سيناء في عيدها الـ42: حدود مصر الشرقية آمنة مستقرة.. لا تهاون ولا تفريط فى حبة رملة من سيناء (4)
السبت، 27 أبريل 2024 11:00 ممحمود على
- أرض الفيروز شهدت أكبر حرب لتطهيرها من الإرهاب بعد طرد الاحتلال.. والوقوف بقوة ضد مخططات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين
تحتفل مصر بعيد تحرير سيناء هذا العام، فى ظروف مختلفة شكلا وموضوعا عن كل الأعوام السابقة، فما تشهده الحدود الشمالية الشرقية الآن لمصر، من وضع أمنى غير مسبوق على خلفية مواصلة الاحتلال الإسرائيلى عدوانه على قطاع غزة للشهر السادس على التوالى، كفيل بأن يجعل أنظار العالم كلها تتجه إلى أرض الفيروز.
المخاطر تزداد وأحلام الإسرائيليين المتطرفين لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين للوطن البديل المزعوم ما زالت قائمة، ولكن فى الحقيقة تصطدم الطموحات الإسرائيلية بمصر القوية التى وضعت سيناء على مدار العقد الماضى، ضمن أولوياتها فى التنمية، بعد أن طهرتها من الإرهاب وحولتها من إمارة أرادت الجماعات الإرهابية أن ترتكز فيها إلى منطقة حيوية يتردد عليها المسئولون الأجانب من كل القطاعات خلال زياراتهم إلى مصر، تارة لتوجيه رسائل إلى العالم حول الأوضاع فى غزة وتارة أخرى ليروا التنمية التى حلت بها رغبة من بلادهم فى الاستثمار.
ولم تكن سيناء يوما واحدا بعيدة عن أذهان القيادة المصرية، حيث اعتمدت الدولة وأجهزتها على مقاربة الأمن والتنمية ومواجهة مخططات الخارج لتحقيق الاستقرار بسيناء والنهوض بها وبمستوى حياة أهلها، فلم ترتكن الدولة إلى المقاربة الأمنية والمواجهة مع الجماعات الإرهابية فقط، بل سارت فى اتجاه التنمية بالتوازى، متحركة أيضا على جميع الاتجاهات للتصدى لكل المحاولات الهادفة إلى جعلها مخيم لاستقبال المهاجرين الفلسطينيين من أرضهم بضغط آلة البطش الإسرائيلية.
القضاء على الإرهاب فى سيناء
عقد من الزمن، كان كفيلا بأن تتحول فيه سيناء، خاصة شمالها، 180 درجة من منطقة يدب فيها الانفلات الأمنى تشهد غياب لهيبة الدولة والقانون ينتشر فيها الإرهاب تمثل نقطة انطلاق للعمليات الإرهابية فى الداخل والخارج، إلى محافظة يضخ الأمن والتنمية فى شرايينها، حيث نجحت مصر خلال العشر سنوات الماضية فى استعادة الاستقرار بعد رحلة صعبة شهدت خلالها معارك على خط النار مع الإرهاب.
ومرت عمليات تطهير سيناء من الإرهاب بالعديد من المراحل خلال السنوات الماضية، لإحكام السيطرة على المنافذ الخارجية وضمان تحقيق التطهير الكامل لمناطقها من البؤر الإرهابية وتحصين المجتمع المصرى من شرور الإرهاب والتطرف، بالتوازى مع مواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير، فضلا عن تهيئة الظروف المناسبة لبدء أعمال التنمية بسيناء، والحقيقة أن عملية تطهير سيناء من الإرهاب لا تقل أهمية عن النصر أكتوبر، وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى سابقا عندما قال إن «القتال الذى تم على أرض سيناء ضد الإرهاب، لا يقل عن أى قتال قامت به مصر فى معارك سابقة، واللى اتعمل فى الحرب دى لا يقل عن انتصار أكتوبر».
فشمال سيناء التى كانت ساحة حرب حقيقة، مليئة شوارعها بطلقات الرصاص الفارغة الملقاة على الأرض، والعبوات الناسفة والدشم الحربية والمساكن المتهالكة من آثار الرصاص، كان مخططا لها من جانب الجماعات الإرهابية التى تسكنها والدول التى تساعدها أن تكون شوكة فى ظهر مصر، بتأسيس إمارة تحكمها مجموعة من الإرهابيين ينطلق منها العمليات الإرهابية فى الداخل والخارج، ولكن نجاح مصر فى القضاء على كل هذه المخططات خلال فترة وجيزة، جعل الأعداء يلجئون إلى طرق أخرى لتفخيخ شبه جزيرة سيناء.
حلم إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء
ولم ترَ إسرائيل أفضل من إطلاق الأكاذيب وحملات التشويه ضد الدولة المصرية من أجل أن تضع حدا للاستقرار الأمنى الذى تشهده أرض سيناء خلال الفترة الماضية، فما ينشره الإعلام العبرى ولم يخفِهِ المسئولون الإسرائيليون الرسميون من مزاعم واهية عن مسئولية مصر عن تعطل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة أو إدخال الأسلحة إلى قطاع غزة، ما هو إلا دليل واضح على أن الاحتلال لا تزال عيناه على سيناء يريد أن يجعلها بؤرة للتوتر لإحياء مخططه الساعى إلى تهجير الفلسطينيين لأرض الفيروز.
الأكاذيب التى أطلقتها إسرائيل مؤخرا ونشرتها فى مقال مجهول بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، يحمل توقيع مسئول كبير سابق فى الموساد والمخابرات العسكرية، تقاعد عام 2019، دون الكشف عن اسمه، تكشف محاولة تل أبيب زعزعة استقرار سيناء بتوجيه رسائل خبيثة، بزعم أنها ما زالت تمر بحالة أمنية صعبة وتمر من خلالها الأسلحة داخل قطاع غزة، وهى ادعاءات تتضح جليا أنها يراد بها باطل، والرد المصرى كان واضحا للحقائق، وفضح أن الهدف وراء بث تلك الأكاذيب الإسرائيلية هو النيل من الجهود المصرية وعودة التوتر إلى سيناء، وبالنظر إلى الحقيقة فإن أى شاحنة تدخل قطاع غزة من هذا المعبر، تمر أولا على معبر كرم أبوسالم، التابع للسلطات الإسرائيلية، التى تقوم بتفتيش جميع الشاحنات التى تدخل القطاع، كذلك، فإن من تتسلم هذه المساعدات هى جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى والمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة كالأونروا، الأمر الذى يثبت بشكل واضح كذب المزاعم الإسرائيلية.
وكان وزيرا الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش أعلنا دعمهما لـ«التهجير الطوعى للفلسطينيين» من قطاع غزة، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية «الرسمية»، عن وزير المالية قوله إنّ «أكثر من 70% من الجمهور الإسرائيلى يؤيد حلا إنسانيا لتشجيع الهجرة الطوعية لعرب غزة واستيعابهم فى بلدان أخرى»، فيما قال بن غفير: «يجب علينا تعزيز الحل لتشجيع هجرة سكان غزة، فهذا هو الحل الصحيح والعادل والأخلاقى والإنسانى».
فى المقابل تصطدم هذه الدعوات الإسرائيلية بالرفض المصرى القاطع، فلم يفوت الرئيس السيسى أى مناسبة إلا ويؤكد فيها أن الدولة المصرية لن تفرط فى أرض سيناء، فقال خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد مارس الماضى أنه «لا يمكن أن نفرط فى حق الفلسطينيين وأرضهم وأرض سيناء، أرضنا وبلادنا ومسئولين عن حمايتها»، موجها رسائل عديدة مباشرة على رأسها أنه لا مساس بشبر واحد من سيناء، وأن كل الخطط الموضوعة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مرفوضة بشكل قاطع من مصر، وأنها لن تقبل تحت أى ظرف من الظروف وضع حلول بديلة للقضية الفلسطينية.
ولم يكن حديث الرئيس السيسى عن رفضه سياسة التهجير المتبعة ضد الفلسطينيين هو الأول من نوعه، فمنذ بداية العدوان الإسرائيلى على القطاع المحاصر، وتقف مصر وقياداتها بشكل حازم ضد كل المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى التهجير، حيث جاء موقف القاهرة واضحا أمام العالم لمن يروجون لحلول بديلة ويضغطون لتمريرها رافعة شعارا واحدا عنوانه «لن نقبل بغير الحل العادل.. والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 فى إطار حل الدولتين.. وأن العالم لا يجب أن يقبل استخدام الضغط الإنسانى، للإجبار على سياسة التهجير».
وتجدد مصر مرارا وتكرارا مع الدفاع عن مسار حل الدولتين، بالتشديد على الرفض التام، للتهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء، فالرئيس السيسى، كان أول من فطن للأهداف الإسرائيلية، لذلك كان أول من تحدث عن هذه المخططات فور بدء العدوان الإسرائيلى على القطاع، مؤكدا أن مصر لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضى المصرية، مؤكدا رفض مصر القاطع لتصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل من خلال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، وضرورة العمل على التهدئة بما يتيح المجال أمام فتح المسار السياسى وصولا إلى حل الدولتين، الذى يمثل الطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم فى المنطقة.
واستطاع الرئيس السيسى بهذه الأحاديث المباشرة، إحباط مخطط التهجير القسرى لسكان قطاع غزة، وتوطينهم فى سيناء وما كان سيتبعه من تصفية كاملة للقضية الفلسطينية بل واتساع دائرة الحرب وتداعيات ذلك على الأمن القومى المصرى والعربى، ووقف الرئيس السيسى حائط صد أمام دعوات الاحتلال الإسرائيلى لتُجبر القوى الدولية على تبنى وجهة النظر المصرية، وبفضل تلك التحذيرات القاطعة لمحاولات جر مصر للحرب، تغيرت مواقف الدول الداعمة لتنفيذ مخطط «الوطن البديل»، كما خرجت حكومة الاحتلال الإسرائيلية محرجة لتنفى أى محاولات من جانبها لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، رغم ما لديها من خطط سرية لتنفيذ هذه المهمة.
سيناء آمنة والعالم يقتنع برؤية مصر الرافضة للتهجير.
كما أن رسائل مصر الواضحة والرافضة للتهجير فى أكثر من مناسبة على لسان الرئيس السيسى، دفعت الكثير من الدول الكبرى والإقليمية إلى اتخاذ موقف أشد حزما ضد المخططات الإسرائيلية الساعية إلى تنفيذ حملات التهجير، والبداية جاءت من الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى أكد أن الولايات المتحدة ترفض نزوح الفلسطينيين خارج أراضيهم، معربا عن التقدير البالغ للدور الإيجابى الذى تؤديه مصر والقيادة المصرية بهذه الأزمة، فى الوقت الذى أعربت فيه فرنسا أيضا عبر وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه عن رفضه تهجير أهالى قطاع غزة قسرا إلى شبه جزيرة سيناء شمال شرق مصر، تحت ضغط الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
الخارجية البريطانية كانت من الدول التى اتسق موقفها أيضا مع مصر فيما يخص هذا الأمر، حيث أعربت عن رفضها لتهجير الفلسطينيين، مؤكدة أن «غزة أرض فلسطينية محتلة، وسوف تكون جزءا من دولة فلسطينية مستقبلا، قائلة إنه «يجب ألا يُجبر أهالى غزة على النزوح أو الانتقال إلى مناطق أخرى»، مضيفة: «نرفض بكل شدة، إلى جانب شركائنا الدوليين، أى اقتراح بإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة»، فيما ندد منسق السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل بالدعوات الإسرائيلية إلى تنفيذ خطة لهجرة الفلسطينيين، قائلا إن «عمليات التهجير القسرى محظورة تماما وتعد انتهاكا خطيرا للقانون الإنسانى الدولى».
الاقتناع الدولى بالرؤية المصرية الرافضة لسياسة التهجير بات واضحا، فلم يتوقف هنا رفض الكثير من الدول للخطط الإسرائيلية، فوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية مارتن غريفيثس، أعرب هو الآخر عن القلق البالغ إزاء التصريحات الإسرائيلية المتطرفة للنقل الجماعى للمدنيين من غزة إلى بلدان ثالثة، وأكد «غريفيثس» أن التصريحات الإسرائيلية تثير مخاوف جدية بشأن إمكانية النقل أو الترحيل بشكل جماعى وقسرى للسكان الفلسطينيين من قطاع غزة، «وهو أمر محظور تماما بموجب القانون الدولى»، وفى اجتماع عقده مجلس الأمن الدولى حول الوضع فى الشرق الأوسط، شدد على ضرورة رفض أى محاولة لتغيير التركيبة الديمغرافية لقطاع غزة بحزم، وأكد أن «أى شخص نازح فى غزة يجب أن يُسمح له بالعودة، وفق القانون الدولى».
من جانبها، وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، تهجير إسرائيل القسرى للفلسطينيين بـ»جريمة ضد الإنسانية»، موضحة أن «التهجير القسرى جريمة ضد الإنسانية، وأن إسرائيل تنفذ ذلك بتهور منذ عقود من الاحتلال غير القانوني»، مضيفة أن إسرائيل نقلت خطة التهجير القسرى هذه إلى مستوى جديد من خلال ترويع السكان وتجويعهم وقصفهم، كما أعرب المفوض السامى لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، عن «القلق الشديد» إزاء تصريحات الوزيرين، فيما قال المقرر الأممى المعنى بالحق فى السكن اللائق بالاكريشنان راجاغوبال، إنّ الترحيل القسرى لسكان غزة «إبادة جماعية»، والدول التى تنوى استقبالهم سترتكب «جريمة» دعم هذه الإبادة.
التنمية فى سيناء خط الدفاع الأول
الرفض المصرى لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، لم يأتِ عبر التصريحات فقط، بل بما تشهده شبه جزيرة سيناء المصرية على أرض الواقع من تنمية مستدامة وتحسين لجودة حياة السكان المحليين، فما قاله رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، قبل أشهر حول دلالة خطوة التوجه نحو سيناء وتنميتها، يدل على الفكر المصرى المستقبلى لهذا الملف، حيث قال «مدبولى» إن «القوة العسكرية لن تستطيع وحدها حماية سيناء، ولا سبيل لإنهاء أى مخطط مستقبلا إلا بالتنمية الشاملة»، مشيرا إلى الجهود الحثيثة التى تبذلها الدولة المصرية لتنمية سيناء بصورة كاملة والتى تشمل أن يكون هناك 8 ملايين مصرى داخل سيناء قبل 2050، قائلا: «تراب سيناء عزيز علينا، وعقيدتنا دائما النصر أو الشهادة».
وخلال العقود الأخيرة، شهدت سيناء استثمارات كبيرة فى مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية للمجتمع، وتتمثل جهود التنمية فى سيناء فى عدة مجالات، فتشهد سيناء جهودا مستمرة ومتواصلة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة السكان، فمنذ العقود الأخيرة، شهدت سيناء استثمارات كبيرة فى مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية للمجتمع.
كما تشمل البنية التحتية والخدمات العامة تطوير وتحسين مستمر ومتواصل، بما فى ذلك الطرق والمواصلات والمرافق الصحية والتعليمية، وشهدت المنطقة إنشاء مشاريع لتوفير المياه والكهرباء والصرف الصحى للمناطق النائية، وتحسين وتطوير المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، كما يُعَدّ قطاع السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية فى سيناء، وقد شهدت المنطقة استثمارات كبيرة فى تطوير المنشآت السياحية وتعزيز الخدمات السياحية. وتهدف هذه الجهود إلى جذب المزيد من السياح وتعزيز النشاط الاقتصادى فى المنطقة.
وتُعَدّ الزراعة والصناعة من القطاعات الحيوية فى اقتصاد سيناء، وشهدت المنطقة جهودا مستمرة لتطوير هذين القطاعين وتحسين أدائهما، وتم تنفيذ مشاريع لزيادة الإنتاج الزراعى وتعزيز التسويق للمنتجات الزراعية المحلية، بالإضافة إلى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار فى هذا القطاع.
وتتميز جهود التنمية فى سيناء بالتعاون الوثيق بين الحكومة المصرية والمؤسسات الدولية والمحلية، إضافة إلى دور القطاع الخاص والمجتمع المحلي. ومن المهم أن تستمر هذه الجهود بشكل مستدام لضمان تحقيق التنمية المستدامة فى المنطقة ورفاهية سكانها.