رسالة إلى وزير الأوقاف: من فضلك أعد حماسة التجديد

الأربعاء، 10 يوليو 2024 03:58 م
 رسالة إلى وزير الأوقاف: من فضلك أعد حماسة التجديد
منال القاضي تكتب

 
تعد قضية «تجديد الخطاب الديني» من أهم القضايا التي  تطرح على الساحة الدينية، وتُرددها وسائل الإعلام على مدار السنوات الماضية، ورغم ذلك لم يجد في الأمر جديد، وسرعان ما تشتت «الخطاب» بين مجدد ومتعصب. 
 
وعقب تولي الشيخ أسامة الأزهري حقيبة وزارة الأوقاف، دب الأمل في رحلة جديدة نحو خطاب ديني متزن، قادر على مواجهة دعاوى التطرف والجهل.
 
تجديد الخطاب الدني ليس هجوماً على التراث، بل هو نظرة بموجب «لغة العصر» وحوادثه، بعيدة عن الجمود والتعصب، تتناسب مع ملاحقة التطور التكنولوجي واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، التي أصبحت سريعة، بل سريعة جدًا في تغيير الهوية، باستخدام خطاب لا يتوافق مع النصوص القرآنية، ولا الأحاديث النبوية، ولا مع اللغة العربية، ولا أي عقيدة سماوية، ولا أي لهجة عامية دارجة يفهمها رجل الشارع البسيط، ولا حتى اللفة الصحيحة المنضبطة، حتى صارت «لغة القرآن»، فتاهت هيبتها ووقار رجل الدين، بدعوى الحداثة ومواكبة اللغة الدارجة «الروشنة».
 
إن تجديد الخطاب الديني إرساء لقواعد العامة في المتجمع القوي؛ لغرس القيم الوطنية والدينية والحفاظ على الهوية؛ لتخلق إنسانًا راقيًا في تعامله مع احترام العقائد وقبول الآخر، ويعم بها السلام بين الأفراد والمجتمعات.
 
إن تجديد الخطاب يتفق مع الدين الإسلامي والسنة النبوية المشرفة، التي تحثنا على الآداب في التعامل، وتتضمن كل ما هو راقي ويتميز بتعاملات تظهر حقيقية الإسلام الوسطى الذي تأخذ منه دول الغرب، ويجعل منه أسلوباً صحيحاً في التعاملات، ويطبقها في البرتوكولات بين الأفراد والمؤسسات الحكومية، وهي في أصلها جميعًا منبثقة عن الإسلام، ويطلق عليها قواعد المجتمعات غير المسلمة.
 
وكما قال الإمام الشيخ محمد عبده، حينما سافر إلى باريس عام 1881، ثم عاد فيما بعد إلى مصر: «ذهبت الى الغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين، ولما عُدت إلى الشرق، وجدت مسلمين ولكنني لم أجد إسلامًا».
 
علينا تعظيم ثمرة الخطاب الديني وتجديده في صحوة الغافلين، والنهوض بالهمم نحو الإعمار ومعالجة الأسقام التي أصابت الأمة جراء الخطاب التكفيري الذى نفر المسلم وغيره، وكان سببًا في انزلاق الفكر والممارسة نحو القسوة والانفصال عن الواقع، مما أحدث انتكاسة وضعف وتدنى في مجالات الحياة المختلفة.
 
لقد غاب عن خطابنا الديني متطلبات العصر وحوادثه، وصار خطاباً يتناول قضايا بعيدة كل البعد عن الواقع وتحدياته ومشكلاته، بل وعن مسار النهضة والتطور الذي شغل العالم، مما أوجد فجوة كبيرة بيننا وبين دول تنامت مقدراتها وقدراتها بصورة شهد لها القاصي والداني، بعيدًا عن روح الدين المتجددة.
 
ولا شك أن تجديد الخطاب الديني ينتج عنه الوصول لفهم صحيح للنص، مع بساطة الطرح، ومخاطبة العامة بلغة بعيدة عن حقول العلم، ذات اللغة الرصينة، والمثقلة بالمتون واللألفاظ الجامدة، وهو ما يتطلب دراسة وتأن من باحثين يمتلكون مقومات فهمها، دون غيرهم، وهو ما يتطلب مراعاة توظيف التقنيات في تبسيط العرض، وتحفيز الفكر، والفهم، والاستيعاب، لدى العامة والخاصة فى المقروء والمرئي، وكذلك فتح باب الاجتهاد وغلقه على غير المختصين.
 
لابد أن نستثمر التقنية في نشر الخطاب الديني الوسطي لينعم مجتمعنا بالخير بين الناس بمختلف الديانات، من أجل مجتمع يسود الأمن والطمأنينة، إذا أحسن استخدم أدواتها في قوة  تنمية الوعى الصحيح، وتحقيق نجاحات يصعب حصرها، لأن فلسفتها تقوم على تعزيز الوجدان وتهذيب النفس عبر مداخل الأفهام السمعية والبصرية مجتمعة أو متفردة لتحدث الأثر الفاعل لدى الفرد والمجتمع.
 
إن روح الخطاب الديني تكمن في تغيير اللغة والأداء دون المساس بالثوابت والأصول، فديننا الإسلامي دين كل العصور، متجدد بذاته، ويراعي الزمان والمكان، ويرفع أخلاق الأمم، فالله كرمنا، وهو القائل جلّ علاه: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا".
 
حفظ الله مصر، وأزهرها وقيادتها السياسية، ووفق المخلصين من علمائنا  الأجلاء وأبنائها في إيصال رسالة الإسلام السمحة؛ ليتحقق الأمن الفكري من أجل نشر السلام للعالم، وليس مصر وحدها.
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق