القاهرة التاريخية تلتقط أنفاسها
السبت، 20 أبريل 2024 08:00 م
تحويل المنطقة إلى متحف مفتوح بعد تفريغها من المباني الحكومية والوزارات.. و149 أثراً في استقبال الزوار
70 مليار جنيه تكلفة إحياء المدينة القديمة وتحسين البيئة العمرانية والسكنية والبنية التحتية
جاءت العاصمة الإدارية الجديدة لتكون مرآة عاكسة للتقدم العمراني في قلب القاهرة التاريخية التي تعود لما يقرب من 1500 سنة، إذ وضعت الحكومة خطتها لإعادة الرونق للعاصمة والترويج لها كمزار سياحي استغلالا لما تحويه من مواقع ومعالم أثرية تمثل مختلف العصور والحقب التاريخية عبر تنفيذ المشروع القومي لتطوير القاهرة التاريخية، وتكامل الخطة ليس للمباني الأثرية القائمة فقط، بل جاءت لتستهدف إحداث تطوير شامل متكامل، لتحويل المنطقة لما يشبه «متحف مفتوح» للمصريين والعالم أجمع، يروي لنا كافة الحقب التاريخية التي مرت بها مصر.
وفي نهاية الاسبوع الماضي عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعاً ؛ لمتابعة موقف مشروعات إعادة إحياء القاهرة التراثية، بحضور الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، واللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، واللواء إبراهيم عبد الهادي، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، والمهندس خالد صديق، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الحضرية، وعمرو إلهامي، المدير التنفيذي لصندوق مصر الفرعي للسياحة والاستثمار العقاري، والدكتور عبدالخالق إبراهيم، مساعد وزير الإسكان للشئون الفنية، وأكد مدبولى ضرورة أن يكون هناك كيان أو جهة تتولى إدارة المشروعات الجاري تنفيذها والمقترحة في القاهرة التراثية، بعد الانتهاء منها، وذلك بهدف الحفاظ على ما تم تنفيذه في هذا الإطار.
وأشار وزير الإسكان إلى أن حجم ما تم انفاقه من استثمارات لإعادة إحياء مناطق القاهرة التراثية خلال السنوات الأخيرة كبير جداً، وهو ما يستوجب ضرورة الحفاظ على ما تم من أعمال، لافتاً إلى أهمية الجمع بين القاهرة التراثية والخديوية تحت مظلة واحدة لإدارتها والاهتمام بها، منوهاً في هذا الصدد إلى الرؤى السابقة المطروحة منذ سنوات بأن يكون هناك قانون خاص للعاصمة، يسهم في الحفاظ عليها، واستعادة رونقها وجمالها.
واكد رئيس الوزراء علي ضرورة أن يكون هناك كيان واحد مؤسسي مسئول عن هذه المناطق المطورة، مرحباً بفكرة إعادة طرح أهمية وجود قانون خاص للعاصمة، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة أن تكون هناك رؤية متكاملة بشأن المخططات والمشروعات المستقبلية بكل المناطق في القاهرة التراثية، ويتم تضمين المشروعات التي تم تنفيذها للتطوير، وذلك سواء ما يتعلق بميدان التحرير، أو القاهرة الخديوية، أو في المنطقة التراثية، وكذا منطقة الفسطاط، ومجرى العيون وغيرها.
وخلال الاجتماع، عرض وزير الإسكان موقف تنفيذ مشروع إحياء حديقة الأزبكية التراثية على مساحة نحو 10 أفدنة، والذي يستهدف استعادة المكونات التراثية للحديقة، من خلال الحفاظ على الأشجار التراثية، ومنطقة التبة، وتجديد بُرجُولة قمة التاج والنافورة الأثرية ونادي سوق السلاح، وإحياء البحيرة والكوبري الخشبي وسور الحديقة والبُرجولات التاريخية.
وجاء مشروع "تطوير القاهرة التاريخي"، ليضم 149 أثرا، مع مشروعات ترميم مستقلة، وكانت بداية العمل في المشروع بشكل رسمي، أواخر 2020، بالتنسيق بين صندوق مصر السيادي، ووزارة الإسكان، ويهدف لتطوير منظومة الفراغات العامة والمناطق المفتوحة، وتحسين مستوى جودة الحياة للمواطنين وإتاحة مناطق حضارية تتيح لهم التنزه وممارسة الأنشطة المختلفة.
وعملت وزارة الإسكان على إعداد المشروع، الذي يسعى لعودة القاهرة للقيام بدورها التاريخي، والثقافي، والسياحي، والأثري، حتى تتكامل مع مركز ريادة المال والأعمال في العاصمة الإدارية الجديدة، الجاري العمل بها، وتشكل كلاهما معًا العاصمة الجديدة للدولة المصرية الحديثة.
وشملت خطة تطوير القاهرة التاريخية، بحسب بيانات صندوق التنمية الحضرية، مناطق "الدرب الأحمر والجمالية والحسين ومناطق بحي الخليفة"، والتي تضم عددا كبيرا من الآثار الإسلامية والمباني التراثية، وذلك ضمن خطة إعادة الرونق الحضاري للعاصمة وتعظيم الاستفادة من هذه المناطق.
ووجّه الرئيس السيسي، بالاهتمام بصَوْنِ المواقع والمنشآت الأثرية، وذات القيمة التاريخية، بحيث يتم إبراز الطابع الفريد والروح المعمارية الأصيلة للمنطقة، بالإضافة إلى زيادة المساحات الخضراء لتصبح مُتنفساً لسكان المنطقة والمترددين عليها، وأن يتم تنفيذ كل ذلك في إطارٍ متكاملٍ ومتسق مع الأعمال الجارية لتطوير المجتمعات المجاورة، على النحو الذي يحسن جودة الحياة بالقاهرة، على صعيد مُختلف الأبعاد التنموية، سواء العمرانية والحضرية، أو الثقافية والسياحية.
اشتملت ملامح تطوير القاهرة التاريخية على رؤى عدة لتغير شكل المنطقة بشكل عام، وشملت أعمال التطوير بالمنطقة المحيطة بمسجد الحاكم وباب النصر وباب الفتوح على مساحة 14 فدانا، وحدودها شارع الجمالية شرقا وشارع المعز غربا وشارع الضبابية جنوبا.
أما منطقة جنوب باب زويلة تعد المنطقة الثانية في مخطط أعمال التطوير بمساحة 8.5 فدان، وتشمل المنطقة المحصورة بين شارع أحمد ماهر والدرب الجديد شمالا حتى عطفة السبكي جنوبا وتضم منطقة قصبة رضوان والخيامية حتى حمام القربية، وشملت المنطقة الثالثة ضمن مخطط التطوير منطقة حارة الروم وباب زويلة، على مساحة 8 أفدنة، وتشمل المنطقة الواقعة خلف وكالة نفيسة البيضاء حتى حارة الروم شمالا وجنوبا حتى شارع أحمد ماهر والدرب الجديد.
والمنطقة الرابعة جاءت المنطقة المحيطة بمسجد الحسين وتشمل المنطقة المحددة بشارع الأزهر جنوبا وشارع سيد الدواخلي شرقا ومن الغرب شارع أم الغلام والدرب الأحمر وشمالا حتى تقاطع شارع قصر الشوق مع الجمالية بمساحة 13.7 فدان، أما منطقة درب اللبانة هي المنطقة الخامسة في مخطط تطوير القاهرة التاريخية على مساحة 10.5 فدان، وتشمل منطقة قلب درب اللبانة المحددة بشارع سكة الكومي شرقا وسكة المحجر وميدان صلاح الدين (ميدان القلعة) جنوبا، والجزء المطل على شارع الرفاعي غربا.
وتشمل خطة التطوير إعادة تأهيل وترميم المنطقة السكنية حول مسجد الحسين، ومنطقة خان الحسين للحرف اليدوية، وإنشاء جراج ميكانيكي وتطوير المنطقة بشارع الأزهر، ومنطقة درب اللبانة، ومنطقة باب زويلة، ومنطقة مسجد الحاكم بأمر الله، كما سيتم تأهيل وإحياء منطقة درب اللبانة، وتشمل الأعمال إعادة ترميم واجهات المباني، وإقامة عدد من المشروعات التعليمية، والثقافية، إلى جانب إنشاء فندق، وسوق تجاري، وموقف سيارات.
ومقترح التأهيل المعماري لمنطقة مسجد الحاكم على مساحة 52 ألف م2، إقامة فنادق تراثية وإحياء لوكالات قديمة مندثرة، وإنشاء جراج متعدد الطوابق، وساحة رئيسية، وساحة أنشطة سور القاهرة، ومطاعم وأنشطة سياحية وتجارية، ومن المستهدف تنفيذ مخطط كامل لشبكة الطرق والشوارع بالقاهرة التاريخية واعتماد مخطط مروري للمنطقة، ومسارات للمشاة، ويتم إجراء حصر شامل للأماكن الخربة والمناطق الفضاء وملكياتها للاستفادة بها في أعمال التطوير.
ومن المخطط تجديد منطقة "سوق السلاح"، لتصبح مسارا لعرض جميع الفصول التاريخية التي مرت على القاهرة التاريخية بداية من العصر الفاطمي المتمثل في المقامات القديمة إلى العصر الحديث مرورا بالعصرين المملوكي والتركي.
ويتضمن المقترح إمكانية إعادة التأهيل بأنشطة مختلفة تجذب الزوار المهتمين بالزيارات الدينية، أو الحمامات الشعبية، أو تطوير الطبيعة السكنية والمجتمعية، أو توزيع وإدارة المياه في المدينة القديمة، أو أصول الحرف التقليدية، مما يضمن وجود حركة سياحية وثقافية مستمرة، كما تم اقتراح إمكانية إضافة إقامة سياحية بالمسار لتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
نقل ورش القاهرة
وتسعى الحكومة إلى نقل الورش داخل القاهرة التاريخية كونها لا تصلح في المنطقة ذات القيمة التراثية، ومنها السباكة والنجارة والحدادة والميكانيكا وسمكرية السيارات، فيما تشير تقارير ببناء 60 فدانا على محور جيهان السادات ليكون عبارة عن مجمع ورش.
وتؤكد محافظة القاهرة إنشاء مجمع شمال الحرفيين في حي منشأة ناصر، حيث يستهدف المشروع إخلاء منطقة القاهرة التاريخية من الورش التي لا يتناسب وجودها مع طبيعة المكان وأهميته التاريخية والسياحية.
ووافق المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة، على مشروع تخطيط منطقة شمال الحرفيين بمسطح حوالي 60 فدانا بحي منشأة ناصر، ويضم المشروع 15 عمارة وفي كل واحدة 40 وحدة سكنية بإجمالي 600 وحدة ويبلغ مسطح الوحدة الواحدة 83 م2 كما يضم 3 عمارات بإجمالي 60 وحدة مسطح الوحدة الواحدة 75 م2.
ويتضمن المشروع أيضا إقامة 984 ورشة حرفية بمسطح يتراوح بين 12 م2 و40 م2 للورشة الواحدة، كما يشمل المشروع إقامة أسواق للجملة ومباني خدمية للورش.
ويضم المشروع كذلك الخدمات التالية: مسجد بمسطح 1644 م2، وكنيسة بمسطح 2000 م2، ومدرسة مَهنية بمسطح 1514 م2، ووحدة صحية بمسطح 397 م2، ووحدة إسعاف بمسطح 133 م2، وسجل مدني بمسطح 300 م2، ووحدة إطفاء بمسطح 346 م2، ونقطة شرطة بمسطح 334 م2، ومخبز بمسطح 1736 م2، وسوق تجاري بمسطح 596 م2، ومنافذ بيع بمسطح 360 م2، ونادي اجتماعي بمسطح 10357 م2، وموقف ميكروباص وميني باص وخدماته بمسطح 11372 م2.
ترميم وتطوير
ويمزج مشروع إحياء القاهرة التاريخية بين الترميم والتطوير ويتضمن إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع تاريخها وقيمتها الكبرى، والمردود الاقتصادي والاستثماري، ويعد جزء أساسي من مشروع إحياء المنطقة، تدشين عمل قائمة أنشطة تجارية تتناسب مع طبيعة المنطقة، مثل البازارات، والأسواق، والمحال التراثية، وسيتم ضمن المشروع معالجة الصرف الصحي، ومعالجة البنية التحتية مع توفير شكل جمالي داخلي وخارجي للسكان.
يقول المهندس خالد صديق، رئيس صندوق التنمية الحضرية، إنه حاليا يجري العمل في المرحلة العاجلة لإعادة التأهيل العمراني داخل عدد من المناطق، وهي «منطقة باب زويلة، منطقة حارة الروم، منطقة درب اللبانة، المنطقة حول میدان القلعة، المنطقة المحيطة بمسجد الحاكم، المنطقة المحيطة بمسجد الحسين»، موضحاً أن مشروعات إعادة إحياء القاهرة التاريخية تستهدف التأهيل العمراني عبر تحسين البيئة العمرانية والسكنية والبنية التحتية وتحسين الخدمات والفراغ العام وحركة المرور ووسائل الحركة والسياسات العمرانية وسبل إدارتها، بجانب التأهيل المجتمعي والذي يتمثل في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلية من خلال تطوير تعليمهم ومهاراتهم وخاصة في مجال الحرف، وتوفير موارد تمويلية، وتوفير الوظائف.
وأضاف أن تكلفة إحياء القاهرة التاريخية تبلغ حوالي 70 مليار جنيه، ومنها تطوير حدائق الفسطاط على مساحة 500 فدان بتكلفة 6 مليار جنيه وستكون على مستوى عالمي، لترسيخ الأصل وهي القاهرة الإسلامية والعمارة الإسلامية التي فُقدت مع الزمن، موضحا: "نحاول نرجع الماضي وهو القاهرة 1930 أجمل مدن العالم".
وظهر قلب العاصمة كمتحف مفتوح، حيث يتم ترميم كل العقارات بوسط البلد، بالتزامن مع توحيد واجهات المحال الموجودة بها، بعد إزالة البروز والتعدي على الأرصفة، لتعود في شكلها إلى عهد الخديوي بشكلها القديم الكلاسيك، وذلك بالاستعانة بجهاز التنسيق الحضارى الذى يصمم شكل الواجهات بعد الاستعانة بالصور القديمة لمنطقة القاهرة الخديوية.
وظهرت العقارات التى انتهت الأجهزة المعنية من ترميمها، بشكل جمالي أعاد للأذهان شكلها منذ 150 عاما، وذلك بعد توحيد واجهات المحال التجارية وإزالة البروز والتعديات على الطريق والأرصفة، وهو ما ظهر جليا بميدان طلعت حرب بعد اكتمال ترميم كل واجهات العقارات المطلعة عليه، كما شهد شارع قصر النيل أعمال تطوير موسعة لتشمل كافة العقارات حتى ميدان الأوبرا، ويجرى ترميم العقارات على غرار ما تم تنفيذه بميدان التحرير، لتظهر العقارات تحف فنية رائعة.
لا عشوائيات
وتعمل أجهزة محافظة القاهرة بالتعاون مع شركة المقاولات المنفذة للمشروع واجهات المحال ليتم تنفيذ واجهات موحدة بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضارى، كما يتم الاستعانة بالصور القديمة التى تبرز شكل العقارات ليتم تنفيذ مشروع الترميم على نفس الشكل القديم الذى ظهر بتلك الصور.
من جانبه أكد اللواء إبراهيم عبد الهادى نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، أن أجهزة محافظة القاهرة واصلت أعمال تطوير منطقة وسط البلد والتى تمثل القاهرة الخديوية، والتى تضم 500 عقار ذات طراز معمارى، حيث يتم ترميمها بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضارى، مضيفا أنه يتم توحيد واجهة المحال، بمنطقة القاهرة الخديوية ، وذلك على غرار ما تم تنفيذه بميدان التحرير، لتظهر العقارات بشكلها الحضارى ذو الطراز المعماري الفريد، فكل عقار من عقارات وسط البلد له طراز خاص به ويحكي تاريخ ومواقف شهد عليها.