هل يغير قرار العدل الدولية واقع الحرب والمجازر في فلسطين؟
السبت، 20 يوليو 2024 11:03 ص
بعد 285 يومًا من العدوان على فلسـطين وغـز ة، وبعد محاصرة وتهجير وتشريد أكثر من مليوني إنسان داخل سجن مفتوح، ومنع كافة سبل الحياة عنهم، حتى ماتوا جوعًا وعطشًا ومرضًا، وقصفهم بآلاف الأطنان من المتفجرات التي لم يسبق استخدامها في قتل الأبرياء على مر التاريخ، وسقوط أكثر من 300 ألف فلسـطيني بين قتيل وجريح ومفقود، دون اكتراث بالقوانين والمواثيق الدولية والأُممية، وفي تحدٍّ وقِحٍ للقيم الأخلاقية والإنسانية؛ ورغم قرارات محكمة العدل الدولية الا ان الاحتلال يضرب عرض الحائط بكل هذه القرارات مستمرا في جنونه .
قرارات محكمة العدل الدولية
وأبدت محكمة العدل الدولية أمس، الجمعة، رأيها في العواقب القانونية التي تترتب على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 .
وقدم عدد قياسي بلغ 52 دولة الدفوع والحجج أمام المحكمة في فبراير الماضي لكشف العواقب القانونية لتصرفات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية بعد أن طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022 مشورة المحكمة.
الغريب أن أي رأي تصدره أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة لن يكون ملزما، ولكنه يأتي وسط ضغوط قانونية دولية متزايدة على إسرائيل بشأن الحرب في قطاع غزة ، وقد يؤدي رأي المحكمة تبعا لذلك إلى زيادة الضغوط السياسية عليها بسبب حربها المدمرة والمستمرة منذ 9 أشهر على القطاع.
والمحكمة التابعة للأمم المتحدة هي المحكمة الدولية الوحيدة التي تفصل في النزاعات بين الدول وتقدم آراء استشارية في القضايا القانونية الدولية
رأى استشاري غير ملزم
وأفادت محكمة العدل الدولية خلال جلسة لإعلان رأيها الاستشاري بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني وإنها ملزمة بإنهاء وجودها فيها بأسرع وقت ممكن
والسوابق الدولية تؤكد أن قرارات العدل الدولية تكون غير ملزمة لا لإسرائيل ولا للأمم المتحدة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة والمصالح الدولية، ففي 31 ديسمبر 2022، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار "رأي استشاري" غير ملزم بشأن "التبعات القانونية الناشئة من سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية"
وكانت الولايات المتحدة شددت على وجوب عدم إلزام إسرائيل قانونا بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة بدون أن تحصل على ضمانات أمنية
وحذر المتحدثون خلال جلسات الاستماع التي عقدتها المحكمة في فبراير الماضي، من أن استمرار الاحتلال لفترة طويلة يشكل "خطرا شديدا" على الاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه الا ان الاحتلال استمر في حربه المجنونة دون رادع .
الرئاسة الفلسطينية تعتبره انتصار
واعتبرت الرئاسة الفلسطينية في بيان لها أن قرار المحكمة انتصار للعدالة، حيث أكدت أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، وأن على إسرائيل وقف احتلالها وإنهاء وجودها في الأراضي الفلسطينية، والوقف الفوري لأي نشاط استيطاني وإجلاء المستوطنين، وتعويض الخسائر المادية والمعنوية للأفراد في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
ودعت الرئاسة الفلسطينية المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل وهي القوة القائمة بالاحتلال، بإنهاء احتلالها ومشروعها الاستعماري بشكل كامل وفوري دون قيد أو شرط .
واعتبرت قرار محكمة العدل الدولية الذي أكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في أرضه ودولته، رفضا للاحتلال ولقرار الكنيست الإسرائيلي الأخير وللسياسات الأمريكية التي تدعم إسرائيل في احتلالها والرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية .
وقالت الرئاسة إن القرار يجدد الأمل لدى الشعب الفلسطيني بمستقبل خال من الاستعمار على طريق نيل حقه المطلق وغير القابل للتفاوض في تقرير المصير والتحرر .
وجددت في بيانها التأكيد على ضرورة إنهاء سياسة الإفلات من العقاب التي سمحت لإسرائيل بإنكار حق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره لأكثر من 76 عاما، وتجذر سياسات الفصل العنصري والاضطهاد، وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي تتكشف الآن أمام أعين العالم في غزة وفي جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
وثمنت الرئاسة الفلسطينية مواقف الدول التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني، مشددة على أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عليها الالتزام بقرار المحكمة الذي دعا إلى عدم الاعتراف بالوجود غير الشرعي للمستوطنات في الاراضي الفلسطينية، وعدم اعتراف المنظمات الدولية بشرعية الوضع القائم والوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي المحتلة، ومطالبة الجمعية العامة ومجلس الامن بدراسة التدابير الإضافية الآيلة إلى وضع حد للوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة
سياسيون وبرلمانيون مصريون يعتبرونه انتصار للقضية
فيما اعتبر سياسيون ونواب مصريون أن قرار محكمة العدل الدولية، يمثل انتصار لصمود الشعب الفلسطيني ولجهود الدولة المصرية التي لا تتوقف على كافة المستويات من أجل دعم الشعب الفلسطيني الشقيق وإنقاذ حياته
ويعد قرار محكمة العدل الدولية تتويج للرفض الدولى لإسرائيل، وقال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إن أوامر محكمة العدل الدولية ملزمة لجميع الأطراف، كما كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قد أكد أنه سيحيل الإخطار بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن بشأن الحرب على غزة .
وأشاد المهندس حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، بقرار محكمة العدل الدولية، مطالبا إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وانسحاب قواتها، ضمن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، مشيرا إلي أهمية هذا القرار في تحقيق مزيد من الضغط علي دولة الاحتلال للتراجع عن اجتياح مدينة رفح الفلسطينية، خاصة أنه يأتي في أعقاب إعلان ٣ دول أوروبية اعترافهم الرسمي بدولة فلسطين، فضلا عن طلب المدعي العام كريم أحمد خان في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيره بيني جانتس، لتجد إسرائيل نفسها في عزلة دولية غير مسبوقة.
وأشار إلي أن القرار قد يؤدي إلي تراجع الدعم الغربي لإسرائيل، خاصة بعد إعلان المحكمة في وقت سابق أن الدول التي تمد إسرائيل بالأسلحة ، أو توفر لجرائمها الغطاء السياسي يمكن اعتبارها متورطة أيضا في هذه الجرائم، وهو ما دفع الولايات المتحدة للإعلان عن أنها لن تستمر في تزويد إسرائيل بأنواع معينة من الأسلحة في حال شن جيش الاحتلال هجوما عسكريا على مدينة رفح الفلسطينية
ودعا عضو مجلس الشيوخ، المجتمع الدولي بالتحرك من أجل تنفيذ قرار محكمة العدل، ووقف الهجوم العسكري الإسرائيلي وأي عمليات عسكرية شاملة أو محدودة في مدينة رفح من شأنها تعريض الفلسطينيين لظروف معيشية صعبة لما في ذلك من محاولات لتعطيل مسار العدالة الدولية
فيما رحب حزب الحرية المصرى؛ برئاسة الدكتور ممدوح محمد محمود بأمر محكمة العدل الدولية إلى اسرائيل بوقف هجومها على رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، وفتح معبر رفح أمام المساعدات الانسانية؛ مع تقديم تقرير بذلك فى غضون شهر.
وقال الدكتور ممدوح محمد محمود إن قرارات محكمة العدل الدولية تمثل إجماعا دوليا بوقف العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني الذى يتعرض إلى أبشع جرائم حرب إبادة جماعية؛ في ظل صمت تام من أمريكا والدول الكبرى؛ تستوجب ضرورة تدخل مؤسسات المجتمع الدولي وفى مقدمتها مجلس الأمن للضغط على تل أبيب؛ لوقف تلك المجازر؛ واتخاذ الاجراءات القانونية لملاحقة المسئولين الاسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية
ومن جانبه اعتبر الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي العام، أن الأمر الجديد الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن الوضع في قطاع غزة، والذي جاء استجابة لطلب جنوب أفريقيا بتعديل التدابير المؤقتة السابقة في ضوء التطورات الأخيرة على الأرض، يعد خطوة هامة لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للقانون الدولي الإنساني، وإنقاذ حياة المدنيين الفلسطينيين من ويلات الحرب.
ولفت مهران إلى أن الأمر الجديد تضمن إجراءات عاجلة لوقف العدوان والحصار الإسرائيلي على غزة، كوقف الأعمال القتالية فوراً، وفتح المعابر، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والطواقم الطبية، وكفالة حرية حركة المدنيين، وهي إجراءات تهدف لتخفيف المعاناة الإنسانية الرهيبة التي يعيشها مليونا فلسطيني في القطاع جراء سنوات الحصار والحروب المتكررة
وأكد أستاذ القانون الدولي أن هذه الإجراءات تتسق مع أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949 المتعلقة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة، والتي تُلزم أطراف النزاع باحترام المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب، وضمان حصولهم على الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء والمأوى، وعدم تعريض حياتهم للخطر.
ورأى مهران أن هذه التدابير تشكل رادعاً قانونياً ومعنوياً لإسرائيل، التي طالما تمادت في انتهاكاتها دون أي اكتراث بالقانون الدولي أو بحياة المدنيين، معتمدة على حصانتها من المساءلة بسبب الدعم السياسي والعسكري الذي تتلقاه من حليفتها الولايات المتحدة.
ودعا الدكتور مهران الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تبني آليات فعالة لإلزام إسرائيل بالامتثال لقرار المحكمة وغيره من قرارات الشرعية الدولية، عبر فرض عقوبات اقتصادية وسياسية رادعة، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وعدم الاكتفاء بمجرد الشجب والاستنكار.
وشدد الخبير الدولي على أن استمرار الصمت الدولي على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومنها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الفصل العنصري، لن يؤدي إلا إلى تجرؤ إسرائيل على ارتكاب المزيد من الفظائع، وزعزعة الأمن والسلم الدوليين.
ودعا مهران الدول العربية إلى تكثيف دعمها السياسي والمادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، وتبني خطوات عملية لنصرة قضيته العادلة، والضغط باتجاه تفعيل نظام الجزاءات العربية ضد الكيان الصهيوني لإجباره على الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي.