث إن «الفرق هو اختلاف النوايا»!
ولاقت تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى سخرية واسعة، إذ اعتبرها مدونون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى إنها تعبر عن حجم التناقض الأمريكى، وتكشف عن الاستمرار فى سياسة الكيل بمكيالين، وجاء التفسير الأمريكى لهذا التناقض مثيرا للجدل أكثر، إذا قال المتحدث إن «هدف الحرب الفعلى للرئيس الروسى فلاديمير بوتين هو قتل الشعب الأوكرانى البرىء»، واصفا الاستهداف المتعمد للبنية التحتية المدنية بأنه «فى استراتيجيته العملياتية»، بينما على النقيض قال إن الحرب الإسرائيلية على غزة، والتى أسفرت عنها خسائر فى صفوف المدنيين «غير مقصودة»، موضحا أن جنود الجيش الإسرائيلى لا يستيقظون فى الصباح لتنفيذ أوامر مباشرة بالذهاب لقتل المدنيين الأبرياء فى غزة»!
الأمم المتحدة: حجم الدمار فى غزة أكبر من أوكرانيا
وكان مسئول بعمليات نزع الألغام فى الأمم المتحدة عن قطاع غزة، أكد أن كمية الأنقاض والركام التى تتوجب إزالتها فى غزة، أكبر مقارنة بأوكرانيا، رغم حجم القطاع الصغير، موضحا «لفهم مدى ضخامة الأمر، جبهة القتال فى أوكرانيا تبلغ 600 ميلا (نحو 1000 كيلومتر) فى حين أن غزة لا يزيد طولها على 25 ميلا» وهى كلها جبهة قتال.
ووفقا لتقدير أجرته الأمم المتحدة فى منتصف أبريل الماضى، بلغ حجم الأنقاض فى غزة 37 مليون طن، أو 300 كيلوجرام لكل متر مربع، وقال مسئول الأمم المتحدة «يُعتقد أن هذه الأنقاض تحتوى على عدد كبير من القنابل غير المنفجرة، وسيكون تنظيفها أكثر تعقيدا بسبب المخاطر الأخرى الموجودة فى الركام»، وقال «نقدر أن هناك أكثر من 800 ألف طن من الأسبستوس، فى حطام غزة وحدها»، وهذه المادة الخطرة للصحة تتطلب احتياطات خاصة، وعبّر بيرتش عن أمله فى أن تكون دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام فى نهاية المطاف «قادرة على أن تكون هيئة تنسيق لإزالة الألغام فى غزة وتأسيس فرقنا الخاصة لتفكيك الألغام والقنابل».