العدالة الدولية عمياء حقًا

السبت، 06 يوليو 2024 04:03 م
العدالة الدولية عمياء حقًا
حمدى عبدالرحيم

قبل قرابة الشهرين، هاج العالم وماج، لأن السيد كريم خان، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، قدم للدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة طلبات لإصدار أوامر بإلقاء القبض على كبار قادة حركة حماس وجناحها العسكرى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، فى سياق أحداث 7 أكتوبر والحرب فى غزة.
 
انقسمت شعوب العالم تجاه طلبات السيد كريم إلى فرق عديدة. الفريق الأول صفق للعدالة، فها هو نتانياهو ووزير حربه يواجهان أخيرا تهما حقيقية من قبل محكمة أممية.
 
الفريق الثانى، رفض طلبات السيد كريم جملة وتفصيلا، بل قال: ومن يجرؤ على اتهام أخيار العالم وشعب الله بارتكاب جرائم حرب؟! وقد ذهب هذا الفريق فى رفضه إلى حد المطالبة بتوقيع عقوبات قاسية على المحكمة نفسها.
 
السيد كريم بنفسه اعترف بأنه تلقى تهديدا صريحا من قوى عظمى، وقد قالت له تلك القوى: المحكمة نحن صنعناها لمحاكمة قيادات العالم الثالث والمارقين الأوروبيين الذين على شاكلة الرئيس الروسى بوتين، ولكن أن يحاكم السادة البيض أو الشقر فكلا وألف كلا!
 
الفريق الثالث قال: لن تكون هناك محاكمات، والأمور كلها معنوية ورمزية، لأن الدول التى تتحالف مع الطرفين - كيان الاحتلال والمقاومة - ستحمى فريقها ولن تقوم باعتقاله وتسليمه للمحكمة!
 
للأسف غاب فريق رابع، كان حضوره سيعدل الموازين، وهو الفريق الذى كان سيقدم قراءة واعية وهادئة لمطالب السيد كريم.
 
مطالب السيد كريم، أنقلها بنصها من موقع الأمم المتحدة، جاء فيها: «قال السيد خان إن لديه «أسبابا معقولة» للاعتقاد بأن يحيى السنوار، قائد حماس فى قطاع غزة، ومحمد الضيف، القائد الأعلى للجناح العسكرى لحماس (كتائب القسام)، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، يتحملون مسئولية جنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد إنسانية ارتكبت منذ أكتوبر 2023 على الأقل.
 
وتشمل هذه الجرائم الإبادة، والقتل العمد، والاغتصاب وأعمال العنف الجنسى الأخرى، والتعذيب، وغيرها من الأعمال اللا إنسانية مثل الجرائم ضد الإنسانية، وأخذ الرهائن، والمعاملة القاسية، والاعتداء على الكرامة الشخصية باعتبارها جرائم حرب».
 
نحن نستمع لكلام من رجل قانون أممى، يعنى هذا الكلام ليس صادرا عن سياسى أو صحفى، السيد كريم بعد بحث استغرق شهورا خلص إلى اتهام المقاومة بتسع تهم.
 
التهمة الأولى هى: الإبادة!
 
دولة الاحتلال بلسانها قالت: لم يقتل منا أكثر من ألفين، ونحن قتلنا أكثر من أربعين ألفا، غير آلاف تحت الأنقاض، ثم يتحدث السيد كريم عن قيام المقاومة بأعمال الإبادة!
 
إذا كان قتل المقاومة لألفين من جنود وضباط العدو إبادة فما هى التسمية الحقيقية لقيام دولة الاحتلال بقتل عشرات آلاف الفلسطينيين المدنيين؟
 
وإذا كان الكلام عن المدنيين الذين قتلوا يوم السابع من أكتوبر، فما أكثر الروايات الإسرائيلية التى أكدت أن جيش الاحتلال هو الذى قتلهم، لتصفية الجميع، المقاومة والذين تحتجزهم المقاومة.
 
الثانية هى: القتل العمد، وهذه للحق ليست تهمة إنها طرفة أو مزحة، نعم المقاومة تتعمد قتل ضباط وجنود الاحتلال، فأى تهمة تلك؟! المحتل هو الذى يتعمد قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ولكن فى كل المعارك يتعمد طرفاها قتل قوات الطرف الآخر، وهذه هى طبيعة المعارك مذ عرفها الإنسان.
 
الثالثة والرابعة هما: الاغتصاب وأعمال العنف الجنسى الأخرى، ما هذا الكذب؟!
 
أنا لم أفهم تهمة أعمال العنف الجنسى الأخرى، ولكن أين هو الاغتصاب؟ 
 
نعود إلى وكالة أسوشيتد برس، التى قالت فى مايو، إن الروايات التى تحدثت عن ارتكاب حركة حماس عنفا جنسيا فى هجومها تبين أنها ملفقة وليست صحيحة.
ونقلت الوكالة عن الإسرائيلى حاييم أوتمازجين، الذى اتهم حماس بارتكاب عنف جنسى قوله «إن الأمر ليس أننى اخترعت قصة، لكن اتضح أن الأمر مختلف، وقمت بتصحيحه».
 
وأضاف أوتمازجين أنه لم ينشر أى دليل مقنع لدعم ادعاءات ما حدث يوم 7 أكتوبر.
 
وقالت أسوشيتد برس إن ما رواه أوتمازجين بشأن عنف جنسى فى هجوم السابع من أكتوبر وتردد فى أنحاء العالم، اتضح أنه لم يحدث».
 
أظن أن ما بثته الوكالة العالمية يقطع قول كل خطيب، ثم لقد ظهرت أكثر من أسيرة من اللواتى تم إطلاقهن، وبعضهن من الشابات الجميلات ولم تقل واحدة منهن أنها قد تعرضت للمضايقة فضلا عن الاغتصاب.
 
لماذا لم تقل واحدة من الأسيرات أنه قد جرى اغتصابها؟
 
وحتى غير الأسيرات من اللواتى كن فى مسرح علميات يوم السابع من أكتوبر لماذا لم توثق إحداهن عملية اغتصاب واحدة؟
 
الإجابة بكل بساطة هى أن الاغتصاب لم يحدث ولم يقع وما كان لمقاومة أن تسقط شرفها ونبلها وطهارتها بأن تترك عدوها وتغتصب النساء.
 
هذه كذبة حقيرة ووضيعة، أطلقها مختل من افراد العدو ووصلت إلى البيت الأبيض الذى اعتذر عنها، فكيف اعتمدها ضمير السيد القاضى؟
 
التهمتان الخامسة والسادسة هما: التعذيب وغيره من الأعمال اللا إنسانية مثل الجرائم ضد الإنسانية.
 
الذى يعذب هو صاحب السلطة، فهل المقاومة صاحبة سلطة؟
 
إن المقاومة تعيش فى أنفاقها ولا تغادرها إلا ساعات القتال، فمن أين لها القدرة على التعذيب؟
 
ثم أين توثيق حالات التعذيب، لماذا لم يعترف أسير واحد أو أسيرة واحدة أنهما قد وقعا تحت قبضة المعذبين؟
 
التهمة السابعة: هى أخذ الرهائن، الذين فى يد المقاومة ليسوا رهائن، هم أسرى تحافظ المقاومة على حياتهم ما استطاعت للمحافظة سبيلا، والذى يقتلهم هو جيشهم، وقد ظهر على شاشات التليفزيونات أكثر من أسير وأسيرة لم يقل أحد منهم أنه تعرض لأدنى درجات التعذيب، بل إن إحداهن قالت إن المقاومة كانت تحرص على أن تقوم برياضتها المفضلة وهى فى الأسر!
 
هل قال مواطن واحد من مواطنى دولة الاحتلال إن المقاومة قد ألقت القبض عليه ثم عذبته؟
 
التهمتان الثامنة والتاسعة هما: المعاملة القاسية، والاعتداء على الكرامة الشخصية.
 
هذه تهم إنشائية لا يمكن الرد عليها، لأنها مجرد كلام مرسل لا يقوم على صحته دليل.
 
إن تمثال العدالة معصوب العينين، يمكننا الآن تفسيره وفق عريضة اتهامات السيد كريم، العدالة معصوبة العينين فعلا، وهى عمياء حقا فلم تعد تميز بين الحق والباطل، ولا بين العدل والمساومة، فلكى يمرر رجل القانون والعدالة مطلب اعتقال قيادات دولة الاحتلال، وضع معهم فى سلة واحدة قيادات مقاومة شريفة، كل ذنبها أنها ترفض التفريط فى أرضها ومقدساتها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة