براءة سورة البقرة من موت أحمد رفعت
الجمعة، 12 يوليو 2024 04:00 ص
صباح السبت الموافق السادس من يوليو 2024 فُجع المصريون بإعلان خبر وفاة لاعب فريق مودرن فيوتشر لكرة القدم أحمد رفعت وهو ريعان شبابه، بعد صراع قصير مع مشكلة تتعلق بقلبه.
ولأن أحمد، رحمه الله، كان قد ظهر في برنامج تلفزيوني قبيل رحيله وقال: لقد تعرضت لضغوط تسببت في سوء حالتي الصحية!
فأن جملته تلك قد فتحت أبواب الجحيم على معظم العاملين في الحقل الكروي، فهؤلاء يتهمون أولئك، وأولئك يكيل الصاع صاعين لهؤلاء، وأصبحنا في فتنة لا يدري معها قاتل مَنْ قتله.
العجيب (الذي كاد يقتلني أنا) أن كثيرين تبرعوا بتقديم تفسير ديني لموت أحمد!
كثيرون فوق الحصر كتبوا على حساباتهم على منصتي فيس بوك وأكس: موت أحمد مذكور بالتفصيل في سورة البقرة وفي آية بعينها!
لا حول ولا قوة إلا بالله، ما علاقة سورة البقرة بحادثة موت لاعب شاب؟
ثم أين تلك الآية؟
تبرع بعضهم وذكر الآية الكريم وهي:" وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"
ما علاقة الآية الكريمة التي تقص حدثًا وقت في زمن رسول الله موسى بن عمران عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، بموت لاعب شاب؟
قالوا: إن الظهور الأخير لأحمد على شاشة التلفزيون حمل رسالة كشف فيها الذين ضغطوا عليه، وقتيل بني إسرائيل بعثه الله ليكشف سر قاتله!
إن لم يكن هذا هو التعسف فكيف يكون التعسف؟
هذا تأويل متعسف بل باطل من كل وجه من الوجوه، هؤلاء الذين يتبرعون دائمًا بتدين كل شيء وبجلب القرآن العظيم لساحات اليومي المختلف عليه، لم يمعن أحدهم النظر لا لمنطوق الآية ولا لسياقها ولا لزمانها.
لقد وجدوا آية كريمة تتحدث عن معجزة، فقاموا بمصادرتها لصالح تفسيرهم الخاص!
إن عامة مفسري القرآن الكريم يقولون: إن الآية تقول لبني إسرائيل: اذكروا حين قتَلتم نفسًا ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾؛ أي: فتدافعتم فيها واختلفتم، كل قبيلة تتهم الأخرى بقتلِها، وتنفي التهمة عن نفسها، وكاد يكون بينهم قتالٌ وفتنة بسبب ذلك، فأتوا موسى لعله يخبرهم، فقال لهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ فلما أطاعوا رسولهم بعد طول جدال وقاموا بذبح البقرة، ضربوا بجزء من البقرة جثة القتيل، فأحياه الله فذكر اسم قاتله.
هذا التفسير يكاد يكون مجمع عليه، وهو يبطل تأويل الذين يريدون البحث معجزة في موت اللاعب المسكين، رحمه الله.
يقول الشيخ الإمام محمد أبو زهره في كتابة زهرة التفاسير:" في العصر الحديث قرر المرحوم الأستاذ الكبير الشيخ عبد الوهاب النجار، أن قصة البقرة والقتيل قصتان سيقتا لغرضين مختلفين: أما الأولى فهي قصة البقرة، وهي قائمة بذاتها سيقت لبيان آثار العقائد المصرية في نفوس بني إسرائيل، ولجاجتهم في الامتناع عن ذبح البقرة متأثرين بتقديس المصريين للبقر.. والثانية سيقت لبيان أثر رؤية المقتول في نفس القاتل، وتأثره بذلك، وأنه يحمله على الاعتراف بالجريمة عندما يرى المقتول ويمس جسده.
يرى الشيخ النجار: أن الضمير في اضربوه ليس عائدًا على البقرة ، إنما هو عائد على جثة المقتول ، بمعنى فاضربوا القاتل الذي قام الاتهام على أنه القاتل ببعض جثة المقتول فإن ذلك يحمله على الاعتراف ، وإذا قام الاعتراف فقد قام الدليل الموجب للقصاص ، وبذلك القصاص يحيي الله تعالى من مات بالقصاص له .
هذا تفسير السادة العلماء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة القرآن الكريم وفي تأمله وفي تدبره، فهل يجوز في عقل عاقل أن نترك كلام هؤلاء السادة ثم نقرأ تأويل زيد وعبيد؟