لماذا تكره إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة؟

الأحد، 31 مارس 2024 12:00 ص
لماذا تكره إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة؟
أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة
محمود علي

- غوتيريش «رجل السلام» انحاز للإنسانية ونادى من أمام معبر رفح بوقف كابوس غزة

- الأمين العام للأمم المتحدة فضح أكاذيب تل أبيب وكشف الاعيبها لتعطيل دخول المساعدات.. وشكر مصر على جهودها في مساعدة الفلسطينيين
 
«بالأفعال لا بالأقوال» أثبت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنه صاحب مبدأ ورجل حامل للسلام، فعلى مر السنوات الماضية ومنذ أن تقلد منصبه في عام 2017 تتسم مواقفه بالوضوح دفاعاً عن الحق ونبذ العنف، ساعياً لبث الاستقرار في العالم والدعوة إلى الحوار؛ وهو ما ظهر جلياً خلال الفترة الأخيرة في أزمة غزة، حيث كان دائماً سباقاً بالمطالبة بوقف إطلاق النار في القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي، داعياً بشكل صريح إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي دام أكثر من 75 عاما.
 
وكانت الزيارة التي أجراها خلال الأسبوع الماضي إلى مصر وتصريحاته من أمام معبر رفح الدولي وعلى بعد كيلومترات قليلة من المعاناة التي يشهدها سكان غزة بقوله لهم «لستم وحدكم»، ما هو إلا دليل على الشجاعة والإنسانية التي يتمتع بها هذا الرجل الذي يستحق بجدارة جائزة نوبل للسلام.
 
تصريحات غوتيريش في مصر لم تكن الأولى التي يعبر فيها عن انزعاجه من استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بقطاع غزة، وهو ما تتلقاه آلة الإعلام الإسرائيلية وقادة الاحتلال في كل مرة بحملات تحريض وتشويه للرجل، ما يكشف عن وجه المنظومة الإسرائيلية القبيحة، التي رفعت شعار «أنا بكره غوتيريش» والسخرية أنها جاءت على غرار كلمات أغنية الفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم في أوائل الألفينات «أنا بكره إسرائيل».
 
السؤال المطروح الآن لماذا تكره إسرائيل غوتيريش كل هذا الكره؟.. الإجابة بوضوح أنه رغم العجز الذي تتسم به المنظومة الأممية ككل في الكثير من القضايا الدولية والإقليمية وخاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وفي المقدمة ما يحدث في غزة من دمار شامل وجريمة وصفت بأنها جريمة حرب ضد الإنسانية على مر الـ 6 أشهر الماضية، إلا أن غوتيريش يتحرك خلافاً لكافة المنظمات ويقدم كل ما في وسعه لإحلال السلام في الشرق الأوسط، في حين يقف مجلس الأمن الدولي وأعضاءه عاجزين بل وبالأحرى مشاركين بصمتهم في الجريمة النكراء التي يتعرض لها سكان وأهالي غزة الأبرياء.
 
هذا الكره الإسرائيلي عكسه تصريحات المسؤولين وتغطية الإعلام لتصريحات غوتيريش على مر الـ 6 أشهر الماضية عمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فالرجل الذي  أطل من رفح الأسبوع الماضي في زيارته الثانية إلى العريش في أقل من 5 أشهر رفع صوته عالياً متحدياً كل الأوجه الداعمه للاحتلال في حربه الإبادية والوجودية لغزة، حيث طالب الأمين العام للأمم المتحدة بوقف الكابوس المستمر الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة.
 
كما أن كره إسرائيل الشديد للأمين العام للأمم المتحدة جاء أيضاً بسبب فضحه ممارسات الاحتلال في غزة، فحمل خلال زيارته الأسبوع الماضي لمدينة العريش إسرائيل مسؤولية تعطيل إرسال المساعدات إلى القطاع، مطالباً بضرورة سماح الاحتلال بدخول الشاحنات المكدسة على الجانب المصري من الحدود مع القطاع.
 
كما أراد غوتيريش بزيارته وتفقده مستشفى العريش العام لزيارة الجرحى الفلسطينيين توجيه رسالة واضحة إلى العالم بحجم المعاناة التي يعيشها سكان غزة في الداخل جراء استمرار العدوان وارتكاب مجازر لا حدود لها تستهدف المدنيين العزل،  كما أن اضطلاعه على الجهود المصرية في علاج الجرحى الفلسطينيين، وتثمينه الجهود التي تقوم بها مصر في استقبال المصابين وإدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، وضع إسرائيل في موقف محرج وهي التي دائما ما تصدر عنها اتهامات باطلة تريد من خلالها تشويه الموقف المصري ولنا فيما حدث أمام محكمة العدل الدولية دليلاً بتزيفها للحقائق بتحميل القاهرة المسؤولية عن تعطيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ليأتي موقف غوتيريش كاشفاً عن كم المجهودات التي تقدمها مصر منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث تفقد الأمين العام لشاحنات المساعدات أمام معبر رفح البري والتقى عدداً من العاملين في المجال الإنساني بالقطاع في الجانب المصري من المعبر.
 
كما أنه من الطبيعي أن يتلقى الأمين العام للأمم المتحدة الكثير من حملات التشويه الإسرائيلي، بعدما رفض بشكل واضح وصريح تنفيذ أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية مؤكداً أن هذه الخطوة ستؤدى إلى كارثة إنسانية، حيث لاقت تلك التصريحات وتصريحات سابقة لغوتيريش ردود أفعال فورية من جانب السلطات الإسرائيلية التي اتهمت جوتيريش بتحويل المنظمة الدولية إلى موقع معادٍ للسامية، معتبرة أنها «تؤوي الإرهاب وتشجعه»، أمام هذه الاتهامات أشار جوتيريش أنه أدان «حماس» منذ البداية، ولكنه أكد أن «حماس» ليست الشعب الفلسطيني، ويجب أن يكون نتنياهو قادرًا على التمييز بين حماس والشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن استخدام ما فعلته حماس كسبب للعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى معاناة الفلسطينيين وأنهم يعيشون كابوساً لا ينتهي، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
 
ولم يكن هجوم الإسرائيليين على «جوتيريش» الأول من نوعه، فقبل أشهر قليلة وجهت حملة مماثلة للتي تطلقها الآن السلطات الإسرائيلية والصحف الداعمة لها تنال من جهود الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك ردًا على تصريحات له وجه فيها انتقادات لجيش الاحتلال؛ بسبب غاراته على المدنيين في غزة، الأمر الذي وزير الخارجية الإسرائيلي حينذاك إيلي كوهين قائلًا: «سيدي الأمين العام، في أي عالم تعيش؟».
 
وتعددت تصريحات غوتيريش التي لم تعجب إسرائيل ومنها ما قاله إن تحمل المدنيين لا يعني إصدار الأوامر لأكثر من مليون شخص بإخلاء منازلهم، إلى الجنوب، حيث لا مأوى ولا غذاء ولا دواء ولا مياه، ثم قصف الجنوب نفسه، في حين لم تتوقف هذه الحملة ولم يكتف المسؤولون الإسرائيليون بانتقاد غوتيريش ووصفه بأنه متعاطف مع الإرهابيين وفق زعمهم، بل طالب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، باستقالة غوتيريش، وقال إنه ليس مؤهلًا لقيادة الأمم المتحدة.
 
وخلال زيارة غوتيريش للقاهرة، استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقصر الاتحادية بحضور سامح شكري وزير الخارجية، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، و«فيليب لازاريني» مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، و«إلينا بانوفا» المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر، وفي التفاصي تناول اللقاء العديد من الموضوعات الدولية والإقليمية، مع التركيز على تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث استعرض الرئيس الجهود المكثفة للوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار وتبادل المحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية بالقدر الكافي لإغاثة المنكوبين بالقطاع، سواء بالطريق البري بالتنسيق مع الأجهزة الأممية ذات الصلة، أو من خلال الإسقاط الجوي لاسيما لمناطق شمال القطاع.
 
كما شهد اللقاء تطابقاً في المواقف بشأن خطورة الموقف وضرورة تجنب تغذية العوامل المؤدية لاتساع نطاق الصراع، وكذلك الرفض التام والقاطع لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ورفض والتحذير من أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية، بما لها من تبعات كارثية على الوضع المتدهور بالفعل، كما شدد الرئيس والسكرتير العام للأمم المتحدة على حتمية حل الدولتين كمسار وحيد لتحقيق العدل والأمن والاستقرار بالمنطقة وضرورة تهيئة الظروف الملائمة لتفعيله.
 
وكشفت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمصر ولقاءه بالرئيس السيسي، واختياره أن يلقي كلمة من معبر رفح الدولي وتفقده لشاحنات المساعدات أمام معبر رفح البري كذب الروايات الإسرائيلية وفضح أكاذيبهم حوّل قيام مصر بغلق معبر رفح أمام المساعدات لأهالينا بفلسطين، في المقابل عكست صدق الموقف المصري من القضية فلسطينية الواضح أمام العالم أجمع منذ بداية الأزمة ويرتكز على عدة مبادئ لطالما أكدت عليها مصر في الكثير من المناسبات، معتمدة على جهود دبلوماسية مضنية تهدف الى وقف العمليات العسكرية، وتوظيف ثقل مصر الدبلوماسي في كل المحافل الدولية لضمان استئناف المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية.
 
ففي وقت يواصل فيه العدوان الإسرائيلي مجازره البشعة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، تبنت مصر الحل الشامل بالعودة للمسار السياسي التفاوضي، والذى يحظى بتأييد القوى الدولية، لكن لا زالت إسرائيل تتجاهل دعوات التهدئة رافضه وقف دائم للحرب للنظر في مسار حل الدولتين، ونجحت القاهرة في توصيل رؤيتها للمجتمع الدولي، بعد أن أطلقت خارطة طريق خلال «قمة القاهرة للسلام 2023» التي استضافتها أكتوبر 2023، تستهدف إنهاء المأساة الإنسانية الحالية، وإحياء مسار السلام، وتركزت خارطة الطريق على التدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، ثم التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، ثم البدء العاجل، في مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لأعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تعيش جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولية.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق