نيل القاهرة يجري جنوبا..
دينا الحسيني تكتب: «معا لوقف الحرب في السودان».. مصر تطفئ حرائق الصراع في دولة الجوار
السبت، 06 يوليو 2024 06:39 م
لعبت مصر والسودان على مدى عقود أدوارا استراتيجية في الملفات ذات الاهتمام المشترك، أبرزها التحديات الأمنية، سواء المتعلقة بأمن الحدود أو الأمن المائي، وتتقاسم القاهرة والخرطوم كافة التحديات الأمنية والجيوسياسية. فهما جزءان من أمة واحدة تربطهما روابط تاريخية لم يتمكن أحد من تقويض قوتها على مر العصور، وسبق للرئيس عبد الفتاح السيسي أن أكد على أمن السودان واستقراره جزء لا يتجزأ من أمن مصر.
اليوم برهنت مصر مره أخرى على جدية مواقفها تجاه السودان وشعبه كأمن قومي واحد، باستضافتها «مؤتمر معا لوقف الحرب في السودان» بحضور القوى السياسية والمدنية السودانية في العاصمة الإدارية الجديدة، على أساس عقيدة حسن الجوار، ودخلت القاهرة في خط التهدئة لإطفاء نار الصراع المشتعل في السودان قبل تمدده، ومعالجة أسباب الصراع، ومساعدة السودان على تجاوز الصراعات والتقدم نحو الاستقرار والبناء.
منذ الأزمة السودانية في إبريل 2023 تركز موقف مصر الأساسي على ما يحدث باعتباره شأنا داخليا بين السودانيين وبعضهم البعض، واتجهت دورها مع الأطراف الأخرى كافة، لمساعدة السودانيين على إيجاد الحلول بأيديهم وعدم فرض حلول خارجية عليهم، وهو نفس الموقف الذي اتخذته القاهرة خلال تعاملها مع الأزمة الليبية واليمن وسوريا قبلها، وفي كل النطاقات المحيطة، هذه هي مواقف مصر الدبلوماسية الثابتة المبنية على مبدأ حسن الجوار، حتى مع الدول التي أبدت لنا العداء، ولم نخالف مبدأ حسن الجوار معهم، في الوقت الذي خالفوه فيه.
قبل عام وتحديداً 13 يوليو 2023، استضافت مصر «قمة دول جوار السودان»، في إطار مساعيها لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة في السودان، وكثفت القاهرة من اتصالاتها مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لاسيما الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة «الإيجاد»، لاتخاذ خطوات لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، وتجنيبه الآثار السلبية التي يتعرض لها، الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها، والحد من الآثار الخطيرة المستمرة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل، وإعادة توحيد الجيش السوداني لصد التهديدات الأمنية من عبور المقاتلين والأسلحة عبر الحدود، كلها دوافع تظهر اهتماما مباشرا للدول المجاورة للسودان بتهدئة الأوضاع، لأن الصراع يهدد إلى الدرجة الأولى اقتصاداتها.
من هذا المنطلق، ومن حيث الروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية، فإن دول الجوار للسودان، وعلى رأسها مصر، هي الدولة ذات النوايا الأكثر صدقا في التعامل مع السودان، وما يمر به من أحداث وتوترات تؤثر سلباً على تحقيق طموحات وتطلعات الشعب السوداني الشقيق، ولأن أي توتر في السودان له انعكاسات سلبية على دول جوار السودان، بعكس الأطراف الإقليمية والدولية التي قد تكون مهتمة بالتهدئة، ولكن لها مصالح أخرى قد تتعارض مع التهدئة أحيانًا.
وفي النهاية، إذا تطور الأمر في السودان إلى حد الصراع، فإن هذه الأطراف لن تتأثر بالبعد الجغرافي أو لقدرتها على تأمين مصالحها بعيداً عن دائرة الصراع، لكن دول الجوار هي الأقرب للأزمة ولديهم مصلحة حقيقية في التهدئة، ولذلك فإن النوايا الصادقة للقاهرة ودول جوار السودان لا مجال للشك فيها، وأي تحرك من جانبها يفترض أن يتم التعامل معه في إطار تقييم جدي وعقلاني، وهدفه تحريك النوايا الصافية لتحقيق استقرار السودان أولا وأخيرا.