منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، ظهر جليا الاختلاف الصارخ بين تغطية وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية لمجريات الحرب فى أوكرانيا من ناحية، ومجريات الحرب فى غزة من ناحية أخرى، فبينما هاجمت روسيا هجوما شرسا، التفت حول إسرائيل رغم المجازر التى ارتكتب بحق أبناء الشعب الفلسطينى واستهداف الأطفال والنساء وتجويع السكان وتدمير البنية التحتية للقطاع وتهجيرهم قسرا.
واستمرارا لازداوجية المعايير فى الإعلام الأمريكى، كشف موقع "انترسبت" الأمريكى كيف واجه العاملون بشبكة سى إن إن، بما في ذلك مذيعة الأخبار العالمية الشهيرة كريستيان أمانبور، المديرين التنفيذيين للشبكة بشأن ما وصفه الموظفون بإخفاقات قيادية تحريرية لا تعد ولا تحصى في تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة، وفقًا لتسجيل مسرب لاجتماع شامل عقد مؤخرًا وحصل عليه الموقع.
في الاجتماع الذي استمر لمدة ساعة في مكتب سى إن إن بلندن في 13 فبراير ، تناوب الموظفون على استجواب لجنة من المديرين التنفيذيين حول بروتوكولات سى إن إن لتغطية الحرب في غزة وما وصفوه بالمناخ العدائي للصحفيين العرب. وصف العديد من موظفي سى إن إن الصغار والكبار شعورهم بالتقليل من القيمة والإحراج والعار بسبب تغطية سى إن إن للحرب.
ورد أعضاء اللجنة - الرئيس التنفيذي للشبكة العالمية ورئيس تحريرها مارك طومسون، والمحرر التنفيذي للشبكة الأمريكية فيرجينيا موسلي، والمدير العام للشبكة الدولية مايك مكارثي - بتأكيدات واسعة النطاق بأن مخاوف الموظفين قد تم الاستماع إليها، بينما دافعوا أيضًا عن عمل الشبكة وسياساتها. مشيراً إلى العائق المستمر أمام الوصول إلى قطاع غزة.
وفى تقرير سابق للموقع ذاته، كشف عن أن صحيفة نيويورك تايمز وجهت صحفييها، الذين يقومون بتغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بتقييد استخدام مصطلحات "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقى"، وتجنب استخدام مصطلح "الأراضى المحتلة" فى وصف الأراضى الفلسطينية، وفقا لنسخة من مذكرة داخلية حصل عليها الموقع.
وحملت المذكرة أيضا توجيهات للصحيفيين بعدم استخدام كلمة "فلسطين" إلا فى حالات نادرة للغاية، وتوجيه واضح بأن مصطلح "مخيمات اللاجئين" يصف مناطق من غزة يقيم فيها الفلسطينيون النازحون الذين تم تطردهم من أماكن أخرى من فلسطين خلال الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، وهذه المناطق معترف بها من قبل الأمم المتحدة بأنها مخيمات لاجئين وتستضيف مئات الآلاف من اللاجئين المسجلين.
وأوضحت المذكرة، التي تم كتابتها من قبل رئيس تحرير التايمز سوزان ويسلنج ومحرر الشئون الدولية فيليب بان ونوابهما، تقدم توجيها بشأن بعض المصطلحات وقضايا أخرى يواجهها الصحفيون منذ بداية الحرب فى أكتوبر.
وفى حين أن الوثيقة تم تقديمها كملخص للحفاظ على المبادئ الصحفية الموضوعية فى تغطية حرب غزة، فإن العديد من محررى التايمز قالوا لموقع إنترسبت إن بعض من المضمون يظهر دليلا على مراعاة الصحفية للرواية الإسرائيلية.
وقال مصدر من داخل غرفة أخبار التايمز عن هذه المذكرة، إنه يعتقد أن شيئا يبدو مهنيا ومنطقيا لم يكن لديك معرفة بالسياق التاريخى للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن لو كنت تعرف، فإن سيكون واضحا إلى أى مدى يبرر موقف إسرائيل.
وتم توزيع التوجيه على صحفيى التايمز فى نوفمبر، وتم تحديثه مرارا على مدار الأشهر اللاحقة، ويمثل نافذة داخلية عن تفكير محررى التايمز الدوليين فى الوقت الذى يواجهون فيها اضطرابا داخل غرفة الأخبار بشأن تغطية الصحيفة للحرب على غزة.
ومن جانبه، انتقد موقع "ذا نيو هيومنيتاريان" السويسرى – وهو منظمة إخبارية رائدة عالميًا متخصصة في تغطية الأزمات في جميع أنحاء العالم -ازدواجية معايير الإعلام فى التعامل مع الحرب الأوكرانية والحرب فى غزة، وكيف عكفت وسائل الإعلام على استخدام ألفاظ مثل "يموت" الفلسطينيون بينما "يُقتل" الإسرائيليون.
وتحدث الموقع عن دور الإعلام فى التأثير على القضية الفلسطينية، وقال: الحقيقة هي أننا مشروطون مسبقًا بعدم رؤية الإنسانية الفلسطينية، لأن الاستعمار والتفوق الأبيض وكراهية الإسلام لا تزال هي العدسة المهيمنة التي تنظر من خلالها الدول والمؤسسات والشعوب ووسائل الإعلام في الغرب إلى العالم.
وانتقد الموقع سؤال المذيعين للضيوف فى بداية الحرب حول إدانتهم لهجوم 7 أكتوبر، وقال: لماذا إذن يُطلب من العديد من الفلسطينيين الذين أجريت معهم مقابلات على شاشات التليفزيون الأمريكي أو البريطاني إدانة حماس كبطاقة دخول إلى المحادثة، في حين لا يُطلب من الإسرائيليين محاسبة جرائم حكومتهم؟.