حمدي عبد الرحيم يكتب: برنامج «نور الدين» فكرة خارج الصندوق
السبت، 23 مارس 2024 09:00 م
الدكتور على جمعة صوت عالم عاقل هادئ بشوش يبشر ولا ينفر.. وأتمنى تحويله إلى برنامج ثابت ويطوف مدارس الجمهورية ومدنها الكبرى لكى تعم فائدته
قالوا إن المناضل الأممى تشى جيفارا، قد قال: «الطريق مظلم، فإذا أنت لم تحترق، وأنا لم أحترق، فمن سيضيئ الطريق».
القصد أن الطريق ملىء بالعقبات، وهو مظلم بالضرورة، والأمة أى أمة تحتاج دائما لأولادها الذين يواجهون المصاعب والتحديات، ويرضون بدفع ثمن المواجهة.
ومن القصص الإسلامى القديم، قصة تقول: إن الإمام أبو حنيفة كان يحاضر تلاميذه كعادته فى المسجد، وفى يوم أصاب وجع رجله، فجلس مادا رجليه تفاديا للألم.
وبينما الإمام مشغول بمحاضرته، دخل عليه رجل عليه أمارات الوقار والحشمة وجلس، فما كان من أبى حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما وتربّع تَربّع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور.
وكان الإمام يعطى درسا عن دخول وقت صلاة الفجر، والتلامذة يكتبون ما يقوله الإمام، فقال الضيف: يا أبا حنيفة متى يفطر الصائم؟
فأجابه الإمام: يفطر الصائم إذا غربت الشمس.
فقال الرجل بجدية: وإذا لم تغرب الشمس، فمتى يفطر الصائم؟
فقال أبوحنيفة قولته المشهورة: «آن لأبى حنيفة أن يمد رجليه».
كأن فضيلة الشيخ الدكتور على جمعة، قد تمثل القصتين، قصة جيفارا، الذى عرف أن مواجهة الظلام والظلمات، قد تستدعى أن يحترق أحدانا، وقصة أبى حنيفة، الذى عرف أن عقل الرجل السائل ما هو إلا صحراء جرداء تصفر فيها الريح، فلم يدخل معه فى نقاش علمى، بل لم يدخل معه فى أى نقاش!
وقد اختار فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، أن يكون واحدا من الذين يضيئون الطريق، ورضى بدفع الثمن.
فضيلة الشيخ، اختار أن يقدم برنامجا تليفزيونيا من خارج الصندوق، ففكرته ليست سهلة، وتنفيذها من الصعوبة بمكان.
غير الشيخ، يختار أن يجلس هادئا مطمئنا، يتحدث فى جمهور ليس حاضرا حضور الواقع، يتكلم وهو مدرك أن أحدا لن يقاطعه، فالجمهور أمام الشاشات فى داخل البيوت، وهو أمام الكاميرا فى أستديو مغلق، وهذا طريق ممهد معبد، لا مفاجآت تعترض انتظام سيره.
فضيلة الشيخ على جمعة، قرر الذهاب إلى أبعد نقطة فى المواجهة، مواجهة الجهل والركون إلى السائد المتغلب.
فقدم برنامجا للسن الحرجة المتعبة، سن المراهقة، حيث الكون كله ملك يمين المراهق، وكل مراهق، تتملكه شهوة إصلاح العالم، وإعادة تخطيطه وهندسته وفق رؤيته هو الشخصية!
أن تتحدث مع مراهق أو مراهقة، فهذا يحسب لك، وأن تتحدث فى الدين، فهذا صعود إلى قمة جبل التحدى.
بيوتنا هى كما نعرف، ومدارسنا هى كما نعرف، وشوارعنا هى كما نعرف، ومساجدنا هى كما نعرف، فمن أين للمراهق معرفة حقيقة دينه؟
هذا الدين متين سمح بشوش الوجهة رحيم القلب، فهل تصل تلك المعانى الجليلة إلى المراهق؟
المراهق بحكم سنه، وبحكم تجربته البسيطة فى الحياة، يظن بنفسه الظنون، وقد يقولها بينه وبين نفسه أو يطلقها علانية: «وإنى وإن كنتُ الأخيرَ زمانُهُ
لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائل».
إن أى حدة فى التعامل مع المراهقين لهى خطورة فى غاية الخطورة، المراهق يحتاج إلى الحكمة والحنكة، لا إلى الحدة، وشيخنا حكيم محنك، يفسح صدره لأى سؤال حتى لو كان من تلك المنظومة، التى توصف بأنها شائكة، ثم يجيب بهدوء وعلى وجهه ابتسامة رضا تبعث على الاطمئنان لصواب الإجابة.
علاقة أولادنا بالدين، بمفهومه العام فى خطر، وعلاقته بالمعرفة بمفهومها العام فى خطر، وأولادنا يتعرفون على العالم من خلال تجاربهم هم، أو من خلال معارف رفاقهم أو من خلال مواقع الإنترنت، وأكثر المواقع لا تعرف شيئا عن جلال العلم وخطورته، فتجدها تملأ مساحتها بكل غريب عجيب متناقض، فإذا لم يتبرع عالم جليل بوقته وعلمه وصحته، لتعليم أولادنا صحيح دينهم، فقل على الدنيا السلام.
لا أعرف دورة برنامج «نور الدين»، الذى يقدمه فضيلة الشيخ، هل هو برنامج رمضانى، ينتهى بنهاية الشهر المعظم أم هو متواصل؟
أتمنى أن تنتبه الشركة المتحدة، التى تنتج البرنامج لأهميته القصوى، وتجعله برنامجا ثابتا، بل أتمنى لو طاف مدارس الجمهورية ومدنها الكبرى، لكى تعم فائدته، فما أحوجنا وأحوج أولادنا إلى صوت عالم عاقل هادئ بشوش، يبشر ولا ينفر.