مصر و الليبرالية

السبت، 13 يوليو 2024 04:00 ص
مصر و الليبرالية
حسام الدين على

الليبرالية هي فلسفة سياسية ترتكز على قيم الحرية والمساواة والعدالة والتي تطورت على مدى قرون، مستمدة إلهامها من التحولات الفكرية والاجتماعية التي شهدها العالم.
 
نشأت الليبرالية كحركة فكرية في أوروبا خلال عصر التنوير في القرن السابع عشر والثامن عشر، والذي ارتبط بانتشار قيم الحرية الفردية وحقوق الإنسان متأثرة بالعديد من الفلاسفة مثل جون لوك وجان جاك روسو، فمثلا أكد جون لوك في كتابه "رسالتان عن الحكومة"، على حقوق الحياة والحرية والملكية، وأسس لفكرة العقد الاجتماعي التي أصبحت حجر الزاوية في الفكر الليبرالي. 
 
وكذلك انتشرت مفاهيم جديدة لأول مرة مثل الحريات المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية الحديثة في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، مع قيام الثورات الليبرالية، مثل الثورة الأمريكية (1775-1783) والثورة الفرنسية (1789-1799). هذه الثورات غيرت الأنظمة السياسية وكانت أيضا ثورة فكرية كبيرة، ثم مع بداية القرن التاسع عشر انتشرت الأفكار الليبرالية في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، وتأثرت الحركات السياسية والاجتماعية بالليبرالية، مما أدى إلى المساواة و إلغاء العبودية تماما بل وتجريمها، وتوسيع حقوق التصويت، وتعزيز حقوق العمال. 
 
في القرن العشرين، تأثرت الليبرالية بالصراعات العالمية الكبري السياسية والاقتصادية والعسكرية، و بعد أن سقط الملايين ضحايا الحروب ظهر نظام عالمي جديد وتبنت العديد من الدول مبادئ الديمقراطية الليبرالية كأساس لنظمها السياسية.
 
ومع تأثيرات الاستعمار والتحديث في مصر تحت حكم أسرة محمد علي تم نقل النموذج الأوروبي وأصبح توجه النخبة المثقفة في مصر أوروبيا واصبحت تتفاعل مع الأفكار الليبرالية القادمة من أوروبا، مع التركيز على التعليم، والإصلاح القانوني، وتحديث البنية التحتية، وفي أوائل القرن العشرين، تعززت الحركة الليبرالية في مصر بالتزامن مع تصاعد الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني. وتأسس حزب الوفد في عام 1919 بقيادة سعد زغلول، والذي دعا إلى الاستقلال والديمقراطية والدستور، فقد كان حزب الوفد يمثل الاتجاه الليبرالي في السياسة المصرية، حيث ركز على إقامة نظام ديمقراطي دستوري وحماية الحريات المدنية، وهي أمور لم تكن لها شكل واضح من قبل، ويعود الفضل في صدور دستور ١٩٢٣ إلي الليبرالية المصرية التي تبناها وحارب من أجلها ليبراليون وديمقراطيون من حزب الوفد والحركة الوطنية الليبرالية المصرية، فقد أسس هذا الدستور لنظام ملكي دستوري يضمن حقوق المواطنين، وحرية الصحافة، والتعددية الحزبية. 
 
مثل هذا الدستور نقطة تحول مهمة نحو تبني المبادئ الليبرالية في الحوكمة والسياسة، وامتدت الفترة الليبرالية في مصر وشهدت العديد من التحديات والصراعات السياسية. رغم ذلك، كانت هذه الفترة مهمة لترسيخ المبادئ الليبرالية في المجتمع المصري من خلال الأحزاب السياسية والصحافة الحرة والنقابات. ومع ذلك، تعرضت الليبرالية لضغوط وتحديات من القوى الملكية والاستعمارية، بالإضافة إلى تصاعد التيارات السياسية الأخرى مثل الاشتراكية والقومية والدينية، وحدوث تغيرات سياسية واجتماعية وثقافية جعلت الليبرالية في مصر امام تحديات كثيرة، ولكن تظل القيم الليبرالية من حرية ومساواة وعدالة أساسية في تشكيل مستقبل مصر والعالم.

مهندس حسام الدين علي 
النائب الأول لرئيس حزب الحوار

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق