يوسف أيوب يكتب: سياسة النأي بالنفس والحياد ليست مصرية

السبت، 25 مايو 2024 06:00 م
يوسف أيوب يكتب: سياسة النأي بالنفس والحياد ليست مصرية

- المنطق المصرى فى أزمة غزة فرض نفسه وبقوة للحفاظ على أمننا القومى وحقوق الأشقاء الفلسطينيين 

- الأكاذيب الإعلامية الغربية لن تثنى القاهرة عن مواقفها ولن تبدل الثوابت المصرية الراسخة ولا خطوطها الحمراء

- القاهرة تحذر الجميع: 

العقاب الجماعى وتصفية القضية الفلسطينية والتهجير «مرفوض تماما»

تأمين المصالح وتحقيق الأمن لن يكون إلا بالاستقرار وليس بالقوة العسكرية 

سياسة «حافة الهاوية» خطر يهدد الجميع.. وجاهزون لكل السيناريوهات
 
الأسبوع الماضى، قلت إن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لم ولن تكون عائقا أمام صانع القرار المصرى فى اتخاذ ما يراه مناسبا للحفاظ على أمن مصرى القومى، وأيضا الحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى، فالدولة المصرية مع تأكيد احترامها لالتزاماتها ومعاهداتها الدولية، لكن هذا لا يمنعها من استخدام كل السيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومى.
 
ما قلته هو تعبير عن الموقف المصرى تجاه ما يحدث فى المنطقة، فاذا ما تعرضت دولة عربية للخطر، أو إذا حاول أحد المساس بالأمن القومى المصرى، فلا يمكن هنا الحديث عن الحياد المصرى، لأن مصر فى هذه الحالة تكون فى قلب الحدث، فاعلا وليست متفرجا، فإذا كان الأشقاء فى الشام ابتدعوا جملة «النأى بالنفس»، فإننا فى مصر لا نعرف هذه القاعدة إذا كان الخطر يحيط بنا.
 
الحياد بالنسبة لنا أن نكون صوت السلام والأمن والاستقرار فى المنطقة، لكن حال حدوث تجاوز، فالمنطق المصرى يفرض نفسه وبقوة، وبكل الوسائل والطرق الممكنة، والقاهرة تملك فى جعبتها الكثير والكثير من الوسائل التى تستطيع من خلالها تغيير مجريات الأحداث.
 
منذ بداية الأزمة فى قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، اتبعت مصر سياسة التعامل الحاسم مع كل حدث، دون أن تنجر إلى الانفعالية أو التعصب، بل استعملت القاهرة ولا تزال تستعمل كل الوسائل المتاحة والممكنة لإنفاذ إرادتها فى هذه الأزمة المركبة، وفرض رؤيتها فى ظل موقف دولى عاجز ومزدوج، وموقف إقليمى معقد ومتشابك، وكان واضحا منذ البداية أن القيادة المصرية تمارس سياسات الحكمة بقوة، وتلوّح بقوتها فى حكمة، ولم تذهب لمعسكر الحنجورية والتراشقات المراهقة، ولم تجنح لمعسكر الصمت أو الحياد السلبى، بل تحملت وتتحمل مسئوليتها التاريخية، ثابتة الخطى، قوية بمؤسساتها وقيادتها وبصوت شعبها وإرادته.
 
لعلنا نتذكر أنه فى بداية الأزمة، كان الموقف المصرى واضحا، بأنه لا خروج لأى من الرعايا الأجانب من القطاع الا بعد إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لأشقائنا فى غزة، وهو ما حدث قولا وفعلا، وبدأت إسرائيل تنتبه إلى أن القاهرة ليست بالطرف الهين، وإنه لا يمكن أبدا التعامل معها بأسلوب تتعامل به مع أطراف أخرى، لأن القاهرة ليست لديها نقاط ضعف يمكن استغلالها للضغط على القيادة المصرية، وحتى وإن وجدت فلا يمكن للقاهرة أبدا الاستسلام، بل كانت ولا تزال فى مقدمة الصفوف المدافعة عن حقوق الأشقاء الفلسطينيين، وفى الوقت ذاته داعية إلى السلام الاستقرار، لأنها تدرك أن بدون الاستقرار سيكون مصير المنطقة بأكملها بائسا ويائسا.
 
الموقف المصرى تجاه العدوان الإسرائيلى على غزة هو موقف ثابت وواضح منذ اللحظة الأولى، يضع الأمن القومى المصرى وحقوق الشعب الفلسطينى فى مقدمة أولوياته، ولم تتحرك مصر عن موقفها قيد أنملة، حتى حينما قررت أن تلقى بثقلها للعمل على إيجاد توافق يصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لم تكن مصر وسيطا بالمعنى الحرفى للكلمة، لأنها فى النهاية ووفق عقيدتها الراسخة، داعمة لحقوق الفلسطينيين، وهو أمر تدركه إسرائيل جيدا، كما تدركه الإدارة الأمريكية، والاثنان لديهم علم بالقوة المصرية، والمقدرة على إنتاج حلول تجنب المنطقة ويلات صراع لا أحد يتحمل مآلاته، فضلا عن رغبتها فى تخفيف المعاناة عن كاهل الأشقاء الفلسطينيين.

التحذير المصرى من التصعيد
 
لذلك حينما وصلت المفاوضات إلى ما هى عليه الآن، من تعنت إسرائيلى واضح، لم تغير مصر موقفها، بل أنها كما بدأت الأزمة فى أكتوبر الماضى، تحذر الجميع وفى المقدمة إسرائيل من تداعيات التصعيد فى قطاع غزة، ومؤخرا رفضت أى تنسيق مع سلطات الاحتلال بشأن معبر رفح، بعدما أقدم الاحتلال على خطوة السيطرة العسكرية على الجانب الفلسطينى من المعبر، وهو أمر خطير فى تفاعل الأحداث.
 
هذا الموقف واضح منذ البداية، ويدركه الجميع الذين وصلتهم الرسالة المصرية جيدا، أن مصر وهى فى سبيلها للحفاظ على أمنها القومى، وحقوق الأشقاء الفلسطينيين فإنها ليست ولن تكون أبدا على الحياد، لذلك فإن الموقف المصرى وكان وما زال وسيظل ثابتا فعلا وقولا برفض تصفية القضية الفلسطينية، ورفض تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسريا أو من خلال خلق الظروف التى تجعل الحياة فى قطاع غزة مستحيلة بهدف إخلاء أرض فلسطين من شعبها.
 
فى القمة العربية التى عقدت الأسبوع قبل الماضى فى البحرين، كان الصوت المصرى واضحا وقويا، وتردد صداه خارج القاعة التى استضافت القمة، لأن ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة، كان بمثابة خارطة طريق مصرية لمن يريد أن يعرف الرؤية المصرية، ليس فقط لحل الأزمة فى قطاع غزة، وإنما لتحقيق استقرار المنطقة، التى كان الرئيس السيسى أول من حذر بأنها مقبلة على صراع متسع، إذا لم يتم احتواء الأمر فى غزة، باتفاق لوقف إطلاق النار، وصولا إلى الانخراط بجدية فى مفاوضات الحل النهائى.
 
الرئيس السيسى قال إن الظرف التاريخى الدقيق الذى تمر به منطقتنا، يفرض على جميع الأطراف المعنية الاختيار بين مسارين: مسار السلام والاستقرار والأمل، أو مسار الفوضى والدمار الذى يدفع إليه التصعيد العسكرى المتواصل فى قطاع غزة، محذرا الجميع بأن «التاريخ سيتوقف طويلا أمام تلك الحرب ليسجل مأساة كبرى، عنوانها الإمعان فى القتل والانتقام وحصار شعب كامل وتجويعه وترويعه وتشريد أبنائه، والسعى لتهجيرهم قسريا واستيطان أراضيهم، وسط عجز مؤسف من المجتمع الدولى بقواه الفاعلة ومؤسساته الأممية»، مشددا فى الوقت نفسه على أن «أطفال فلسطين الذين قُتِل ويُتِّم منهم عشرات الآلاف فى غزة ستظل حقوقهم سيفًا مُصلتًا على ضمير الإنسانية حتى إنفاذ العدالة من خلال آليات القانون الدولى ذات الصلة».
 
هذا التحذير الذى أطلقه الرئيس السيسى من على منصة القمة العربية، هو تعبير عن حالة الغضب المصرية ليس فقط من الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة، وإنما من الصمت الدولى المريب، والذى يكاد يصل إلى درجة المساعدة المعنوية للاحتلال فى جرائمه.
 
والغضب المصرى هنا ليس مرده التخاذل الدولى فقط، وإنما الرؤية الدولية الناقصة تجاه ما يحدث فى المنطقة، الرؤية التى انحازت للاحتلال وجرائمه دون أن يكون لديها تفكير فى الضحية ومصيرها.
 
هذا الغضب المصرى مرده أيضا حاله الوهم التى انتابت الاحتلال الإسرائيلى ومن يقفون فى صفه، بأن الحلول الأمنية والعسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن، وهى حالة وصفها الرئيس السيسى بـ«الوهم»، لأن تأمين المصالح وتحقيق الأمن لن يكون إلا بالسلام الاستقرار، وهذا لن يحدث إلا بالتنمية الاقتصادية وعملية سياسية متكاملة، ومقاربة فكرية تجمع ولا تفرق، أما الحديث عن الحلول العسكرية أو الأمنية بمفردها، فإنها تعبر عن رؤية ناقصة، من مغتر أو واهم، لن يكون مصيره إلا الفشل.
 
لذلك كان الرئيس واضحا حينما قال «مخطئ من يظن أن سياسة حافة الهاوية يمكن أن تُجدى نفعا أو تحقق مكاسب»، و «إنّ مصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن يُمسِك بها دعاة الحروب والمعارك الصِفرية».
 
حافة الهاوية الخطر الذى يواجه الجميع
 
حافة الحاوية، هى الجملة التى كررها الرئيس السيسى مؤخرا مرتين، حينما استشعر مسبقا أن الاحتلال الإسرائيلى لا يعنيه سوى مصالحه الضيقة، وأنه لا يفكر فى المستقبل إلا بمنطق القوة العسكرية، رغم أنه يواجه وضعا صعبا وحرجا سواء فى غزة أو فى الداخل الإسرائيلى، لذلك فإنه لا يبالى بالذهاب بالمنطقة إلى حافة الهاوية، لأنه لا يدرك حجم الخطر الذى ينتظر الجميع وفى المقدمة إسرائيل نفسها إذا وصلنا إلى حافة الهاوية.
 
لذلك كانت رسالة الرئيس السيسى واضحة.. سياسة حافة الهاوية لن تحقق مكسبا لاحد، وأنها الخطر بذاته الذى لا ينجو منه أحد، مذكرا الجميع بأن «مصر التى أضاءت شعلة السلام فى المنطقة، عندما كان الظلام حالكا، وتحملت فى سبيل ذلك أثمانا غالية وأعباء ثقيلة، لا تزال رغم الصورة القاتمة حاليا متمسكة بالأمل فى غلبة أصوات العقل والعدل والحق، لإنقاذ المنطقة من الغرق فى بحار لا تنتهى من الحروب والدماء»، قائلا للمجتمع الدولى وجميع الأطراف الفاعلة والمعنية «إن ثقة جميع شعوب العالم فى عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار لا مثيل له، وإن تبعات ذلك ستكون كبيرة على السلم والأمن والاستقرار، فالعدل لا يجب أن يتجزأ، وحياة أبناء الشعب الفلسطينى لا تقل أهمية عن حياة أى شعب آخر».
 
كما أكد الرئيس السيسى أن «هذا الوضع الحرج لا يترك لنا مجالا إلا لأن نضع أيدينا معا، لننقذ المستقبل قبل فوات الآوان، ولنضع حدا فوريا لهذه الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين الذى يستحقون الحصول على حقوقهم المشروعة فى إقامة دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
 
هذه الرسالة المصرية التى قالها الرئيس السيسى أمام القمة العربية، وفى حضور الجميع، تعبر بالفعل عما يجيش فى صدور الجميع، فالكل غاضب من الجرائم الإسرائيلية وأكثر غضبا من الاحتواء الغربى لسلطة الاحتلال وحكومتها المجرمة.
 
إجمالا أستطيع القول أن ما قامت ولا تزال تقوم به مصر فى إدارة أزمة غزة يستحق أن يدرس فى كتب الاستراتيجيات الدولية، فهى استطاعت أن تفرض رأيها ورؤيتها، وفى الوقت ذاته لها صوت مسموع فى كل العواصم، وحينما تتحرك فإن كل تحركاتها مدروسة، وتستهدف فى المقام الأول الأمن القومى المصرى والعربى، والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
 
وهذا الموقف بالتأكيد يزعج كثيرين فى مقدمتهم إسرائيل، التى أعماها الغرور، وباتت لا ترى إلا نفسها وجرائمها، وفى سبيل ذلك فإنها تروج للأكاذيب فى كل مكان، خاصة تجاه مصر، والسبب فى ذلك معروف، وهو أن التقديرات المصرية للوضع فى غزة كانت الأصوب، كما أن تحذيرات القاهرة لاقت صدى فى كل العواصم الغربية، وهو ما أزعج تل أبيب.
 
فالتقدير المصرى منذ اندلاع الحرب على غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، كان أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التى أسقطت أجندة السلام من حساباتها منذ تشكيلها فى ديسمبر 2022، تسعى بكل الوسائل إلى الخروج من أزمتها وذلك المستنقع الذى وقعت فيه، وأعلنت مجموعة من الأهداف التى تدرك أنها بعيدة تماما عن أن تتحقق، وفى سبيل تحقيق هذه الأهداف المستحيلة وفى محاولة منها للخروج من أزمة غزة لم تكن لديها أية خطوط حمراء، بل استخدمت كافة الوسائل غير المشروعة من تدمير وقتل بل وحرب إبادة ضد الفلسطينيين، ونتج عن ذلك أكثر من 130 ألف بين قتيل ومصاب ومفقود، وتحول القطاع إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة فى التاريخ الحديث فى القطاع.
 
ولم تكتف إسرائيل بذلك بل كان من الواضح أيضا إن مسألة إنقاذ الرهائن الإسرائيليين والأجانب الذين كانوا بحوزة فصائل المقاومة الفلسطينية لم تكن على أجندة هذه الحكومة المتطرفة، وليس أدل على ذلك من هذا القصف العشوائى لكل مناطق غزة، غير عابئة بما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من مقتل الرهائن، وهو ما حدث بالفعل مع عشرات الرهائن الذين لقوا مصرعهم نتيجة عنف الضربات الإسرائيلية.
 
والشىء الغريب أن إسرائيل غير المهتمة بمصير محتجزيها فى القطاع، تعود اليوم لتظهر فى مشهد الحمل الوديع، وإلقاء الاتهامات يمينا ويسارا، حتى تظهر فى ثوب البرىء، وغير المسئول عن عرقلة مفاوضات الهدنة التى كانت ترعاها القاهرة بمشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، وساعد الحكومة الإسرائيلية فى ترويج أكاذيبها، وسائل إعلام غربية، روجوا للمحاولات الإسرائيلية بهدف الإساءة إلى الجهود المصرية المبذولة على مدار الأشهر الماضية للتوصل إلى وقف اطلاق نار بقطاع غزة ووقف نزيف دماء الابرياء فى القطاع، فقد بدأت هذه اللعبة بتوالى الاتهامات للوسطاء واتهامهم بالانحياز والقاء اللوم عليهم للتهرب فى اتخاذ القرارات المطلوبة، تارة يتهمون قطر وتارة يتهمون مصر للتهرب من المسئولية الإسرائيلية الواضحة فى عرقلة ووقف إطلاق النار.
 
والشاهد فى كل ما يحدث، أن الموقف المصرى من المفاوضات واضحا منذ البداية ولم يجر فيه أى تعديل أو تغيير، كما أن القاهرة كانت ولا تزال وسيطا نزيها وملتزما بتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، وتعمل بشكل دائم على تحقيق مصالح جميع الأطراف وضمان سلامتهم وأمنهم، كما تعمل بتنسيق وثيق مع جميع الشركاء الدوليين لضمان نجاح محادثات وقف إطلاق النار وتحقيق نتائج إيجابية للجميع، لذلك بذلت القيادة المصرية الكثير من الجهود للتوصل إلى الهدنة الإنسانية طوال الشهور السابقة ما يفوق طاقة البشر، وكانت دوما تنسق فى كل تحركاتها ومقترحاتها مع كل الأطراف المعنية، وكان هذا هو المبدأ الذى حكم تحرك مصر منذ البداية، ولم تكن لمصر أى تحرك منفرد بل فى إطار أشمل وإطلاع الأطراف على أى تطورات أو مقترحات أولا بأول، لذلك فإن محاولة تحميل مصر مسئولية عدم نجاح مفاوضات التهدئة هو أمر مثير للسخرية، ومحاولة يائسة من البعض للتهرب من التزاماتها وإلقاء التبعات على الطرف الذى تحمل أكبر عبء فى هذه الأزمة.
 
ولا يخفى على أحد هنا أن مصر هى أول من اقترحت رؤية متكاملة لحل أزمة غزة، وكانت هى أساس المفاوضات التى تمت فى باريس والدوحة وتل أبيب والقاهرة، كما أن مصر تلعب دور الشريك الكامل وليس فقط الوسيط النزيه، وكانت كل مقترحاتها تتم فى حضور الأطراف وقبولهم لها، لذلك فإن الموقف المصرى الواضح هنا أن محاولات تشويه للدور المصرى لن تثنى القاهرة عن استمرار دورها من أجل دعم القضية الفلسطينية وإزاحة الكارثة الإنسانية عن قطاع غزة.
 
الثوابت المصرية واشحة ولم تتبدل
 
وهنا نعود بعض الشىء للثوابت المصرية، لتكون أكثر وضوحا، فمصر حددت منذ اليوم الأول للحرب مجموعة من الثوابت التى تحكم الموقف المصرى ولم تتراجع عنها قيد أنملة، أهمها رفض عملية العقاب الجماعى ورفض تصفية القضية الفلسطينية ورفض تهجير السكان الفلسطينيين إلى سيناء، وهى مؤامرة كانت مصر تقف لها بالمرصاد منذ اليوم وإتخذت كل الإجراءات لمواجهة مثل هذه الخطوة.
 
كما أكدت القيادة السياسية المصرية بما لا يدع مجالا للشك أن تهجير السكان الفلسطينيين إلى سيناء خط أحمر، وكان لدى الدولة المصرية كل الوسائل الفاعلة التى تحمى أمنها القومى الذى يعد أولوية للدولة المصرية على ما عداها من تطورات وقضايا.
 
والقيادة المصرية وهى تتعامل مع هذه الأزمة كانت على قناعة كاملة بأن إسرائيل تحاول تصدير أزمتها إلى الخارج وتحديدا إلى مصر، ومن ثم كان قرار القيادة عدم السماح بأن تحل إسرائيل مشاكلها وأزماتها وتورطها فى غزة على حساب الدولة المصرية مهما كان الثمن، حتى حينما كثر الحديث عن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة منذ 45 عاما، فالموقف منها واضح، وهو أنه طوال هذه العقود كانت مصر نموذجا إقليميا ودوليا يحتذى به بالنسبة للالتزام الكامل بكل التزامات المعاهدة، والدليل على ذلك أن مصر تحركت فى قضية طابا طبقا لنصوص المعاهدة حتى تم استردادها بالتحكيم الدولى وليس عن أى طريق آخر، لكن المؤكد أيضا أن معاهدة السلام لم ولن تقيد مصر عن القيام بأية خطوات لحماية أمنها القومى.
 
من المهم هنا إعادة التأكيد مجددا على مصر كانت حريصة كل الحرص منذ بداية الأزمة على فتح معبر رفح أمام عبور الأفراد والمساعدات الإنسانية للقطاع ولم تغلقه يوما واحدا، بل وافقت على آلية دخول المساعدات مع الطرفين الإسرائيلى والأمريكى من خلال معبر رفح إلى معبر كرم أبوسالم ثم إلى داخل القطاع كل هذا ما دام معبر رفح يقع تحت إدارة السلطة الفلسطينية، كما أن مصر حذرت مرارا إسرائيل من مغبة القيام بعملية رفح، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تتجاوب مع التحذيرات المصرية والأمريكية والدولية، وبدأ الجيش الإسرائيلى فى تنفيذ العمليات فى شرق رفح ثم بدأ فى توسيعها وقام أيضا باحتلال معبر رفح الذى أصبح من هذا الوقت مغلقا وتحت سيطرة دولة الإحتلال الإسرائيلى، لذلك فإن مصر تحركت وما زالت تتحرك مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولى كله من أجل أن تتوقف إسرائيل عن استكمال عملية رفح وتنسحب من المعبر من أجل حركة إدخال المساعدات إلى القطاع، أخذا فى الاعتبار أن هناك توافقا بين مصر وواشنطن والعالم كله إزاء ضرورة وقف العمليات العسكرية فى رفح والانسحاب من المعبر.
 
 
 
 
يوسف أيوب
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق