"راهب الليل".. طاهر أبو فاشا "صديق الشباب" أول دواوينه
الأحد، 12 مايو 2024 06:36 م
تحل اليوم ذكرى رحيل الشاعر "طاهر أبو فاشا"، الذي توفي 12 مايو عام 1989، تاركا اسما خالدًا في الحركة الثقافية والفنية، وأثراً لن يزول من جماهير الإذاعة والتليفزيون المصري، كمبدع متميز.
طاهر أبو فاشا وميلاده ومسقط رأسه
طاهر أبو فاشا، ولد في دمياط 22 ديسمبر 1908، وكانت طفولته عادية، حيث نشأ في أسرة متوسطة، والده كان تاجر حبوب، وهي تجارة محدودة ومكسبها محدود، والتعليم أيضا في العشرينيات كان محدود فلم يكن هناك غير الكتاتيب وبعض المدارس الأولية والجامع أو معهد دمياط الديني في جامع "المدبولي" أو جامع "البحر"، أما المدرسة الميري والتي أسموها فيما بعد المدرسة الإبتدائية فلم يكن يدخلها إلا عدد محدود من أبناء القادرين، فقد كانت مصاريفها لا يقدر عليها إلا المتيسرين من الناس، فضلا عن أن المراحل التالية من التعليم لم تكن متوافرة في المدينة.
طاهر أبو فاشا تخرج من كلية دار العلوم عام 1939، وعمل منذ طفولته صانعا للأحذية داخل إحدى الورش وكان أول راتب يحصل عليه هو "ريال" في الأسبوع، أي ما يعادل "3 كيلوجرامات لحم" أسبوعيا، إلا أن مشاجرة سياسية حامية بين "الإسكافيين"، أنصار سعد باشا زغلول، و"المعماريين"، أنصار عدلي يكن باشا، كانت نهاية علاقته بصناعة الأحذية.
طاهر أبو فاشا عمل مدرسا فى مدرسة "عنيبة" ثم بالواحات، وذلك بعد تخرجه من كلية دار العلوم بالقاهرة، وقطع رحلة التدريس بالعودة للقاهرة ليعمل بالفن والصحافة، وراح يؤلف التمثيليات الفكاهية وغيرها، ويختلط ببعض الفرق الفنية التى تمرس، من خلال وسطها الفني الشعبي، بخفايا الفن، ولما زارت إحدى الفرق مدينة الزقازيق أقام لها إبراهيم دسوقي أباظة باشا حفل غداء، وألقى به الشاعر الشاب آنذاك قصيدة استرعت نظر الداعي، وتعرف أباظة عليه ورعاه، ودعاه للعودة إلى التعليم، فعاد مدرسا بمدرسة دمياط الإبتدائية الأميرية، ثم مدرسة المعلمين بسوهاج، وحين أنشئت جماعة أدباء العروبة، انضم إليها.
طاهر أبو فاشا عينه الوزير إبراهيم دسوقي أباظة سكرتيرا بوزارة الأوقاف، فلما نقل وزيرا للمواصلات نقله معه، وجعله وكيلا لمكتب بريد العباسية، فرئيسا للمراجعة العامة، وانتهى به الأمر فى وظيفة بإدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة، رئيسا لقسم التأليف والنشر، وبقى فيها حتى أحيل للمعاش، فتفرغ للشعر والأعمال الأدبية والإذاعية، ووجد طريقه إلى العديد من النوادي والمجالس الأدبية، ومنها ندوة "القاياتي" التى كانت تضم جمهرة كبيرة من أعيان الأدباء، من أمثال حافظ إبراهيم وعبدالعزيز البشري، وكامل كيلاني، وزكي مبارك.
لقب طاهر أبو فاشا
وكان لقب أبو فاشا هو "راهب الليل"، وهو عنوان ديوان شعري له كما كان له الكثير من الدواوين الرائعة مثل "صوت الشباب"، و"القيثارة السماوية"، و"الأشواك"، و"الليالى"، بالإضافة إلى ديوان "دموع لا تجف" والذي رثى فيه زوجته من خلال قصيدة مؤثرة كتبها لها.
كما كتب أبو فاشا الكثير من الاعمال للاذاعة والتليفزيون ولعل العمل الذي أدخله التاريخ من أوسع أبوابه وحفره في الذاكرة هو"ألف ليلة وليلة"، ولم يكن "ألف ليلة وليلة" عمله الإعلامي الوحيد، فقدم نحو 200 عمل للإذاعة والتليفزيون، منها"فوازير رمضان" التليفزيونية، وعدداً من المسلسلات الإذاعية ومنها "الأسرة السعيدة" و"ركن الريف" و"ألف يوم ويوم"، ايضا كتب "أبو فاشا" عمل إذاعي عن قصة ألفها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهو طالب عنوانها "في سبيل الحرية".
طاهر أبو فاشا ونظراً لنزعته الأدبية أصبح من مرتادي مجالس الأدباء والنوادى الأدبية ومنها ندوة القاياتى التي كانت تضم كبار الأدباء عبد العزيز البشرى وزكى مبارك وشاعر النيل حافظ إبراهيم.
صديق الشباب أول دواوينه
أثناء دراسة طاهر ابو فاشا بالمعهد الديني بدمياط أصدر أول ديوان شعرى له بعنوان "صديق الشباب "، انتقل بعدها إلى الدراسة بالأزهر بالقاهرة وهناك التقى بكبار الأدباء، والكتاب منهم حافظ إبراهيم ولطفي السيد، لكنه فُصِل بسبب تظاهره لرغبته في إقامة حفل تأبين لأحمد شوقي، لكنه ظل يكتب شكواه لكل المسئولين، حتى إنه كان ينظم شعرا يتحدث عن الظلم الذي تعرَّض له، وبالفعل انتصر لنفسه، وتم إلغاء قرار الفصل، وعاد إلى الدراسة.
طاهر أبو فاشا في الإذاعة
تنوعت أشعاره بين العامية والفصحى، وتميزت العامية منها ببساطتها ودقة تعبيرها، والفصحى بلغة عربية سليمة وسحر خاص في تصوير المواطن الجمالية المختلفة، ومن أشهر دواوينه: "القيثارة السماوية، الأشواك، الليالى، دموع لا تجف، راهب الليل، أغاني العشق الإلهي التي غنتها أم كلثوم في فيلم رابعة العدوية أما مؤلفاته فهي: تحقيق مقامات بيرم التونسى، الهز القحوف في شرح قصيدة أبو شادوف، كما كتب فوازير رمضان "الف يوم ويوم".
أفراح النيل فى الإذاعة
التحق طاهر أبو فاشا بالإذاعة، وكان أول أعماله في الإذاعة برنامج "أفراح النيل" مع الإذاعى كروان الإذاعة محمد فتحي، وقد أحدث ذلك البرنامج ضجة كبيرة في وقتها، وذلك ما شجعه على الاستمرار، وبعد ذلك توالت عليه البرامج الإذاعية إلا أنه لاحظ تأخره في كتابة القصائد والدواوين فألقى باللوم على الإذاعة التي شبهها بالجنية لأنها صرفته أكثر من ربع قرن عن الشعر الذي يُعتبَر عشقه الأول.
وضع طاهر أبو فاشا مؤلفات عديدة في أدب الرحلات منها كتابه "وراء تمثال الحرية"،الذى كتبه أثناء رحلته لأمريكا لزيارة ابنته عزة، وكذلك كتابه "20 يوما في روما" وله العديد من الكتب والمؤلفات المختلفة منها السياسى: أيام وأحداث الجمهورية العربية المتحدة، في معركة المصير العربي، قصة السد العالي، الجلاء من الألف إلى الياء، قصة ميناء دمياط، حظي بالكثير من أوجه التقدير، وقد حصل فاشا على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1988.
طاهر أبو فاشا ونشيد الجيش والطيران
كتب طاهر أبو فاشا للإذاعة الكثير من الأعمال، أشهرها "ألف ليلة وليلة"، التى ألَّف منها 800 حلقة على امتداد 26 سنة، وله مجموعة من الصور الغنائية منها: ملاح النيل، أصل الحكاية، الشيخ مجاهد،كما أعد سلسلة "أعياد الحصاد"، وهى سلسلة درامية غنائية تمثيلية، وكتب عملًا دراميًّا غنائيًّا ضخمًا بعنوان "سميراميس"، كان مقررا أن تمثله أم كلثوم، لكنه توقف لأسباب غير معروفة، كما قدم للإذاعة مسلسل "ألف يوم" فى 600 حلقة، وقدم مجموعة كبيرة من الأغانى منها "نشيد الجيش"، و"نشيد الطيران"، وغنتهما أم كلثوم.
طاهر أبو فاشا وفقدان الأحبة ثم الرحيل
وبعد وفاة زوجة طاهر أبو فاشا السيدة نازلى المهدى عام 1979 عانى حزنًا شديدًا، وحاول التغلب عليه باستكمال إصدار دواوينه حتى كان ديوان "دموع لا تجف" عام 1987، والذي أهداه إلى روح زوجته، وعبر فيه عن مدى الحزن والألم الذي ظل مسيطرًا عليه بعد فراقها، ومن أشعار رثائها التي كتبها في هذا الديوان قصيدة بعنوان "الكأس"، وبعد فترة قصيرة من رحيل الزوجة رحل الابن الأكبر فيصل ورثاه في العديد من القصائد، ليقع فريسة المرض وتوفي طاهر أبو فاشا عام 1989 عن عمر 81 عامًا بعد معاناة الأسى والوحشة لرحيل زوجته وابنه الأكبر، لتعود ابنته المهاجرة في أمريكا "عزة" الى مصر لرؤيته، ووداعه إلى مثواه الأخير، وكانه كان ينتظر عودتها ليلقى ربه.