طلال رسلان يكتب: نار الأكاذيب تحرق دولة الاحتلال
السبت، 08 يونيو 2024 10:45 م
بايدن غاضب من المماطلة الإسرائيلية.. وضباط يهاجمون رئيس الأركان.. وأهالي الأسرى يصعدون
ألاعيب نتنياهو أحرجت واشنطن وأكدت صدق الموقف المصرى في مفاوضات الهدنة.. تكذيب بايدن نقطة تحول فى العلاقة بين الدولة العبرية وواشنطن
أختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سياسة خاصة به، عنوانه "أقصر طريق للنجاة هو الكذب"، معتقداً أن استمرار الكذب سينجيه من جرائم الأبادة والقتل التي يرتكبها يومياً بحق الشعب الفلسطينى في قطاع غزة، لكنه لم يدرك أن الكذب سيتحول بمرور الوقت إلى بركان سينفجر في وجه، وسيطيح به.
الأسبوع الماضى، كان العالم على موعد مع كذب نتانياهوية جديدة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن تفاصيل صفقة تبادل الأسرى، وما سوف تؤول إليه من وقف لإطلاق النار، وهو الأمر الذي تحفظ عليه أعضاء الحكومة المنتمين لحزب الصهيونية الدينية، وعلى رأسهم وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسئيل سموتريتش، وكلاهما هدد نتنياهو بالانسحاب من الائتلاف الحاكم، وهو ما يعني حل الحكومة واللجوء إلى انتخابات مبكرة في تل أبيب، وهو الكابوس الذي سعى نتنياهو لإزاحته طيلة أشهر الحرب الماضية، عبر إطالة أمدها خوفا من مستقبل ملبدا بالعار، ومحفوف بخطر المحاكمات والسجن، لذلك لم يجد نتانياهو من مفر سوى نفى ما صرح به بايدن، حول وقف إطلاق النار في غزة، كجزء من صفقة تبادل الأسرى، ليكشف بنفسه تلك الأكاذيب التي سبق وأن روجها الإعلام الغربي، مستهدفا نزاهة الدور المصري، والذي يحظى بثقة دولية كبيرة، حول تغيير بنود الصفقة، لخدمة مصلحة نتنياهو الشخصية، بعيدا حتى عن مصالح الدولة العبرية، والتي باتت على حافة خسائر غير مسبوقة، تطال إلى جانب، هيبتها العسكرية، واستقرارها الداخلي، نفوذها الدولي، وهو ما بدا في تغيير جذري شهدته مواقف دولا محسوبة على المعسكر الموالي لإسرائيل، وعلى رأسها سلسلة الاعترافات بدولة فلسطين من قبل دول أوروبية، وهو ما يعود في المقام الأول لثمار الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية منذ بدء العدوان على غزة، وحرصها على عدم الانجراف نحو الرؤية الإسرائيلية، والتي اعتمدت في الأساس على القطاع والتهديدات القادمة منه، عبر التركيز على ثوابت القضية الفلسطينية وإبرازها باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار لمختلف أطراف المعادلة الإقليمية.
الكذبة النتانياهوية لم تكن مستغربة منذ انتهاجه إزاء المقترحات لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع، فكانت البداية بالتزوير والادعاء أن القاهرة أدخلت بعض التعديلات على مقترحاتها، لتكون الكذبة ذريعة الرفض المعلن من جانب تل أبيب، في ذلك الأسلوب الملتوي الذي حاولت أن تنتهجه مع المقترحات التي أعلنها بايدن.
الواضح من الموقف الإسرائيلي تجاه مقترحات بايدن، أن تل أبيب لم ترد منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 غير تصعيد الحرب وقتل مزيد من الأبرياء، حيث إنها وضعت ملامح المقترحات كاملة بنفسها، وفقا لتأكيدات واشنطن، ثم ما إن أعلنها بايدن تلوت على الحقائق وانقلبت بالتلاعب على أية مقترحات من شأنها أن تؤدي إلى إيقاف الحرب.
عندما تتضح صورة نتنياهو الكامل برفض أية مقترحات، وجمع مواقفه كاملة في الردود والتعنت عليها، يتأكد أنه لا يرغب في إنهاء أزمة غزة حفاظا على بقاء الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم، ومن ثم فإن إنجاز الصفقة أو الإفراج عن المختطفين لم يكن له أية أولوية من الأساس، حتى مع ضغط الداخل الإسرائيلي بالمظاهرات المستمرة من جانب أهالي الأسرى لدى حماس، بل إنه يسعى إلى أن يتلاعب بالألفاظ بل وبالمواقف حتى يتهرب من أية التزامات من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى حل الأزمة.
بعد التلاعب بالألفاظ والتهرب يواصل نتنياهو اللعب على أكثر من جبهة من بينها التشكيك في مصداقية المقترحات التي أعلنها بايدن، ثم محاولة تفريغ المقترحات من مضمونها من خلال رفض وقف إطلاق النار تماما وإنهاء الحرب قبل القضاء على حماس، وأنه لن يتنازل عن ذلك حتى لو وافق على الصفقة وخاصة في مرحلتها الاولي التي يمكن أن تشهد وقف إطلاق النار ولكن ليس بشكل دائم.
ولإكمال مخطط الفوضى ودفع الحرب إلى إشعال المنطقة تواصل تل أبيب عملياتها العسكرية، دون حتى انتظار ما تسفر عنه مناقشة المقترحات، ولاسيما في مدينة رفح دون إعطاء أية أهمية لمقترحات الهدنة، ما يؤكد النوايا الخبيثة لدى نتنياهو بعدم اعتزامه إنهاء الحرب إلا عقب تحقيق أهدافها والتي أعلنها بنفسه على وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وتؤشر المعطيات على أن نتنياهو يخضع لحكومته أو المعارضة، ويظهر في حرصه الدائم على المماطلة لتفويت فرصة اتخاذ قرار حاسم سواء برفض الصفقة تماما أو الموافقة التامة عليها، ومن ثم سوف يستمر في المناورة والتسويف حتى تتضح الصورة كاملة أمامه ولاسيما معرفة الموقف النهائي لحماس حيث يأمل نتنياهو في أن ترفض حماس المقترحات ومن ثم يخرج من المأزق الذى وقع فيه.
وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن إعلان الرئيس الأمريكي خطته للسلام بتأكيده "حان الوقت لإنهاء الحرب"، دفع الخبراء للاعتقاد أن إنهاء الحرب وشيك لاسيما عندما أكد بايدن أن المقترح إسرائيلى، مما يعنى قبول الاحتلال لهذه الشروط.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي كيربي: "نحن ننتظر رد حماس. يجب أن يقبلوا الصفقة. ونحن على قناعة بأن خطاب بايدن يمثل بأمانة الاقتراح الإسرائيلي. البيت الأبيض أبلغ إسرائيل في خطاب له مسبقا".
لكن ما تلا ذلك كان مفاجئا حتى للحليف الأمريكي، حيث أعلن الاحتلال أن شروطه لقبول الصفقة لم تتغير، مما عكس عدم قبول تل أبيب للمقترح، حتى عندما قال مستشار نتيناهو إن إسرائيل وافقت على المقترح واصفا إياه بأنه "ليس صفقة جيدة"، سعى نتنياهو للتنصل من الالتزام بالاتفاق خوفا من اليمين المتطرف وانهيار الائتلاف الحكومى، الأمر الذى أظهر مدى محدودية تأثير بايدن.
واعتبرت الصحيفة البريطانية، أن موقف إسرائيل أذل وأحرج الرئيس الأمريكي، ومن جانبه، اعترف أوفير فولك، كبير مستشاري نتنياهو للسياسة الخارجية، بأن إسرائيل وافقت في السابق على الاقتراح الذي تم الإعلان عنه في "الخطاب السياسي" لبايدن، لكنها رأت بعد ذلك أن الصفقة غير جيدة.
وقال فولك إن ثمة الكثير من التفاصيل التي يتعين العمل عليها، مشددًا على أن أهداف إسرائيل لم تتغير في حين وصف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش اقتراح بايدن بأنه "متهور" و"استسلام كامل لحماس" وحثا رئيس الوزراء على مواصلة القتال أو مواجهة فقدان دعمهما الحاسم ولذلك، أوضحت الصحيفة البريطانية أن مأزق نتنياهو السياسي تفاقم بسبب الخسارة المتوقعة للجناح المعتدل في ائتلافه الحاكم في الأسبوع المقبل.
كما أصدر بيني جانتس، الوزير المعتدل في حكومة الحرب، موعدا نهائيا في 8 يونيو لنتنياهو؛ يطالبه بتغيير مساره في الحرب، مدعيًا أن الاعتبارات السياسية تعرض عملية صنع القرار الاستراتيجي للخطر. وقال جانتس، وهو قائد سابق للجيش، يوم أمس الأول إن عودة الرهائن "التزام أخلاقي أسمى" وهدف يجب أن يحظى "بأولوية واضحة على الجدول الزمني لأهداف الحرب".
خلاف أمريكي إسرائيلي يظهر إلى العلن
في الداخل الإسرائيلي بدا الأمر مشتعلا، وعلق موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلي على الخلافات المتزايدة بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب صفقة الرئيس الأمريكى، جو بايدن لإنهاء الحرب فى غزة، والإفراج عن المحتجزين.
وبعد تصريحات متضاربة على مدار أيام، أعلن المسئولون الإسرائيليون رفضهم لعناصر من اقتراح صفقة الرهائن، حيث أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على وجود فجوات بين هذا الاقتراح والموقف الإسرائيلي.
وردا على ذلك، ضاعفت الولايات المتحدة تأكيدها على أن الاقتراح كان انعكاسا دقيقا لعرض إسرائيلي، فى أحدث حلقة من الخلافات بين إسرائيل وواشنطن بسبب الحرب فى قطاع غزة، وبحسب ما ورد قال رئيس الوزراء الإسرائيلى: "الادعاء بأننا وافقنا على وقف إطلاق النار دون تلبية شروطنا غير صحيح."
وقال نتنياهو في اجتماع للكنيست إن إسرائيل لن تنهي الحرب في غزة حتى تحقق أهدافها الحربية الثلاثة، كما قال مسئول إسرائيلي لتايمز أوف إسرائيل: تدمير قدرات الحكم العسكرية والمدنية لحماس، وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن، وضمان أن غزة لم تعد تشكل تهديدا لإسرائيل.
وقال نتينياهو لأعضاء الكنيست في جلسة مغلقة للجنة الشئون الخارجية والدفاع في الكنيست، بحسب تقارير إعلامية، إن "الاقتراح الذي قدمه بايدن غير مكتمل".، وبحسب ما ورد قال أيضًا إن هناك "فجوات" بين النسخة الإسرائيلية وسرد بايدن لها.
واشنطن تدعو مجلس الأمن للتدخل
إزاء الموقف الإسرائيلي المتعنت من مقترحات إنهاء الحرب، دعت واشنطن مجلس الأمن إلى تبنى مشروع قرار يدعم الاقتراح الذى أعلنه الرئيس الأمريكى جو بايدن لإنهاء الحرب على غزة، ووُزعت مسودة نص من صفحة واحدة على المجلس المؤلف من 15 عضواً. ويحتاج إقرار المشروع تأييد 9 أصوات على الأقل وعدم استخدام أي من الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو الصين أو روسيا حق النقض.
وكان قد قال أوفير فولك، كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للسياسة الخارجية إن إسرائيل وافقت على إطار خطة الرئيس الأمريكى جو بايدن لـ إنهاء الحرب في غزة، رغم أنه قال إنها "ليست صفقة جيدة".
وفي مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز البريطانية، قال فولك إنه لا تزال هناك تفاصيل يتعين العمل عليها وإنها "ليست صفقة جيدة، لكننا نريد بشدة إطلاق سراح جميع المحتجزين"، وأضاف فولك، أن الأهداف الإسرائيلية، بما في ذلك "إطلاق سراح المحتجزين والقضاء على حماس"، تظل دون تغيير.
نار التعنت تحرق تل أبيب
وهاجم عدد من كبار ضباط الهيئة العامة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، رئيس الأركان هرتسي هاليفي بسبب العمليات العسكرية المتعثرة في قطاع غزة، وأفادت القناة الـ12 الإسرائيلية باندلاع مشادات كلامية خلال اجتماع أمس الاثنين بين كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي مع هاليفي، حيث ألقى الجنرالات باللوم على هاليفي في ما يتعرض له الجيش الإسرائيلي من خسائر في غزة، وفشله في تحقيق إنجازات حاسمة.
ونقلت القناة عن كبار الضباط قولهم "نحن نتعثر ولا نحقق النصر ولا تتم مشاورتنا عند اتخاذ القرارات.. نحن نمشي على الماء في هذه الحرب"، ورد رئيس الأركان قائلا "لا توجد مشاورات في زمن الحرب".، وأضاف هاليفي "لقد تسلَّمت المسؤولية في الأيام الأولى من الحرب، وقلت عند حائط المبكى (البراق) أمام الجمهور كله إنني مسؤول وإن حس المسؤولية يرافقني كل يوم وفي كل قرار أتخذه في الحرب. أنا الآن أركز على تحقيق أهداف الحرب، وأتوقع أن يشعر الجميع حول هذه الطاولة بنفس الشعور".
وسبق أن اشتكى هاليفي مؤخرا من أن عدم وجود إستراتيجية سياسية لفترة ما بعد الحرب يعني أن الجيش مضطر بشكل متكرر للقتال في أماكن في قطاع غزة كان قد انسحب منها بالفعل. واستشهد بجباليا كمثال.