مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي.. مصالح القاهرة تلتقي مع القارة العجوز في صناعة الهيدروجين الأخضر
الجمعة، 28 يونيو 2024 10:31 م
تستضيف مصر مؤتمر الاستثمار بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الجاري، خلال يومي ۲۹ و ۳۰ يونيو المقبلين، حيث يتضمن المؤتمر ملفات مهمة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في عدد من القطاعات المستهدفة بما يتفق مع شركاء التنمية الآخرين.
وذلك من خلال عدة محاور ومنح مزمع تمويلها من الاتحاد الأوروبي، خلال الفترة من ۲۰۲٤ - ۲۰۲۷ في القطاعات ذات الأولوية للجانبين على المستويين الإقليمي والثنائي، وذلك من خلال أوجه التعاون الإقليمي، والتعاون الثنائي، وآليات التعاون وتبادل المعلومات، بالإضافة إلى التعاون مع الاتحاد الأوروبي ومؤسساته التمويلية في مجال الهيدروجين الأخضر.
تبنى الاتحاد الأوروبي في عام ۲۰۲۰ استراتيجيته الخاصة بالهيدروجين في إطار ما غرف بالصفقة الخضراء الأوروبية تلك الخطة التي تقترح التحول إلى الهيدروجين الأخضر بحلول عام ٢٠٥٠, من خلال الإنتاج المحلي وإنشاء إمدادات ثابتة من القارة الإفريقية. وعليه تتوجه الأنظار.
في هذا المجال، إلى مصر لتوليد كميات كبيرة من الهيدروجين، حيث تتوافر مقومات لإنتاج الهيدروجين الأخضر متماثلة في أنها غنية بموارد الطاقة المتجددة من طاقة ورياح، بالإضافة إلى أنها لديها بنية استراتيجية لإنتاج الهيدروجين الأخضر, وتوجد مبادرات متعلقة بمصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. ولهذا السبب تشهد العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي حالة من الزخم ولا سيما في مجال الطاقة والتي انعكست في إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء البلجيكي مبادرة المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد خلال قمة شرم الشيخ في عام ۲۰۲۲ وعليه من المتوقع أن يكون ملف الهيدروجين الأخضر حاضرًا بقوة في أجندة مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، وكيفية تعزيز التعاون مع مصر في ظل الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها من بنية تحتية، وموارد طبيعية، فضلًا عن الموقف الجغرافي المتميز القريب من القارة الأوروبية، وذات النفاذ للقارة الأفريقية.
ولكن كيف أصبحت مصر محورًا هامًا لإنتاج ومستقبل صناعة الهيدروجين الأخضر في العالم وبالأخص لدول الاتحاد الأوروبي ؟ بشكل عام سعت مصر إلى تنمية واستغلال ما لديها من ثروات طبيعية، والتحول من بلد يكافح لتدبير نفقات استيراد الطاقة إلى بلد مصدر بل وربما إلى لاعب أساسي مؤثر في أسواق الطاقة العالمية. وعليه تمضي الدولة المصرية قدما نحو بناء جمهوريتها الجديدة. حيث تولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة؛ إيمانا منها وإدراكا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك تعتمد رحلة مصر لتصبح لاعبا بارزا في مجال الطاقة على تنفيذها الناجح لمجموعة من السياسات الاستراتيجية القادرة على إطلاق العنان لإمكاناتها الهائلة.
وعلى النقيض من الحكومات المصرية السابقة التي لم يكن دعمها لإنتاج الطاقة الخضراء كافيا، تبنت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية طموحة متعددة الأوجه للوفاء بالتزامات الدولة المناخية وتعزيز النمو الاقتصادي وبالأخص صناعة الهيدروجين الأخضر.
تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة: عكفت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، وبالتحديد منذ عام ٢٠١٤ على رسم خارطة طريق تمكنها من بناء وتطوير قدراتها وبنيتها التحتية في قطاع الطاقة، وذلك في إطار مساعيها المستمرة بهدف تلبية الاحتياجات الداخلية والعمل على تحقيق الهدف الرئيسي وهو التحول من حالة العجز وتفاقم أزمة الطاقة عبر سنوات مضت إلى الوصول لحالة الاكتفاء الذاتي والتصدير, والتي تحققت في عام ۲۰۱۸ وصولا إلى الهدف الأكبر وهو تعزيز مكانتها كمركز إقليمي ولاعب أساسي ومؤثر في سوق الطاقة العالمية, وبالأخص في قطاع الغاز الطبيعي وذلك من خلال خطوات جادة، حيث ركزت الرؤية المصرية على الاستغلال الأمثل المقومات الدولة الجغرافية والتنوع في مصادر الطاقة والانخراط في شراكات دولية وإقليمية مختلفة، وذلك بهدف تحقيق مستقبل آمن ومستدام للطاقة والعمل على توفير بيئة جاذبة للاستثمار في مشروعات الاستكشاف والبحث عن الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى العمل على ترشيد استخدام المصادر التقليدية، علاوة على المساهمة في تلبية الطلب العالمي في مجال الطاقة خاصة في ظل المتغيرات العالمية والصراعات الجيوسياسية المترتبة على العديد من الأزمات المتتالية، والتي من ضمنها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الحرب على غزة، لترسخ بذلك الدولة المصرية مكانتها الجيوسياسية على خريطة الطاقة العالمية.
أمام ما تقدم اتخذت مصر خطوات فاعلة تهدف في المقام الأول إلى بناء تعاون إقليمي واسع النطاق مع الدول المنتجة للطاقة (كافة محاور الطاقة) في منطقة شرق المتوسط وإقامة شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي بشكل خاص في مجال الطاقة للاستغلال الأمثل لجميع الإمكانيات الحالية والسعي نحو تحقيق أقصى استفادة اقتصادية من ثروات الغاز الطبيعي المكتشفة والمتوقع اكتشافها مستقبلا خطوات مصرية مفعلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر: في ضوء استراتيجية مصر للمضي قدمًا في تفعيل آليات وأدوات التنمية المستدامة كانت مصر نموذجا أفريقيا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر عبر العديد من المشاريع والتي من أهمها إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث يحظى الهيدروجين الأخضر في مصر باهتمام كبير ومتزايد خاصة مع توافر إمكانات الطاقة المتجددة. ذلك وفقا للإستراتيجية المصرية للطاقة حتى عام ٢٠٣٥ والتي تستهدف الوصول بنسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى حوالي ٩٤٢ من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة وذلك بحلول عام ٢٠٣٥, وذلك على النحو الذي يوضحه الشكل التالي.
وعليه يمكن القول بأن الدولة المصرية وضعت خطة استراتيجية تهدف إلى التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تطمح أن تكون على رأس الدول المنتجة له باعتباره وقود المستقبل وقد قامت بدمجه في استراتيجية الطاقة. علاوة على ما سبق. تقترب مصر من تنفيذ العديد من مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر وبالشراكة مع كبرى الشركات العاملة في المجال، وتنفيذ خطة وطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة حوالي ٤٠ مليار دولار في الفترة المقبلة؛ وذلك إدراكا منها لأهمية إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وتخزينهما وتجارتهما، في إطار استراتيجيتها للتنمية الاقتصادية، والتي تستهدف الوصول إلى حوالي ٨٠٪ من السوق العالمية للهيدروجين. ولذلك تمت الموافقة على الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر تمهيدًا لعرضها على المجلس الأعلى للطاقة.
الهيدروجين الأخضر يُشكل عنصرًا حيويا في عملية التحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة، حيث يُسهم في تعزيز الجهود العالمية لإزالة الكربون لذلك فإن حكومات العالم تولي أهمية كبيرة لمواصلة تطوير كامل سلسلة القيمة الخاصة بالهيدروجين الأخضر. وذلك من خلال وضع أطر واضحة للتعاون ومشاركة أفضل الممارسات ومواءمة التشريعات بهدف تسريع التحول نحو اقتصاد الهيدروجين الأخضر، كما يوضح الشكل التالي ملامح صناعة الهيدروجين.
عالميا، يعتمد إنتاج الهيدروجين الحالي على مصادر الوقود الأحفوري، حيث أن الغاز الطبيعي هو المصدر الأساسي لإنتاجه، ويأتي الغاز الطبيعي في المرتبة الأولى من حيث نسبة المساهمة في المصادر المستخدمة لإنتاج الهيدروجين عالميا حيث تقدر نسبة المساهمة بحوالي ٦ (نسبة الإنتاج العالمي حوالي ٧٥% أو ما يعادل حوالي ٧١ مليون طن.
ويأتي في المرتبة الثانية الفحم. وعلى الجانب الآخر. تُسهم أكبر مشروعات الهيدروجين في العالم (حوالي ١١ مشروعًا مجتمعة) في إنتاج ما يزيد على حوالي ١٠٠ مليون طن سنويا، ما يعادل ثلث الكمية التي قد يحتاج إليها العالم بحلول عام ٢٠٥٠ بهدف تحقيق أهداف الحياد الكربوني حيث يتطلب الوصول إلى الحياد الكربوني عالميًا إنتاج حوالي ٣٠٠ مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، وذلك بحلول عام ٢٠٥٠. حيث يحل مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في المرتبة السادسة بقائمة أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر في العالم. ويوضح الشكل التالي توقعات الطلب العالمي على الهيدروجين مع توقعات بتضاعف الطلب العالمي بمعدل حوالي ٧ مرات وذلك بحلول عام ٢٠٥٠.